معارك دونكشوتية بلا نتائج.. الحرائق تحيط بالرئيس التركي..أيهم الطه

السبت 07 مارس 2020 11:56 ص / بتوقيت القدس +2GMT



أنتهى الوعيد و أنفض مجلس الحرب  و وجد الرئيس التركي  في لقاءه مع القيصر الروسي بوتين 5-3 اذار مارس سلمه للنزول من المأزق الذي وضع نفسه فيه لكن هل سينجو من تبعات افعاله ؟

شخصيا اشك في ذلك فكل تصرف يقوم به الطيب اردوغان يعمق الانقسام الداخلي التركي اكثر ويثير حفيظة الاوساط السياسية والشعبية التركية  المحتقنة اصلا .
فضلا عن خروج العديد من الأصوات السورية المعارضة التي أبدت احتجاجها على استغلال السوريين واستعمالهم كورقة ابتزاز  و الحرب في سورية من قبل الرئيس التركي سواء في مساوماته  مع الإتحاد الأوربي عبر التهديد بفتح الحدود أمام اللاجئين  الذين تجمع الآلاف منهم على الحدود خلال الأسبوع الماضي بعد التسهيلات التركية التي قدمت لهم وبرعاية حكومية ليتفاجؤا أمس بخبر عزم السلطات التركية نشر 1000 عنصر أمني على الحدود التركية اليونانية بحجة حماية الحدود و اللاجئيين السوريين مع طلب السلطات التركية مهنم فض الاعتصامات على الحدود و إخلاء نقاط تجمعهم .
ولذا فقد عاد الكثيرون منهم بشعور الإحباط و الغضب من الوعود التركية التي تبين عدم صدقها , كما تفاجئت الفصائل المدعومة تركيا بوقف اطلاق النار في ادلب بعد كل التحشيد و الوعيد خلال الفترة الماضية , و عاد الكثير من أنصار المعارضة ومقاتليها بشعور الخيبة والمرارة بعد توقف ما تخيلوا انه دعم تركي لا محدود لهم ’’لسحق الجيش السوري ’’ كما وعدهم الرئيس التركي و زعماء حزبه وأذرعه الإعلامية .
هذه الخيبات السورية وصلت الى درجة الشعور بالخيانة واخضاعهم للمساومة في البازار السياسي ممن ظنوا انه حليفهم وراعيهم لابد ستنعكس بشكل اوسع شعبيا خلال الأيام و الأشهر المقبلة .
 هدأت طبول الحرب الاردوغانية  انتهت معركته دون تحقيق نتائج استراتيجية فلا هو أعاد الجيش السوري الى ما وراء نقاط المراقبة التركية ولا هو تمكن من استعادة هيبة جيشه , وتفاهمات اردوغان -بوتين ستسري خلال الأيام المقبلة مع بقاء سيطرة الجيش السوري وحلفاؤه على طريق دمشق -حلب m5 , و سيطرة الروس عبر دوريات مشتركة على طريق m4 الواصل بين حلب واللاذقية . ورغم الخسائر التي اوقعها الجيش التركي بالجيش السوري وحلفاؤه الا أنها تبقى محدودة بالعنصر البشري والسلاح دون تحقيق نصر استراتيجي او حتى تحقيق اهداف المعركة التي صورها اردوغان انها ليست فقط ثائر للجنود الأتراك وانما ايضا دفاعا عن الأمن التركي .
 كان يفترض بالرئيس التركي أن يكون أكثر وعيا ودبلوماسية ويقبل بالسلم الذي حاولت ان تقدمه له طهران عبر مبادرتها بعقد لقاء بين القيادة الايرانية والتركية والسورية و ربما كان مثل هذا اللقاء سيسهل الكثير من الأمور ويحل الكثير من المشكلات الداخلية والخارجية لهذه الدول وفي مقدمتها تركيا , بدلا عن معركة  الرئيس اردوغان الدونكشوتية التي  كانت خاسرة وكادت ان تخرب علاقاته مع كل من روسيا وأيران بسبب حالة الطيش و العنجهية و الأنفعال اللا مسؤول التي ظهرت من بعض السياسيين الأتراك في السلطة  ولم يستفد منه سوى الدعاية الإعلامية لطائرات (بيرقدار) المسيرة التي ينتجها صهره (زوج ابنته سمية ) (سلجوق بيرقدار) الذي صمم وأنتج هذه الطائرات , ويقال في الأمثال الشعبية ’’ أن الصهر ولد ’’ اي بمثابة الإبن .
وبعيدا عن الشبهات المالية التي تحوم حول ذلك و مدى نفوذ ’’ الصهر ’’ الذي وصفه أحد رموز المعارضة التركية كمال قليجداراوغلو  برئيس حكومة الظل في تركيا .
ودون التطرق الى الجدل الذي اثير حول نجاعة هذه الطائرة التي سقطت في ليبيا و سورية .
فيما بقي  مشهد العراك في البرلمان التركي يوم الأربعاء 4اذار مارس 2020  جزء من المشهد العام في تركيا و دليلا على حالة الإنقسام الحاد في البلاد .
العراك داخل البرلمان الذي نقلته شاشات التلفاز تخلله ضرب وشتائم ولكمات و تبادل التهم بإساءة الإدارة و عدم احترام الجنود الأتراك بين كل من عدد من نواب كتل الحزبية الموالية لحكومة الرئيس التركي وحزبه , وبين عدد من نواب أحزاب المعارضة .
دائرة الاتهامات في تركيا توسعت وارتفعت نبرتها  لدرجة التصريح بأن سياسة بعض المعارضين  تخدم أعداء تركيا  , كما طالت الاتهامات ايضا قنوات تلفزيونية مثل اودا oda tv  و كان عدد من السياسيين والصحفيين انتقدوا التدخل العسكري التركي في شمال سورية بينهم حزب الشعب الجمهوري chp  وبعض الصحفيين .
