يكشف الصحفي الأميركي "أليكس كين" معلومات حصرية يُرفع الستار عنها للمرة الأولى حول آلية عمل اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، الساعي إلى توجيه الرأي العام الأميركي والدولي لصالح الروايات الإسرائيلية، وخاصة سرد حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية، وكذلك جهود المجموعات اليهودية الضاغطة في استمالة أعضاء كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي لصالح إسرائيل.
وكتب "كين" مقالته في مجلة "جيويش كورينتس" الأميركية، قال فيها إن منظمة "المشروع الإسرائيلي" هي صاحبة الفضل الأكبر في توجيه الرأي العام الأميركي الجمهوري والديمقراطي، لصالح الرواية الإسرائيلية، بدءا من عام 2002 وحتى منتصف عام 2019؛ عندما انهارت المنظمة لأسباب سنسردها بالتفصيل فيما بعد.
وبحسب "كين"، فإن منظمة "المشروع الإسرائيلي" هي المنظمة الأميركية الوحيدة الموالية لإسرائيل القادرة على الوصول إلى الحزبين الديمقراطي والجمهوري، اعتادت على توجيه وسائل الإعلام الأميركية البارزة بما يتناغم مع مصالح إسرائيل السياسية، وذلك عبر التأثير على صحفيين وكتاب أميركيين ودوليين، عبر نشاطات عدة شملت دفع رشاوى لصحفيين وتمويل مراسلين وترتيب رحلات مجانية لكتاب رأي إلى إسرائيل من أجل نشر تقارير صحفية موالية لإسرائيل.
وبشكل عام، يعتمد الكاتب على وثائق حصرية حصل عليها من داخل منظمة "المشروع الإسرائيلي" قبيل انهيارها بفترة وجيزة، جميعها تبيّن كيفية عمل المجموعات اليهودية الضاغطة على الصعيد الإعلامي، وتبين كذلك أسباب انهيارها؛ الأمر الذي أدى إلى ابتعاد الديمقراطيين واليهود الأميركيين عن مناصرة سياسات إسرائيل.
ويلفت الكاتب الانتباه إلى أن منظمة "المشروع الإسرائيلي" التي تأسست عام 2002 مع بداية الانتفاضة الثانية نشرت عام 2009 كتيبا إرشاديا خاص بها، حمل عنوان "قاموس اللغة العالمية الخاص بالمشروع الإسرائيلي"، تفصّل فيه استراتيجيات وتكتيكات اللوبي الإسرائيلي في سياق النقاش الأوسع حول الدعاية الموالية لإسرائيل (Hasbara).
لقد أصبح اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة مؤخرا في ورطة كبيرة. في الماضي، كان دعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي لإسرائيل صلبا متينا، لكن الحزب الديمقراطي بدأ يتغير بشكل جذري في الآونة الأخيرة، إلى درجة أن مرشحه الرئاسي بيرني ساندرز اشترط المساعدات الأميركية المخصصة لإسرائيل باحترام الحكومة الإسرائيلية لحقوق الإنسان الفلسطيني. ولهذا السبب، حاولت بعض المجموعات الجديدة الموالية لإسرائيل الظهور على الساحة الأميركية من أجل دعم إسرائيل باعتبار ذلك جزءا طبيعيا من أجندتها التقدمية. إلا أن انهيار منظمة "المشروع الإسرائيلي" - صاحبة التأثير الأكبر - جعل من محاولات المجموعات الأخرى المناصرة لإسرائيل عقيمة.
لقد كانت منظمة "المشروع الإسرائيلي" هي صاحبة التأثير الأكبر على الساحة الأميركية، تسببت باستمالة ديمقراطيين كبار تجاه الرواية الإسرائيلية على مدار سنوات طوال، كما وقدمت دروسا رصينة لموالاة إسرائيل في الماضي. بل إن مجلة "تايم" الشهيرة صنفت منظمة "المشروع الإسرائيلي" كأكبر منظمة موالية لإسرائيل عبر وسائل الإعلام بكفاءة لم يسبق لها مثيل.
