لا ينبغي أن يفاجأ أحد بقرار رئيس حزب "حوسين ليسرائيل" (مناعة لإسرائيل)، بيني غانتس، بتفكيك كتلة "كاحول لافان"، التي كان يرأسها حتى الأمس، والانتقال إلى معسكر اليمين بزعامة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو. فقد كانت هذه خطوة متوقعة وكُتب عنها الكثير من المقالات والتحليلات، في أعقاب نتائج انتخابات الكنيست الثالثة، بداية الشهر الحالي، التي أكدت أن غانتس لن يتمكن من تشكيل حكومة.
ووصف المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، اليوم الجمعة، نتنياهو بـ"الساحر"، الذي حقق أمس ما لم ينجح بتحقيقه في الانتخابات، وتمكن من تفكيك "كاحول لافان". ورغم شعور الكثير من ناخبي هذه الكتلة بأنه تمت خيانتهم بخطوة غانتس، خاصة وأن "السبب الوحيد الذي دفعهم للتصويت لهذه الكتلة غير المخبوزة كان رغبتهم برؤية نتنياهو خارج بلفور (أي المنزل الرسمي لرئيس الحكومة الإسرائيلية). لكن قبل أن يرجموا زعيمهم من أول أمس، من الجدير أن يدركوا مدى صعوبة البدائل التي كانت أمامه".
وأضاف برنياع أن غانتس دخل إلى الحياة السياسية كي يكون الشخص الثاني تحت نتنياهو. "وغانتس ليس خائنا، وهو ليس بطلا أيضا. وهو ينتمي إلى جيل الجنرالات الذي لم يحققوا انتصارا في حياتهم العسكرية، وإنما التعادل فقط. وخرجت كاحول لافان جريحة من جولة الانتخابات الثالثة. وتعين على غانتس أن يدرك أن جولة رابعة ستقلص كتلته أكثر. ولم يكن بإمكانه تشكيل حكومة أقلية، وحتى لو كان سينجح بجلب الأصوات المطلوبة من كتلته، كانت هذه الحكومة ستسقط فريسة لأزمة كورونا وآلة نتنياهو الدعائية. ولم يرغب بالجلوس في المعارضة، فهو ليس مبنيا للمعارضة".
وأوضح أن "نتائج الانتخابات أوضحت أن لا مستقبلا لغانتس. ولا لكاحول لافان أيضا. وكتبنا ذلك هنا وفي أماكن أخرى، قبل كورونا وخلالها. وفعل بيني غانتس ما يفعله أي مزارع جيد في موشاف (قرية زراعية) في ظروف كهذه: بحث عن عمل".
وأشار برنياع إلى تجربة تاريخية طويلة في إسرائيل "لانضمام أحزاب وسط لحكومة... والعبرة القاطعة هي أن هذا يبدأ بكلمات جميلة عن الوحدة والطوارئ، ويستمر ببذل جهد محبط من أجل لجم حكومة من أحزاب اليسار، وينتهي بالتحقير والتبدد. ولا يتوقع مصير آخر لغانتس".
واستبعد برنياع أن ينفذ نتنياهو اتفاق التناوب على رئاسة الحكومة مع غانتس. "أعتقد أن هذا اتفاق مفند، وينطوي على فضيحة: من يجلب إلى الحكومة 15 عضو كنيست (من "مناعة لإسرائيل") لا يمكنه الحصول على قوة متساوية لمن يجلب 36 عضو كنيست (من الليكود). وهذا ليس نزيها تجاه ناخبي الليكود ولا تجاه مندوبيهم المنتخبين. ولأن هذا ليس واقعيا، ولأنه حتى موعد تنفيذ التناوب سيتحول غانتس إلى خرقة يتم الدوس عليها في أي زاوية انتقاد ساخر، من اليسار واليمين، فإنه ثمة شك كبير إذا كان سيتم تنفيذ الاتفاق".
وأشارت محللة الشؤون الحزبية في موقع "يديعوت أحرونوت" الإلكتروني، موران أزولاي، إلى أن استطلاعات رأي بحوزة غانتس، وعلى ما يبدو أنها ساهمت في إقدامه على خطوته، تشير إلى أن كتلة اليمين ستحصل على 61 مقعدا في الكنيست لو جرت انتخابات الآن. "وبكلمات أخرى، فإن الاستطلاعات التي فكك غانتس كاحول لافان بسببها، قد تكون الاستطلاعات التي بسببها سيذهب نتنياهو إلى انتخابات جديدة قريبا".
كورونا و"صفقة القرن"
كتب المحلل السياسي في صحيفة "معاريف"، بن كسبيت، اليوم، إن "بيني غانتس تعهد بأن يحل مكان نتنياهو. وفي هذه الأثناء حل مكان (رئيس الكنيست المستقيل يولي) إدلشتاين. لكنه اتخذ أخيرا قرارا صعبا وشجاعا. لقد اقتنع أن مصلحة الدولة تستوجب الآن النزول عن الأشجار والصعود إلى توجه آخر. لكن هذه ليست الصهيونية فقط. لقد أدرك أيضا أنه مهم بالنسبة له أن يكون رئيس حكومة أكثر من الحفاظ على كاحول لافان والحلف مع يائير لبيد".
وشكك كسبيت في إمكانية أن يتولى غانتس رئاسة الحكومة، في أيلول/سبتمبر العام 2021. "والإحصائيات تدل على أن مصير حلف نتنياهو – غانتس الجديد لن يكون مختلفا عن تحالفات نتنياهو السابقة. وانتهى ذلك دائما بالطريقة نفسها: خيانة في اللحظة الأخيرة من جانب نتنياهو وإلقاء الجثة السياسية لمن تمت خيانته في البحر، كطعام للأسماك".
