كشف مصدران مقربان من العائلة الملكية السعودية لوكالة “أسوشيتد برس” عن تفاصيل اعتقال سلطات المملكة للأميرين أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف بن عبد العزيز.
وأكد المصدران للوكالة، أمس السبت، أن الأميرين، اللذين سبق أن ترأس كلاهما وزارة الداخلية، “اعتقلا لعدم ولائهما لولي العهد الأمير محمد بن سلمان”، وتابع أحد المصدرين أن هذه الخطوة جاءت بسبب “تراكم حوادث سلوك استفزازية بالنسبة للقيادة” من قبل الأميرين.
وأشار مصدر مقرب من الديوان الملكي للوكالة إلى أن اعتقال الأمير محمد بن نايف (60 عاما) كان مفاجئا، لأنه كان يخضع للرقابة الصارمة منذ إعفائه منتصف عام 2017 من منصب ولي العهد ووزير الداخلية ورئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ولفت التقرير إلى أن هذا الأمير معروف بعلاقاته مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية التي كان يتعاون معها في محاربة تنظيم “القاعدة”.
وأما بخصوص الأمير أحمد بن عبد العزيز (78 عاما)، الشقيق الأصغر للملك سلمان بن عبد العزيز، فكان حبسه خطوة مفاجئة أيضا لمكانته البارزة في العائلة الملكية، على الرغم من أنه معروف بمواقفه المعارضة لولي العهد الحالي، وكان من بين عدد قليل من الأمراء الكبار الذين رفضوا الإعلان عن ولائهم للأمير محمد بن سلمان عام 2017 وحتى أنه وجه انتقادات علنا إلى سياسات المملكة في اليمن.
ورفض مصدرا “أسوشيتد برس” صحة الادعاءات بأن الأميرين المعتقلين كانا يخططان لمحاولة انقلاب، وقال أحدهما إن هذه الاعتقالات كانت “رسالة تدعو جميع أعضاء العائلة الملكية، الذين يشعرون بأنهم حرموا من حقوقهم، إلى الكف عن التذمر والامتثال للقواعد”.
وأوضح المصدر أن هذه الرسالة مفادها أنه إذا كان من الممكن اعتقال شقيق الملك الأمير أحمد فإن ذلك يعني أنه من الممكن اعتقال أي أمير آخر دون استثناء، مضيفا أن الأمير أحمد كان يعتبر شخصية يمكن التعويل عليه من قبل أفراد العائلة الحاكمة المعارضين لبسط ولي العهد سيطرته على الحكم.
ونقلت الوكالة عن أحد الأشخاص المطلعين على الاعتقالات الأخيرة قوله إن الأمير أحمد “تذمر” مؤخرا بشأن قرار الحكومة إغلاق الحرمين الشريفين بغية منع انتشار فيروس كورونا المستجد في أراضي المملكة.
كما كشفت صحف غربية اليوم الاحد عن تطورات جديدة في قضية اعتقال عدد من كبار الأمراء في السعودية، بعد يوم واحد من تسرب أخبار هذه الاعتقالات عبر صحف ووكالات غربية، في ظل صمت سعودي رسمي حول هذه التطورات الملفتة.
وأفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” -نقلا عن مصادر في الديوان الملكي السعودي- باتساع دائرة هذه الاعتقالات، التي طالت أبناء العائلة الحاكمة ومسؤولين حكوميين وعسكريين.
وقالت الصحيفة، إن الاعتقالات شملت العشرات، وإنه تم استدعاء وزير الداخلية عبد العزيز بن سعود بن نايف، ووالده الأمير سعود بن نايف، أمير المنطقة الشرقية والابن الأكبر للأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد السعودي الأسبق؛ لاستجوابهما من قبل الديوان الملكي في ما يتعلق بالانقلاب المزعوم، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمر.
وذكرت الصحيفة -نقلا عن مصادر- أن قوات الأمن اعتقلت العشرات من مسؤولي وزارة الداخلية وكبار ضباط الجيش، وغيرهم ممن يشتبه في دعمهم محاولة انقلاب.
وقالت المصادر التي تحدثت للصحيفة -ورفضت تقديم أي تفاصيل- إن كبار أفراد العائلة المالكة حصلوا على أدلة على “المؤامرة” التي جرى التحضير لها (الانقلاب المزعوم).
وتشير صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى أن ما سمتها حملة التطهير الأمني التي يقوم بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تثير الرعب في جميع أنحاء السعودية.
وقالت إن محمد بن سلمان سعى بشكل حثيث على مدى السنوات الثلاث الماضية لتعزيز قبضته على السلطة؛ تحضيرا لتوليه عرش المملكة عند وفاة الملك سلمان، أو إذا قرر الأخير التنازل عن العرش.