لكن منظمة "المشروع الإسرائيلي" أغلقت أبوابها في آب/أغسطس المنصرم بعد أن جفت مصادر تمويلها، وانسحب المانحون الديمقراطيون من عضويتها؛ وذلك بسبب مواقفها اليمينية ووقوفها ضد الاتفاق النووي الإيراني، من بين أسباب أخرى.
إن انهيار "المشروع الإسرائيلي" يعكس واقعا جديدا يواجه مناصري إسرائيل في واشنطن؛ إذ وجدوا من المستحيل تحقيق الانسجام ما بين رواية بنيامين نتنياهو المشتتة الرديئة مع ما تبقى من الدوائر الديمقراطية المؤثرة.
خلال ذروة عملها، امتلكت منظمة "المشروع الإسرائيلي" قنوات عميقة جدا من أجل نشر تقاريرها الإخبارية الخاصة بها بما يتناغم مع الرواية الإسرائيلية، بل وعملت على جلب صحفيين أميركيين في جولات متعددة إلى إسرائيل، وقامت بترتيب لقاءت بين أولئك الصحفيين مع مسؤولين إسرائيليين كبار، وذلك من أجل تغذية الصحف الدولية الكبرى بمحتويات ومواد موالية لإسرائيل. كما وعملت المنظمة على عقد نشاطات تساعد المجموعات الموالية لإسرائيل بصياغة علاقات مع الصحفيين الأميركيين البارزين بهدف ضمان إيصال روايات الحكومة الإسرائيلية ونشرها إلى ملايين الأميركيين عبر وسائل الإعلام الأميركية. لكن، أدى انهيار هذه المنظمة إلى فقدان واشنطن لأهم منظمة مؤثرة قادرة على الوصول إلى الشخصيات البارزة في الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وكذلك عدم قدرتها على إنشاء منظمة شبيهة بها.
قبل انهيار وإغلاق منظمة "المشروع الإسرائيلي" بفترة وجيزة، كنت قد حصلت على مجموعة من الوثائق السرية من داخلها، تكشف بالتفصيل كيفية عملها في دعم الرواية الإسرائيلية، كما وتكشف عن مخطط حول طبيعة عمل مجموعات اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الساعية إلى تشكيل رواية وسائل الإعلام الرائدة ومكافحة النشاط الحقوقي الفلسطيني. وبالطبع، تشير الوثائق إلى أن مجموعات اللوبي الإسرائيلي تستخدم وسائل إعلام خاصة بها ومواقع التواصل الاجتماعي من أجل نشر دعاية مناصرة لإسرائيل. وفي ذات الوقت، فإن انهيار المنظمة يُظهر حدود وقيود مجموعات اللوبي الأخرى في محاولتها للوصول إلى الجمهور الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة.
في بدايات عام 2000، لم تكن هناك أي قاعدة أميركية قادرة على تحدي العلاقة الأميركية – الإسرائيلية، وكانت مهمة حشد الدعم الديمقراطي لإسرائيل مهمة سهلة وبسيطة للغاية. في ذلك الوقت، كان من السهل على المرء الأميركي أن يناصر إسرائيل بكل قوة في وقت قامت فيه مجموعات اللوبي الإسرائيلي بتصوير الفلسطينيين - بشكل غير عادل – بالعداء للشعب الأميركي، وبالرقص في الشوارع ابتهاجا بهجمات 11 أيلول/سبتمبر.
وعندما اندلعت الانتفاضة الثانية في 2002، جرى إنشاء منظمة "المشروع الإسرائيلي" على يد الناشطة الديمقراطية جينيفر لاسزلو مزراحي. حينها قدمت مزراحي منظمتها للممولين والمتبرعين الأميركيين بغرض ضمان وصول وجهات النظر الإسرائيلية إلى الصحافة الأميركية السائدة. ومن أجل تحقيق تلك الغاية، عملت المنظمة مع صحفيين من جميع أنحاء العالم، من الولايات المتحدة وأوروبا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، وأرسلتهم إلى إسرائيل على شكل وفود، وحثتهم على تبنّي "بيان حقائق" و"نقاط حوار" موالية لإسرائيل بعد أن رتبت لهم لقاءات مباشرة مع مسؤولين إسرائيليين كبار. ومن الجدير ذكره أن أعضاء من كلا الحزبين في الكونغرس كانوا من بين المجلس الاستشاري للمنظمة، من بينهم رون وايدن وسوزان كولينز ومارك كيرك.
