أثارت جريمة الاغتصاب الجماعي لسائحة بولندية في محافظة بيت لحم، الذينفّذها 5 شبان، الرأي العام الفلسطيني ومشاعر الغضب والخوف والهلع،ووصفها كثيرون بالجريمة غير الإنسانية.
جاءت جريمة الاغتصاب في زمن رعب الكورونا وسطوة العشائر، وانتشارفيديو قيام سيدة فلسطينية من مدينة رام الله بالاعتداء على مواطنتينيابانيتين يقمن في المدينة منذ سنوات، ويعملن في مؤسسة يابانية تقومبمشروع لدعم الشعب الفلسطيني. وتم اعتقال السيدة والاعتذار من السيدتيناليابانيتين، في حين حاول أطراف التستر على جريمة الاغتصاب.
وفي حيثيات جريمة الاغتصاب، أقدم 5 شبّان من منطقة بيت لحم في الضفةالغربية، في 29 شباط/ فبراير 2020، على اغتصاب سائحة بولندية والاعتداءعلى الدليل السياحي الذي كان يرافقها، وهو أيضاً من بيت لحم.
الشبان الخمسة، اعتدوا على الشاب الذي كان يرافق السائحة وقيّدوه، وقامواباغتصاب السائحة بالتناوب، المثير أن خبر الجريمة لم يتم الإعلان عنه إلا بعدأيام من ارتكاب الجريمة، بعد توجه الشاب المعتدى عليه إلى المنطقة التيوقعت فيها الجريمة برفقة أفراد من عائلته وقاموا بالاعتداء على الشبانبالمعتدين عليه الضرب وتسليم بعض منهم إلى الشرطة.
ومع انتشار خبر الجريمة وقيام عائلة الشاب (مرافق السائحة) بالاعتداءبالضرب على المجرمين، أصدر الناطق باسم الشرطة في السلطة الفلسطينةلؤي ارزيقات بياناً، قال فيه إن مواطناً تقدّم بشكوى تفيد بالاعتداء عليه وعلىزائرة بولندية كانت برفقته، واستخدم المشتبه بهم مركبة غير قانونية وأسلحةبيضاً، وانتحلوا صفة رجال أمن واعتدوا عليهما وسلبوهما أغراضهما.
وأضاف ارزيقات أنه تم القبض على أربعة أشخاص بعد بلاغ من المواطنين حول وجودهم في المنطقة، وأن هناكاعتداء عليهم من قبل مجموعة من المواطنين المستنكرين لفعلتهم، بعد التعرف إليهم من قبل ذوي المعتدى عليه،مبيناً أن الاعتداء على أحد المشتبه بهم من قبل مواطنين، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وعند وصولالشرطة تم القبض على المشتبه بهم.
بيان الناطق باسم الشرطة لم يتناول جريمة الاغتصاب وتحدث عن الاعتداء على مرافق السائحة كونه من عائلةمعروفة، وبدل توضيح القضية للرأي العام الفلسطيني الغاضب، فسح المجال للصلح العشائري بين عائلة المعتدىعليه وعائلة المعتدين.
وهنا تظهر سطوة العشائر المستمرة وتغولها على القانون، وتساعد أجهزة انفاذ القانون بجهل أو بقناعة مسبقةبإجراءات الصلح العشائري على حساب سيادة القانون، مقابل الأفق الضيق في معالجة القضايا الوطنية، مايساهم في انهيار هيبة السلطة وإضعاف مؤسساتها وتفكيك النسيج المجتمعي، وإفقاد الرأي العام الثقة بالنظامالعام والقانون، والأخطر هدم بنية القيم المتأصلة في المجتمع الفلسطيني.
الأفق الضيق لدى أجهزة السلطة وفي مقدمها أجهزة إنفاذ القانون وبخاصة الأجهزة الأمنية، يؤدي إلى تغليبالمصلحة الضيقة على المصلحة الوطنية، فوفقاً للمعلومات، عولجت القضية عشائرياً، في محاولة لاحتواء الجريمةوتغييب سلطة القانون وغياب الشفافية. وتم التكتّم على الجريمة وترحيل القضية إلى الصلح العشائري علىحساب القانون، على اعتبار أن الكشف عن الجريمة سيثير الرأي العام وسيضرب السياحة في فلسطين بخاصةفي بيت لحم مهد المسيح.
