أجمع معظم المحللين في الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم، الجمعة، على أن زعيم حزب الليكود ورئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، استغل لمصلحته أزمة انتشار فيروس كورونا من أجل حل الأزمة السياسية المتمثلة بالفشل المتواصل بتشكيل حكومة حكومة جديدة، لكنهم رأوا أنه حتى لو تم تشكيل حكومة وحدة مؤلفة بالأساس من الليكود وكتلة "كاحول لافان"، التي يرأسها بيني غانتس، فإن حكومة كهذه لن تصمد لوقت طويل.
ففي نهاية خطابه، مساء أمس، دعا نتنياهو إلى مواجهة أزمة الكورونا بتشكيل حكومة طوارئ، بمشاركة "كاحول لافان" وأحزابا أخرى، بأسرع وقت، لكنه لم يتنازل عن عنصريته وتحريضه ضد العرب عندما قال إن حكومة طوارئ كهذه لا تشمل القائمة المشتركة، التي وصف نوابها بأنهم "داعمو الإرهاب". وسعى نتنياهو خلال خطابه أمس، مثلما فعل في خطابات أخرى بشأن كورونا، في الأسابيع الأخيرة، إلى الظهور بأنه المنقذ من الوباء، وكأنه من دونه لن تتخذ أي خطوات لمواجهة انتشار فيروس كورونا.
وأشار المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، إلى أن لا أحد يمنع نتنياهو من إدارة أزمة الكورونا وفقا لمشيئته، وإلى أنه قبل يوم واحد فقط قال عكس رسالته أمس، وأنه "لا نريد وحدة، سنتجه إلى جولة انتخابات رابعة. فما الذي تغيّر؟ وبالتأكيد ليس الكورونا الذي تغير".
واعتبر برنياع أنه كان يجب تشكيل حكومة وحدة تضم الحزبين الأكبرين، الليكود و"كاحول لافان"، بعد جولة الانتخابات الأولى، في نيسان/أبريل الماضي، بسبب نتائج الانتخابات التي لم تتغير في الجولتين اللاحقتين. "لكن ما هي العلاقة بين الكورونا وبين الأزمة القانونية (محاكمة نتنياهو) والسياسية المستمرة منذ أكثر من سنة؟ ولو كنت مكان غانتس لقلت لنتنياهو إنني موافق. وسأكون رئيس الحكومة وأنت ستكون وزيرا أعلى لشؤون الكورونا. إذ يدور الحديث عن كارثة لم يشهد العالم مثلها. وأنت فقط، المجرب وصاحب العلاقات الواسعة والمقنع، ستعرف كيف تحاربها. فقط أنت".
ورأى برنياع أن نتنياهو قام "باستعراض جوي" خلال خطابه أمس، ووصف برنياع بـ"المسرحية" مطالبة نتنياهو الصحافيين والحاضرين في القاعة بالابتعاد عن بعضهم كي لا تنتقل عدوى محتملة وإخراجه منديل الورق المستخدم من جيبه ومسح أنفه به ثم إعادته إلى جيبه، مشيرا إلى أنه كان بإمكانه استخدام منديلا جديدا.
وأضاف برنياع أن "مناورة الوحدة دفعت قضية الكورونا جانبا. ورغم أن الإسرائيليين لديهم تجربة كبيرة في مواجهة أوضاع الطوارئ، إلا أن فتيل الإسرائيليين قصير. وبعد أسابيع معدودة سيسأمون الوضع. وربما لهذا السبب يحتاج نتنياهو إلى غانتس في حكومته".
حكومة لسنة واحدة
كتب المحلل السياسي في صحيفة "معاريف"،، بن كسبيت، أن "حلم نتنياهو يتحقق، كما يبدو. وهذه حكومة طوارئ الكورونا فعلا، ولكنها حكومة إنقاذ نتنياهو أيضا. والتفويض بتشكيل الحكومة لن ينتقل إلى غانتس، ولن تتم الإطاحة برئيس الكنيست، والقانون الذي يمنع رئيس حكومة يواجه لائحة اتهام من العمل لن يخرج إلى حيز التنفيذ. وبإمكان نتنياهو تنفس الصعداء عندما لا يتحول إلى أبو الأمة فقط، وإنما لطبيبها أيضا".
وأضاف كسبيت أن "قيادة كاحول لافان ستواجه معضلة صارمة. فالوباء أزال الحلم والتعهد بتغيير نتنياهو. وهم غير مقتنعين بالحاجة إلى شل الدولة، وهذه خطوة يسعى نتنياهو إليها. وسيتعين عليهم اتخاذ قرارات صعبة للغاية في الأيام القريبة".
ورأى كسبيت أن "نتنياهو نفسه يعلم أن مجده الآني سينقلب عليه. وحاول في خطابه أمس الدفاع عن نفسه. الوباء سينتشر في العالم كله، والوضع عندنا جيد نسبيا، وما إلى ذلك. لكن متوسط حياة مناورات من هذا النوع قصير. وعندما لن تتوفر أجهزة تنفس، ستحسب الأرواح الجيدة كم جهاز تنفس كان بالإمكان شرائه بمليار شيكل، وهذا ثمن طائرة رئيس الحكومة. ونتنياهو يجهز الآن الذرائع. فقد جرى تجفيف جهاز الصحة خلال ولايته".