وبالفعل، تمكنت المنظمة من حشد دعم مانحين أميركيين كبار مثل الملياردير "سيث كلارمان"؛ والملياردير "بول سينغر"؛ والملياردير "لينيرت ليدر"، جميعهم قدّموا ملايين الدولارات للمنظمة من أجل تحقيق غايتها التي تأسست من أجلها. كما وحصلت المنظمة على تبرعات كبيرة من آلاف المانحين الصغار، بمن فيهم أميركيين عملوا سابقا لصالح الحكومة الإسرائيلية، وكذلك مسؤولين سابقين في السفارة الإسرائيلية بواشنطن، والقنصلية الإسرائيلية في هولندا. ما يهم في هذا الصدد هو أن المنظمة عملت عن كثب مع مسؤولين حكوميين إسرائيليين، ما أجبر الكثيرين على التبرع لها بشكل شخصي.
ووفقا لأحد أعضاء المنظمة، تحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه، فإن "المنظمة بقيت على تواصل دائم مع سفراء إسرائيل لدى الولايات المتحدة، من بينهم رون ديرمر ومايكل أورين، بل وعملت على تنسيق اجتماعات بين ودبلوماسيين أجانب ومسؤولين إسرائيليين، بمن فيهم بنيامين نتنياهو شخصيًا".
بداية الانهيار - تحوّل المنظمة إلى آلة هجوم يمينية
برغم نجاحات مزراحي في إدارة منظمتها، إلا أنها غادرت منصبها في عام 2012، وقالت لي "كنت منهكة جدًا، اضطررت إلى ترك منصبي في المنظمة لأنني منهكة جدا .. لقد عملت فيها 24 ساعة يوميا وأسبوعيا وسنويا على مدار 10 أعوام، أنا بحاجة إلى أن أبقى مع أولادي".
لكن بعض المانحين رأوا بأن مغادرة مزراحي لمنصبها فرصة سانحة لتحويل المنظمة إلى آلة هجوم يمينية، تعمل على مهاجمة كل ديمقراطي لا يعبّر عن دعمه المطلق لإسرائيل، ما شكّل بداية لانهيار المنظمة. ومن الجدير ذكره أن مزراحي لم تسمح للمنظمة خلال إدارتها بالتدخل في أي صراع بين الحزبين حول السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ولم تسمح لها بمهاجمة أي ديمقراطي بارز لا يناصر إسرائيل. لكن هذا كله تغير عندما تسلّم "جوش بلوك" منصب المدير التنفيذي للمنظمة بدلا من مزراحي، علما بأن "بلوك" هو المدير السابق لمنظمة "إيباك" الموالية لإسرائيل.
وبعد أن تسلم مهام العمل فيها، أمضى "بلوك" أوقات كبيرة في العمل مع المسؤول السابق في البيت الأبيض "لاني دافيس" من أجل الدفاع عن منتهكي حقوق الإنسان، كما وقاد حملة من أجل تشويه سمعة الكتاب العاملين في الإعلام الأميركي الموالي للحزب الديمقراطي، مثل مجلتي "ثينك بروغرس" و"ميديا ماترز".
وواصل "بلوك" التركيز على وصول الصحفيين الأميركيين والدوليين إلى المسؤولين الإسرائيليين، وكذلك نشر تقارير وبيانات حقائق موالية لإسرائيل. وعلى عكس مزراحي التي كرست مصادرها لمخاطبة الشعوب الروسية والصينية والأميركية اللاتينية حول إسرائيل، عمل "بلوك" على إغلاق جميع عمليات المنظمة الدولية وحوّل تركيزها إلى الشارع الأميركي فحسب. وعلى عكس مزراحي، وقف "بلوك" ضد سياسات أوباما وهاجم مواقف إدارته المعارضة للمستوطنات الإسرائيلية.