التكتم على هذه الجريمة مشابه لما حصل في قضية إسراء غريب وغيرها من الجرائم المعلنة وغير المعلنة، فالشرطةوالأجهزة الأمنية وفي مقدمها النيابة العامة فسحت للعشائر باستعجال الحل إلى إغلاق القضية وبدأت العشائرإجراءات الصلح والقيام بمراسم ما يُعرَف بــالعطوة أو الجاهة بين عائلة المعتدى عليه وعائلات المغتصبين وتم منحعائلات المعتدين جاهة أو هدنة ليوم الجمعة 6/3/2020.
وسيقدم كل طرف مطالبه، وهو عبارة عن مبالغ مالية مرتفعة جداً، وما تأخذه العشائر من القانون في الجاهة هواعتراف المعتدين بجريمتهم، ومن ضمن المطالب كما جرت العادة في قضايا مشابهة أن عائلة المعتدى عليهستطالب بحق السائحة قبل حقها، باعتبار أن السائحة كانت في سيارة الشاب المعتدى عليه!
أفق ضيق ينم عن جهل وعدم احترام للقانون والعلاقات الإنسانية، ولم يخطر في بال متخذي القرار، ترك الأمرللأجهزة الأمنية لحل القضية من دون النظر إلى سمعة فلسطين وعلاقتها الديبلوماسية والسياسية مع دولةالضحية التي تعرضت للاغتصاب، والتأثير في سجل فلسطين في مجال حقوق الإنسان والضرر الذي سيلحقبسمعتها على المستوى الدولي.
والأخطر إفلات المجرمين من العقاب وتشجيعهم على الاستمرار في ارتكاب جرائم أخرى إذ لهم سوابق، فقدارتكبوا جريمة اغتصاب واعتداء على امراة أمام زوجها وصووها بالفيديو، كما صوروا جريمتهم بحق السائحةالبولندية.
غياب الأفق والمصلحة الوطنية والنظرة الضيقة لأجهزة إنفاذ القانون وتغول الأجهرزة الأمنية وتواطؤها معالعشائر، وفي مقدمها النيابة العامة التي لم تقم بواجبها بمباشرة فتح تحقيق جدي ونشر الإجراءات التياتخذتها وإعلام الجمهور بها بشفافية، وحق الناس في الحصول على المعلومات، وخطورة إسقاط الحق الشخصيعن جناية الاغتصاب، ما يعني إنزال العقوبة وحصول المعتدين على حكم مخفف.
المواطنون هم الذين كشفوا الجريمة وأصبحت قضية رأي عام، وعبر الفلسطينيون عن غضبهم الشديد وأدانواالجريمة البشعة، التي تنافي قيمهم، وطالبوا بإنزال أقسى العقوبات على المعتدين. الصلح أمر طبيعي بين الناسلكنه يظل شأناً خاصاً بين المتخاصمين، وعلى والقضاء ألا يأخذ في أحكامه بالصلح العشائري بخاصة فيالجرائم والجنايات وأن تكون الاحكام القضائية قاطعة.
في المجتمع الفلسطيني وفي ظل تشابك المصالح بين فئات عدة تلتقي المصالح العليا وتنشأ علاقات تواطؤ بينهاوبين هذه الفئات من أصحاب المصالح، سواء كانوا رجال أعمال أو سياسيين ورجال عشائر وضباط أمن متنفذينلا يرغبون في أي تغيير وإصلاح في طبيعة النظام، وبفضلون إبقاء الوضع القائم خوفاً من أي تغيير إلى الأفضليضر بمصالحهم.
جريمة الاعتداء على المواطنة الأجنبية تتطلب تفترض محاسبة حقيقية، ومن حق الناس الحصول على المعلوماتوالتشدد في تطبيق القانون، وقيام النيابة العامة بالتحقيق الجدي والمهني، وعدم استخدام التعذيب وتوفيرضمانات المحاكمة العادلة، بعيداً من عدالة الشارع، والأهم كف يد العشائر عن التدخل في هذه القضية وغيرهامن القضايا الخطيرة، وأخذ القضاء دوره في القيام بمحاكمة عادلة ورادعة ضد المجرمين.