وأضاف كسبيت أن "غانتس مقتنع بأن الأمور ستنتهي بشكل مختلف هذه المرة. أولا، لديه كوشان لاتفاقية ائتلافية سيتم تشريعها بقانون يرسي كافة مراحلها، حتى اللحظة الأخيرة، ومن دون حاجة إلى جولات تصويت أخرى. ولدى قسم الولاء للحكومة الجديدة، سيقسم غانتس الولاء لمنصب رئيس الحكومة أيضا. وسيتعين على نتنياهو إخلاء منصبه في الموعد المحدد".
وحسب كسبيت، فإن "غانتس اقتنع بأن نتنياهو جدي هذه المرة. وقد تحدث كثيرا مع نتنياهو في الفترة الأخيرة. ومبعوثون سريون أجروا زيارات مكوكية للإثنين. وكانت الرسالة واضحة: نتنياهو يريد خروجا محترما (من الحلبة السياسية). دعه يتغلب على الكورونا، واستكمال مسائل ’صفقة القرن’ وسينهي دوره. وما يريده نتنياهو فعلا هو السعي إلى صفقة ادعاء محترمة مع المستشار القضائي للحكومة من مكانة رئيس حكومة. دعوه يرحل باحترام".
وتابع كسبيت أن "غانتس تردد، لكنه صدّق في النهاية. وقد ساعدته الكورونا في ذلك. ودلت استطلاعات عميقة استدعى إجراءها على حقيقة أن الجمهور سئم السياسة الحزبية. فالجمهور منشغل بكورونا وبالاقتصاد المدمر بالأساس. وقرر غانتس فعل ما لم تكن لديه الشجاعة إلى فعله في المرة السابقة، عندما كان الموضوع (الانضمام لنتنياهو) مطروحا".
وأشار كسبيت إلى أن شخصين ساهما في التطور الحاصل منذ أمس، وهما رئيس حزب شاس، أرييه درعي، وعضو الكنيست من حزب غانتس، غابي أشكنازي. ودرعي "الثعلب الأكثر تمرسا في السياسة" أقنع أشكنازي ونتنياهو. وأشكنازي أيد خطة الرئيس الإسرائيلي بتشكيل حكومة وحدة، بعد الانتخابات قبل الأخيرة، في أيلول/سبتمبر الماضي. ونقل كسبيت عن أشكنازي قوله إنه "لو وافقنا في أيلول/سبتمبر، لما كان أوحانا وزيرا للقضاء، ولما كان بينيت وزيرا للأمن، وبيني كان سيصبح رئيسا للحكومة في الفصح اليهودي" الشهر المقبل.
غانتس أنقذ نتنياهو من المحكمة
توقع رئيس تحرير صحيفة "هآرتس"، ألوف بِن، أن تشكيل حكومة جديدة تضم غانتس وحزبه، ستنقذ نتنياهو من المحاكمة. "سينتخب مرة أخرى لرئاسة الحكومة بتأييد أغلبية كبيرة من أعضاء الكنيست، رغم أنه لم يفز في الانتخابات العامة ورغم الاتهامات الثلاثة ضده، التي على ما يبدو ستلقى إلى سلة النفايات قريبا. ففي حالة طوارئ قومية، قد يختنق الآلاف خلالها بغياب أجهزة تنفس ويحظر على المواطنين مغادرة بيوتهم، لا يدخلون رئيس حكومة إلى محكمة من أجل سماع إفادات حول تدخله في تحرير موقع واللا قبل عدة سنوات. وبالتأكيد ليس عندما يدعمه ائتلافا واسعا ومستقرا".
ورأى بِن أن "إلغاء المحكمة ستكون المهمة الأولى لحكومة الوحدة، أو الطوارئ. وبحلول الخريف المقبل سيعاد طرح ضم الضفة الغربية. وإذا واجه دونالد ترامب صعوبات في حملة إعادة انتخابه، سيتشجع لدفع خطوات ضم إسرائيلية من أجل تجنيد مؤيديه الإنجيليين لمساعدته مقابل جو بايدن. وسيستخدم وباء الكورونا لتبرير الضم، بادعاء أن إسرائيل بحاجة إلى ضمان سيطرتها على الحدود الخارجية والداخلية من أجل منع الأمراض".
كذلك توقع بن أن غانتس سيتعرض للإهانة في حكومة نتنياهو. وغانتس كمرشح لمنصب وزير الخارجية عندما يتولى نتنياهو رئاسة الحكومة، "عليه أن يسأل زميله يسرائيل كاتس عن أي صلاحيات وتأثير لدى وزير خارجية تحت نتنياهو" الذي يقود السياسة الخارجية بنفسه.
واعتبر بن أن "الإسهام المركزي لغانتس في السياسة الإسرائيلية هو كسر مقاطعة الأحزاب اليهودية لممثلي منتخبين للمجتمع العربي. وهو الأول، والوحيد حتى الآن، الذي التقط صورة مع قادة الأحزاب العربية وحظي بتوصية جميع مركبات القائمة المشتركة، وحتى من التجمع الوطني الديمقراطي. وعلى ما يبدو أنهم لم يدعموا غانتس لكي يشكل حكومة لنتنياهو، لكن توجد مفاجآت في الحياة. ولكن في أعقابه سيسهل على قادة مستقبليين للوسط – يسار إبرام صفقات مع المشتركة".
وفيما وصف بن يائير لبيد بأنه سيحظى بقيادة الكتلة المضادة، أي المعارضة، فإن "الخاسر الأكبر من فرار غانتس هو أفيغدور ليبرمان، الذي اعتبر في السنة الأخير كمن ينصب الملوك في السياسة الإسرائيلية، وبات الآن رئيس حزب هامشي ومحلل في قنوات التلفزيون".