يقول الصحفي الأميركي "إيلي كليفتون" إن "منظمة المشروع الإسرائيلي تحت قيادة بلوك أصبحت حزبية وتحقد بخبث على كل من يشكك في أهمية موالاة إسرائيل أو حتى موالاة حزب الليكود ونتنياهو". وبالطبع، رفض "بلوك" الاستجابة للإدلاء بأي تعليق أو حتى إجراء مقابلة للحديث حول هذا الأمر.
الوثائق تكشف معلومات خطيرة – نشاطات مفصلة
حصلتُ على المزيد من المعلومات الحصرية حول نشاطات المنظمة تحت قيادة "بلوك"، جميعها تعكس هوس القائمين عليها في مناصرة إسرائيل في السنوات الأخيرة. تلك النشاطات اشتملت على تغطية إعلامية كاملة حول إسرائيل؛ ومعارضة حركة المقاطعة، وكذلك استهداف الجاليات المختلفة بشأن الدولة اليهودية.
تشير إحدى الوثائق المؤرخة في أيلول/سبتمبر 2016 إلى أن المنظمة أدارت برنامجًا يسمى "انتر هيليكيوبتر"، قامت من خلاله بتمويل صحفيين ودبلوماسيين دوليين من أجل القيام بجولة في سماء إسرائيل. كما وتفاخرت المنظمة بمنح مراسل شبكة "سي أن أن" "ويل ريبلي" رحلة مجانية للتجول في إسرائيل عبر برنامجها المذكور؛ شمل ذلك الترتيب لإجراء لقاءات مع مستوطنين يعيشون إلى جانب حدود غزة وكذلك خبراء إسرائيليين في الأنفاق. كما وتشير الوثيقة إلى أن "ريبلي" كتب عبر توتير بعد انتهاء الجولة حول "إنجازات ومساهمات" إسرائيل، كما ونشر تقريرًا صحفيًا عبر "سي أن أن" يتحدث حول "أنفاق المجموعات المسلحة في غزة"، دون أن يذكر مطلقًا السياق الذي أجبرت فيه حماس على حفر الأنفاق، ودون أن يذكر الحصار الإسرائيلي المدمر ضد غزة. والأهم من ذلك هو أن شبكة "سي أن أن" لم تكشف بأن ذاك التقرير هو نتاج لجولة مجانية حصل عليها مراسلها من منظمة موالية لإسرائيل. وقد اعترفت المنظمة في الوثيقة بأن "هذا التقرير يعتبر نصرًا كبيرًا لإسرائيل، ولا يمكن أن يحصل لولا برنامج الجولات المجانية إلى إسرائيل – انتر هيليكوبتر".
وفي وثيقة أخرى، ناشدت المنظمة "مؤسسة عائلة ميرا رينهارد" الأميركية اليهودية من أجل دعم مجلة "ذي تاور" الأميركية التي تسعى إلى إنتاج سلسلة تقارير إعلامية موالية إسرائيل، وطلبت منها مبلغ 50,000 دولار من أجل دعم برنامج "ذي تاور" التي يرأس هيئة تحريرها "ديفيد هازوني"، وهو شقيق أحد السياسيين الإسرائيليين اليمينيين البارزين، وكذلك "إيدن بينك" محرر مجلة "ذي فوروارد" الأميركية الموالية لإسرائيل. وما يلفت الانتباه هو أن تلك المساعي شملت تمويل 15 ناشطًا من الموالين لإسرائيل من أجل جلبهم إلى واشنطن بغرض "تعبئتهم" و"تجهيزهم" لـ "تحديات العالم الحقيقي والدفاع عن إسرائيل".
وتشير وثائق أخرى إلى دور المنظمة في جهود تمرير قرارات حكومية أمريكية بهدف تقويض حملة المقاطعة الدولية (BDS)، وذلك من خلال منع أي هيئات حكومية من التعامل مع أفراد أو كيانات تدعم مقاطعة إسرائيل. وبالفعل، أعلنت المنظمة بأن ولايتي أيوا وألاباما انضمتا إلى ولايات إيلينويز وساوث كارولينا وأريزونا وجورجيا وفلوريدا وإنديانا وكوليرادو في اتخاذ تشريعات مناهضة للمقاطعة. وقد لعبت المنظمة الدور الرئيس في إقناع القضاة الفدراليين في تبني هكذا قوانين.