وكانت صحيفتا “وول ستريت جورنال” و”نيويورك تايمز” كشفتا عن أن السلطات اعتقلت الأميرين أحمد بن عبد العزيز شقيقِ العاهل السعودي، ومحمد بن نايف ولي ِالعهد السابق، وفتشت منزليهما، واعتقلت أيضا الأمير نواف بن نايف.
التخطيط لانقلاب والاتصال بجهات أجنبية
من جهتها، ذكرت وكالة رويترز –التي تحدثت مع خمسة مصادر حول هذا الموضوع- أن احتجاز الأمراء الثلاثة البارزين جاء بدعوى التخطيط لانقلاب حسب ما ذكرته مصادر مطلعة على الأمر.
وقال مصدر إقليمي لرويترز إن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان “اتهمهم بإجراء اتصالات مع قوى أجنبية، منها الأميركيون وغيرهم، لتنفيذ انقلاب”.
وأضاف “عزز الأمير محمد بن سلمان بهذه الاعتقالات قبضته على السلطة بالكامل. انتهى الأمر بعملية التطهير هذه”. مشيرا إلى أنه لم يعد أمامه الآن أي منافسين يمكن أن يعترضوا على اعتلائه العرش.
وصرح مصدر آخر بأن الأمراء متهمون “بالخيانة”. وقال مصدر ثالث إنهم كانوا يناقشون تنفيذ انقلاب بدعم من قبائل نافذة، لكن تلك النقاشات لم تصل لمرحلة متقدمة.
ولم يرد المكتب الإعلامي للحكومة السعودية على طلب من رويترز للتعليق على عملية الاحتجاز التي كانت صحيفة “وول ستريت جورنال” أول من نشر نبأ عنها.
ولم يتضح مكان احتجاز الأمراء الثلاثة، وما من سبيل للتواصل معهم للتعليق على ما قيل عن التخطيط لانقلاب.
وقال المصدر الثالث “لا بد من التعامل معهم باحترام”، مشيرا إلى مكانتهم داخل الأسرة.
وذكر المصدر الإقليمي أن الملك سلمان وافق على تلك الخطوة، مضيفا أن الملك يتمتع بحالة عقلية ونفسية جيدة.
واجتمع الملك (84 عاما) مع وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب الخميس في العاصمة السعودية الرياض، وحضر هو وولي العهد اجتماعا لمجلس الوزراء يوم الثلاثاء.
وأثار الأمير محمد بن سلمان (34 عاما) استياء بين بعض الفروع البارزة للأسرة الحاكمة بسبب تشديد قبضته على السلطة. وذكرت مصادر أن بعض منتقديه شككوا في قدرته على قيادة البلاد بعد أن قتلت عناصر سعودية الصحفي البارز جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018، وبعد أكبر هجوم على البنية التحتية النفطية بالمملكة، الذي وقع العام الماضي.
وقالت المصادر إن أفرادا من الأسرة المالكة يسعون لتغيير ترتيب ولاية العرش، ويعتبرون الأمير أحمد، شقيق الملك سلمان الأصغر وشقيقه الوحيد الباقي على قيد الحياة، خيارا ممكنا قد يحظى بدعم أفراد الأسرة والأجهزة الأمنية وبعض القوى الغربية.
إنذار من ولي العهد
وبشأن خلفيات الاعتقالات الجارية؛ يقول ستيفن هيرتوج من كلية لندن للاقتصاد إن احتجاز الأمراء يمثل تذكِرة للأسرة الحاكمة “بعدم تخطي ولي العهد بأي شكل من الأشكال. ليس من المرجح أن يكون مخططا كبيرا ومعقدا لتغيير القيادة في السعودية، فكل الشخصيات المحتجزة لم تعد لديها قدرة تذكر على الوصول لموارد الدولة”.
ونقلت “أسوشيتدت برس” عن مصدر سعودي مطلع قوله إن الاعتقالات جاءت إنذارا إلى جميع أفراد العائلة المالكة من الذين يشعرون بأنهم محرومون من حقهم، بالتوقف عن التذمر وبدء دعم القيادة، مضيفا أنه إذا أمكن القبض على الأمير أحمد بن عبد العزيز فإن أي أمير يمكن أن يكون عرضة للاعتقال.
ووفق المصدر، فإن اعتقال الأميرين أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف جاء بعد تراكم سلوك كان مستفزا للقيادة السعودية.
وأشار المصدر إلى أن الأمير أحمد بن عبد العزيز تذمر مؤخرا من قرار إغلاق الحرم المكي بهدف منع انتشار فيروس كورونا.