وحسب كسبيت، فإن "قرار كاحول لافان المطلوب قد يكون كالتالي: القول ’نعم’ لنتنياهو. حكومة لمدة سنة واحدة، أو حتى انتهاء أزمة الكورونا. والشرط هو أن تتشكل من الليكود وكاحول لافان فقط. وحقائب القضاء، الأمن، الاتصالات والخارجية بأيدي كاحول لافان... والأهم هو أن يستمر جهاز القضاء بالعمل كالمعتاد، وبضمن ذلك محاكمة نتنياهو نفسها، وذلك ردا على نبأ من أمس بأن وزير القضاء، أمير أوحانا، كلف نفسه بتعليق المحاكم، بسبب تهديد الكورونا طبعا".
خطاب موجه للقضاة
اعتبر محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، أن "الوضع السياسي الهش أصلا لقادة كاحول لافان، بعد أسبوع مليء بالمتمردين (ضد تشكيل حكومة أقلية برئاسة غانتس ودعم القائمة المشتركة)، سيجعل من الصعب جدا عليهم القيام برد الفعل الصحيح على القفاز الذي ألقاه رئيس الحكومة (تشكيل حكومة طوارئ). وبعد هذه الدعوة، لن يتمكنوا من رفض الدخول في مفاوضات".
غانتس يوم السبت الماضي (أ.ب.)
وأضاف فيرتر أن "أي رئيس حكومة أو رئيس، في أي دولة أخرى، لم يقف أمس أو أول من أمس مقابل الكاميرات ودعا إلى إلغاء السياسة لمصلحة حالة الطوارئ ’التاريحية’، كمقولة نتنياهو. ويتعين على أي حكومة منتخبة في أي مكان، وهنا لا توجد كهذه عمليا، ومن دون علاقة لانتمائها السياسي، أن تدير الأمور بموجب أفضل قدراتها واعتباراتها. وإذا أراد نتنياهو حكومة طوارئ، فليعين وزير صحة مهني لهذه الفترة بدلا من يعقوب ليتسمان، الذي تفوه حاخامات في كتلته بخصوص الكورونا بصورة يبرز منها الجهل وانعدام المسؤولية".
ولفت فيرتر إلى أن نتنياهو يعقد مؤتمرات صحافية يومية تقريبا، "والرسائل تصاغ بيد فنان: زرع هلع يقف قبل سنتمتر واحد من دبّ رعب مطلق؛ اتخاذ خطوات مبالغ في شدتها، ويستعرضها كأنها تحمل مسؤولية وقلق على صحة رعاياه؛ إبراز مكانته الدولية، كأقواله أنه ’تحدثت مع الرئيس الهندي’ ونجاحه المثبت في إدارة الاقتصاد".
وأردف أن "نتنياهو يشوه الحقيقة لاحتياجاته طبعا. ولا علاقة له بإدارة الأزمة في المستوى العالمي. والمحادثات المُكلفة مع واشنطن يجريها مع نائب الرئيس مايك بنس وليس مع دونالد ترامب. والأخير لم يتحدث، حسبما هو معلوم لنا، مع نتنياهو منذ استعراض ’صفقة القرن’. ومن أجل استغلال وقت بث تلفزيوني طويل، فإنه يدخل في تفاصيل هامشية وتقنية، تكرر أقوال صغار الأطباء. والجمهور هو الجمهور نفسه، ورسومات القنبلة الإيرانية استبدلت بجراثيم".
وتابع فيرتر أن "الكورونا أزمة حقيقية. لكن توجد فرصة في الأزمة، مثلما يدرك رأسماليون متطرفون مثل نتنياهو. وهو يضخم صورة الوضع من أجل إخفاء السياسة ويتحول أي أحد يعارضه إلى عدو الجمهور أثناء حالة الطوارئ. وهكذا سيكون لاحقا أيضا".
وشدد فيرتر على أن "خطاب نتنياهو الدراماتيكي أمس لم يوجه إلى آذان الأمة وأذني غانتس فقط. فنظرته المتشددة نحو الكاميرات، وُجهت إلى القاضية ريفكا فريدمان – فيلدمان وزملائها في المحكمة المركزية في القدس (التي ستبدأ محاكمة نتنياهو فيها، الأسبوع المقبل). وإذا قرروا إلزامه بحضور جلسة المحكمة المخصصة لقراءة لائحة الاتهام، فستبدو هذه خطوة ضد الحكم في حالة الطوارئ. وسيبدأ المغردون (في "تويتر") والمعقبون من قبله في وسائل الإعلام حملة ضد القضاة ووصفهم بـ’اليساريين’، واتهامهم بأنهم ’لا يسمحون لرئيس الحكومة بإدارة أزمة الكورونا".