بعد تراجع الدعم الموجه لإسرائيل في عدد من الجاليات والمجتمعات الأميركية، طلبت المنظمة في أيلول/سبتمبر 2016 مبلغ 250,000 دولار من الصندوق الوطني التابع لـ"مركز التعليم والدفاع عن إسرائيل" وذلك بغرض تطوير استراتيجيات لتحسين صورة إسرائيل في الجاليات والمجتمعات الصغيرة. وبعد أن شرعت حركة "حياة السود مهمة" الأميركية بانتقاد إسرائيل بشكل لاذع، قدمت منظمة "المشروع الإسرائيلي" وعودا بقيادة مبادرة من أجل تعزيز الدعم لإسرائيل في صفوف الجاليات الملونة إلى جانب إجراء استطلاعات من أجل فهم آرائها بشأن إسرائيل، بل وقدّمت جولات مجانية لمراسلين وكتاب رأي من الأقليات في المجتمع الأميركي من أجل كتابة افتتاحيات مناصرة لإسرائيل بالاشتراك مع ناشطين وحقوقيين. وبالطبع، لا يمكن تحديد مدى تأثير هذه الجهود الدعائية المناصرة لإسرائيل على الشارع الأميركي في ذلك الوقت، لكنها تبيّن كيف حاولت المنظمة تصميم رسائل مناصرة لإسرائيل لدى الجماهير الأميركية. وقد ادّعت المنظمة في رسائل إعلامية بأن الحركة الفلسطينية تميز ضد إسرائيل على أساس تعصب أعمى وذلك بغرض استثارة الليبراليين لا سيما أولئك المعارضين لمعاداة السامية.
لكن فيما بعد، أصبح من الصعب على المنظمة بيع الرسائل الموالية لإسرائيل خاصة في صفوف التقدميين، لا سيما وأن "المنتج" عبارة عن حكومة يسيطر عليها يميني متشدد – بنيامين نتنياهو. وقد اعترفت المنظمة بحجم المشكلة التي واجهتها عندما أصبحت مرتبطة بالجناح اليميني.
تقول إحدى الوثائق المؤرخة بتاريخ 2016 "عندما نسمع بأن البعض باتوا يروننا كجناح يميني مقربين جدًا من نتنياهو والحزب الجمهوري، فإننا لن نستطيع تأدية دور الأداة الإعلامية الرائدة الموالية لإسرائيل".
وبالفعل، أدت التناقضات الداخلية داخل المنظمة إلى عدم قدرتها على بيع السياسات الإسرائيلية اليمينية لمناصري الحزب الديمقراطي، ما أدى في نهاية المطاف إلى زوالها مع انقطاع التمويل عنها.
انقطاع التمويل عن "المشروع الإسرائيلي"
قام عدد كبير من المانحين الأغنياء بقطع التمويل عن منظمة "المشروع الإسرائيلي" مع تلاشي دورها المؤثر في صفوف الديمقراطيين والشارع الأميركي عمومًا. فعلى سبيل المثال، توقف "كلارمان" عن التبرع لها في عام 2016. وما يلفت الانتباه هو أن "كلارمان" الذي اعتاد على تمويل الحزب الجمهوري في عام 2016، تحوّل إلى تمويل الديمقراطيين بدءا من عام 2018، معلنًا أن السبب في ذلك هو "استياءه من سياسة ترامب".
كما أن العديد من المؤسسات التي اعتادت على تمويل المنظمة أوقفت تمويلها بعد أن أصبح "بلوك" مديرها. وعلى سبيل المثال، كانت مؤسسة "شابيرو – سلفبيرغ" اليهودية تتبرع بمبلغ سنوي ضخم لصالح المنظمة بدءًا من عام 2008، لكنها توقف عن ذلك في عام 2012 بعد أن اتبع "بلوك" السياسات المذكورة أعلاه. وعلى المنوال ذاته، أوقفت مؤسسة "غولد – شينفيلد" اليهودية الأميركية تمويل المنظمة بعد أن اعتادت على فعل ذلك لمدة 9 أعوام.