أحد الصحفيين الأتراك على قناة فوكس التركية تسائل قائلا ’’ منذ أيام و الكلمة المتداولة هنا ’’ الحرب ’’ لماذا نحارب في سورية ؟ هذه ليست معركتنا  , لقد جعلونا طرفا في المعركة , نحن في قلب المعركة الأن ونريد حماية أنفسنا من هذه المعركة التي أدخلونا فيها فهي ليست معركتنا, لا للحرب لأجلنا جميعا المكان الذي فيه حرب لا يصلح للعيش ’’ .
وقد سبق جلسة البرلمان التركي اتهامات وجهت من قبل أنصار حزب العدالة والتنمية وأعضائه لكل من يعارض تدخل الجيش التركي في ادلب , طالت هذه الإتهامات سياسيين وصحفيين ونشطاء معارضين .
في 3-3-2020 اعلن وزير الدفاع التركي عن إطلاق عملية ’’ درع الربيع ’’ العسكرية في ادلب  سبقها  حملة إعلامية كبيرة من الحكومة التركية لحشد الدعم الشعبي في الشارع التركي  لهذه المعركة مستغلا حالة الصدمة والحزن و الغضب من مقتل 33 جنديا تركيا  في بلدة بليون السورية في جبل الزاوية 27-2 شباط 2020.
,  هذه الحالة التي استغلها  الرئيس التركي  رجب طيب اردوغان لتحرك بحرية أكبر عسكريا  بحجة الإنتقام لمقتل الجنود الأتراك الذي تم تصديره على أنه إعتداء على الدولة التركية وهي الحجة التي تضيق مجال حركة المعارضة وقدرتها على الإعتراض أو انتقاد السياسة الحكومية  خاصة مع محاولة بعض الأصوات في الحزب الحاكم وصم كل من ينتقد الحكومة بالخيانة و تحدث بعضهم بشكل صريح عما أطلقوا عليه ’’خونة الداخل ’’ .
 وقد ترافق ذلك مع تعطل العديد من مواقع التواصل الإجتماعي في تركيا لعدة ساعات خلال الأيام الماضية في ظاهرة ادرجها المراقبون الأتراك ضمن عمل الرئيس التركي على قمع حرية الرأي والتعبير في بلد ديمقراطي مثل تركيا
قلة هم من تجرأوا على رفع صوتهم في مواجهة الحملة الحكومية  لكن ذلك لم يمنع الغضب الشعبي من سياسة الرئيس التركي و نهجه في التعامل الداخلي والإقليمي والدولي.
الرئيس التركي الذي يحاول السيطرة على الرأي العام الشعبي في بلاده  يجد نفسه امام شارع منقسم وحالة متنامية من الغضب و الابتعاد عنه .
1فيما عبر العديد من الناشطين الاجتماعيين الأتراك غير المتحزبين  استيائهم و وغضبهم من طريقة إدارة الشؤون الخارجية و الداخلية في تركيا  مبدين قلقهم على الأوضاع الأقتصادية و الصعوبات المعيشية و ايضا التململ من وجود النازحين السوريين وهذا ما بدا واضحا في تململهم الذي عبروا عنه  على ومواقع التواصل الإجتماعي
-وكانت بيانات وزارة التجارة التركية قد اظهرت الثلاثاء 3-3-2020 اتساع العجز التجاري لتركيا بنسبة 44.1 مليار دوار وفقا لما يسمى بنظام التجارة الخاص , فيما تراجعت اسعار صرف الليرة التركية الى ادنى مستوى لها منذ تسعة اشهر .
كما اوضحت المؤشرات ارتفاع معدلات البطالة بين صفوف الشباب التركي وهذه العوامل كلها تتظافر لتنسج حالة من النفور الشعبي من سياسة الحزب الحاكم , بدورها  أحزاب المعارضة التقليدية (حزب الجيد و الحزب الشعب  الجمهوري ) تبدي هذه الكتل الحزبية المعارضة اعتراضها الصريح منذ سنوات على سياسة الرئيس رجب طيب اردوغان الخارجية التي دمرت معظم علاقات تركيا مع العالم العربي .كما أنهم يشيرون الى أن الرئيس يحاول الهرب من أزماته الداخلية بافتعال حروب خارجية .
 اما  حزب العدالة والتنمية فيبدو أنه يعاني ايضا من حالة الإنقسام الداخلي والتشظي  , و ليس كلا واحدا كما يحاول أن تصوره كتلة الرئيس التركي فالقاعدة الشبابية التي يعتمد عليها الحزب بات أغلبيتها بعيدا عن السياسة التركية ويبدي تململه منها وإن كان بعضهم لا يزالون ملتزمين بالموقف الرسمي للحزب حتى الأن .
في حين بدت الكتلة المقربة من الرئاسة مخندقة وراء موقف الطيب اردوغان ومدافعة عن خياراته و حاولت شن هجوم شرس ضد من اطلق عليهم البعض ب’’ الخونة  الداخليين ’’ , وان كانت الاشارة هنا الى الأحزاب المعارضة التقليدية الا انها بدت واسعة لتشمل كل من يعترض على مواقف الرئيس وخياراته وضد اي صوت يعلو لينتقد قراراته.
في حين سجل المراقبون قيام الناشطين بعنوان بريد الكتروني لتلقي اسماء من أطلق عليهم ’’ انصار النظام السوري او شبيحته ’’ واللافت هنا ان هذه التبليغات لا تقتصر على السوريين الذين تدعي انقرة حمايتهم لاسباب انسانية بل تشمل ايضا الاتراك الذين يعبرون عن مناصرة النظام السوري وهذا يفتح باب واسع للكيدية السياسية والنكاية و فخ يستخدم لمعاقبة المخالفين لسياسة الرئيس وقمع الأصوات المعارضة لتحركاته .