علاوة على ذلك، تظهر وثيقة من عام 2016 بأن المنظمة بدأت بفقدان تمويلها بشكل كبير ما بين 2015 و 2016. وقد انخفض التمويل بشكل أكبر عام 2017، ما أدى إلى حصول عجز كبير في ميزانيتها وبالتالي عدم قدرتها على الصمود أكثر، ما أجبرها على إغلاق أبوابها في آب/أغسطس عام 2019.
من بين العوامل الرئيسة التي أدت إلى تآكل تمويل المنظمة هو حملة الضغط العدائية تجاه السياسة الخارجية الأميركية التي رسمها الديمقراطي باراك أوباما، من خلال تغذية وسائل إعلام بنقاط حوار ومحتويات معادية لسياسة الديمقراطيين، لا سيما في مجلات "ذي نيويورك ديلي نيوز" و "نيويورك بوست" و "ذي ريتشموند تايمز ديسباتش" و "ذي بوسطن هيرالد". هذه المجلات رفضت الكشف لي حول حواراتها مع منظمة "المشروع الإسرائيلي".
ويمكن القول بأن هذه المنظمة استطاعت – في الماضي - حشد الدعم لإسرائيل في صفوف الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، ما يعكس إجماع واشنطن حول أهمية دعم إسرائيل، لكن المانحون الديمقراطيون توقفوا عن تمويلها فيما بعد، بسبب السياسات التي اتبعها "بلوك" ودفاعه المتكرر عن مواقف ترامب بخصوص الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، تحول الجمهوريون لدعم منظمات يمينية عوضها عنها.
قال لي أحد موظفي المنظمة – شريطة عدم الكشف عن اسمه – إن "المانحين الموالين لإسرائيل لم يضطروا إلى تمويل منظمة المشروع الإسرائيلي فيما بعد؛ ذلك أن دونالد ترامب أصبح رئيسا للولايات المتحدة، وهو الموالي جدًا لإسرائيل"، متناسين أن رئاسة ترامب لن تعمل على توجيه الشارع الأميركي أو الديمقراطيين واليهود.
إن انهيار منظمة "المشروع الإسرائيلي" ليس مفاجئًا في وقت أصبحت فيه مسألة "مناصرة إسرائيل" قضية جدلية بين الحزبيْن الأميركييْن. لقد شهد الحزب الديمقراطي تغييرًا جذريًا بعد أن كان قريبًا من "المشروع الإسرائيلي" في الماضي.
هل ستواجه منظمة "إيباك" مصير "المشروع الإسرائيلي"؟
على غرار منظمة "المشروع الإسرائيلي" في نهاياتها، فشلت منظمة "إيباك" الموالية لإسرائيل في محاولاتها لحشد الدعم الديمقراطي وراء اللوبي الإسرائيلي. في أوائل الشهر الحالي، نشرت "إيباك" إعلانات عبر "فيسبوك" تقول فيها إن النائبات الديمقراطيات "بيتي ماكولام" و"إلهان عمر" و "رشيدة طليب" أكثر وحشية من تنظيم داعش بسبب انتقاداتهن للانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان. إلا أن "ماكولام" ردت قائلة إن "إيباك" عبارة عن "منظمة كراهية موالية لإسرائيل"، وهي عبارة لم يجرأ أي ديمقراطي التلفظ بها من قبل.
وعلى العموم، ستبقى "إيباك" بعيدة عن خطر الانهيار حاليًا، لكن إخفاقاتها في الوصول إلى الديمقراطيين تذكرنا بانهيار منظمة "المشروع الإسرائيلي" وفشلها في الحفاظ على تأثيرها في أوساط الليبراليين. إن الحزب الديمقراطي لم يعد داعمًا بصلابة لعلاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل. يقول "كليفتون" "هنالك تساؤلات كثيرة حول ما يجب أن تكون عليه العلاقة الأميركية مع الدولة الإسرائيلية. لقد وضعت منظمة المشروع الإسرائيلي نفسها في الزاوية، لندرك جميعًا أن مناصرة نتنياهو والليكود مسألة لم تعد مرحب بها في الحزب الديمقراطي".