في حين أبدا عدد من المنشقين عن حزب العدالة والتنمية اعتراضا صريحا  على السياسة التركية , مطالبين الحكومة التركية  بفتح قنوات حوار مع من تختلف معهم داخليا وخارجيا  بدل الاسلوب العدائي و الاستفزازي  وايضا فتح تواصل مع الدول العربية والإقليمية والدولية .

 من يتابع الشارع التركي هذه الأيام  يرى أن الحكومة  في جهة وقسم كبير من الشعب  التركي في جهة أخرى , رغم محاولات استخدام الخوف و التحشيد القومي لرص الصفوف خلف الرئيس أردوغان الذي يبدو وهو يتصرف أقرب الى زعامات العالم الثالث في دولة تحاول قمع حرية الرأي و حكومة ترفض الانتقاد .
للأسف يبدو أن الحزب الحاكم و زعيمه الأوحد يرفضون أخذ العبرة من الدرس القاسي الذي حصلوا عليه في انتخابات البلدية في اذار 2019 عند خسارتهم عدة مدن كبرى بينها انقرة العاصمة السياسية و اسطنبول العاصمة الاقتصادية .
كرة النار تكبر في تركيا و الحرائق تحيط بالرئيس التركي من جميع الجهات  الذي يكاد يجد نفس مع 0 أصدقاء  ,و ربما كل الخوف هنا  من الارتدادات الداخلية لذلك   على النازحين السوريين في تركيا  خاصة أن هناك توتر شديد في المدن التركية وحالة من الاحتقان ضدهم  .
كاتب سوري