خطة "تنوفا": تقييمات مختلفة وشكوك حول تطبيقها وعلامات استفهام مركزية تخيم عليها

الجمعة 14 فبراير 2020 09:14 م / بتوقيت القدس +2GMT
خطة "تنوفا": تقييمات مختلفة وشكوك حول تطبيقها وعلامات استفهام مركزية تخيم عليها



القدس المحتلة / سما /

شكك محللون عسكريون إسرائيليون، اليوم الجمعة، في إمكانية تطبيق الجيش الإسرائيلي للخطة المتعددة السنوات التي أطلق عليها اسم "تنوفا"، والتي وضعها رئيس أركان الجيش، أفيف كوخافي، واستعرض تفاصيل منها، أمس. ويأتي تشكيك المحللين على خلفية عدة أمور، بينها الميزانية الهائلة التي يتطلبها تطبيق هذه الخطة، ولأنه حتى لو حصل الجيش عليها فإنه يواجه إشكاليات تتعلق بقدرات الجنود وصعوبة تطبيقهم لتطلعات الخطة.

يضاف إلى ذلك، أنه ليس واضحا بعد إذا كانت هذه الخطة ستخرج إلى حيز التنفيذ ومتى، وذلك لأنه يتعين على الحكومة الإسرائيلية المصادقة عليها، خاصة وأنها مقرونة بإنفاق هائل، في وضع تواجه فيه إسرائيل أزمة سياسية، يمكن أن تؤدي إلى انتخابات رابعة للكنيست، في حال الفشل مرة ثالثة بتشكيل حكومة بعد الانتخابات الثالثة للكنيست، التي ستجري في 2 آذار/مارس المقبل. زد إلى ذلك أنه مقابل زيادة الميزانية التي يطالب بها الجيش، لا تزال وزارة المالية تطالبه بتقليص إنفاقه بمليارات الشواقل.

وأشار إلى ذلك المحلل العسكري في موقع "واللا" الإلكتروني، أمير بوحبوط. "لا توجد ثورات بدون أثمان. وفي نهاية الأمر، مهما كانت ميزانية الأمن كبيرة، فإنها لا تزال تلزم الجيش الإسرائيلي بالتغيّر. وعندما يقولون في هيئة الأركان العامة ’تغيّر’، فإن الحديث ليس عن تغيّر ثقافي، وإنما عن إغلاق وحدات وتقليص تشكيلات عسكرية. والقوى البشرية محدودة. وطوال عشرات السنين الأخيرة، كانت قوات البرية المتضررة الرئيسية، وذلك في الوقت الذي تعاظمت فيه قوة سلاح الجو وحصل على موارد من ميزانية الأمن، وكذلك شعبة الاستخبارات العسكرية".

واعتبر بوحبوط أنه "لا يمكن التعمق بالخطوط العريضة لـ’تنوفا’ من دون التساؤل حول تشابهها مع فكرة رئيس أركان الجيش الأسبق، إيهود باراك، بتحويل الجيش الإسرائيلي إلى جيش صغير، ذكي، دقيق وفتاك... والسؤال المركزي الذي يتعين على ضباط هيئة الأركان العامة الإجابة عليه هو إلى أي حجم بالإمكان تصغير جيش البرية. وواضح للجميع أنه من دون قوات البرية لا يمكن تحقيق نصر، خاصة لدى الحديث عن ذلك ’العدو الخفي’، ألا وهو المنظمات الإرهابية. لكن عندما يتحدث كوخافي عن ضربة نيران، فإنه لا يقصد قوات البرية، وإنما سلاح الجو".

وأضاف بوحبوط أنه "لهذا السبب، ينبغي الوقوف عند العبرة بأنه لا يوجد اجتياح فتاك من دون قوات البرية. ولا يمكن السيطرة على منطقة من دون اجتياح مكثف. ولا يمكن القيام بذلك من الجو فقط. وفي هذه المرحلة، تبدأ روح مفوض شكاوى الجنود السابق، يتسحاق بريك، ترفرف في أجواء غرفة المداولات" في إشارة إلى تقارير أصدرها بريك في السنتين الأخيرتين حول عدم جهوزية سلاح البرية خصوصا للحرب.

ووفقا لبوحبوط، فإنه فيما يتعلق بقرار كوخافي تعيين ضابط برتبة لواء على رأس قيادة الدائرة الثالثة وإيران، "لن يوافق قائد سلاح الجو، عميكام نوركين، وقائد شعبة الاستخبارات، تمير هايمن، وقائد شعبة العمليات، أهرون حليفا، على التنازل عن صلاحيات ومجالات مسؤولية في هذا السياق. والسؤال هو ما إذا كان هذا التعيين يشكل محاولة لاستخراج ميزانيات من الحكومة بعدما اختفت في العام 2015، عشية التوقيع على الاتفاق النووي".

تقييمات مختلفة

وتطرق إلى هذه النقطة المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، بأنه "بشكل مفاجئ قليلا أعلن الجيش الإسرائيلي عن عودته إلى نافذة الفرص الإستراتيجية. فقبل خمس سنوات أدت تطورات إقليمية هامة – الاتفاق النووي مع إيران والهزة في العالم العربي – إلى فرضية أن حربا كبيرة لا تظهر في الأفق. ولذلك اقترح الجيش الإسرائيلي حينذاك نقل مبالغ كبيرة من الاستعدادات لهجوم محتمل في إيران إلى الحاجة لتحسين قدرات عسكرية مختلفة".

ووافقت الحكومة على ذلك من خلال مصادقتها على خطة "غدعون"، التي وضعت تحت قيادة رئيس أركان الجيش السابق، غادي آيزنكوت. "والآن يطلب خلفه كوخافي إطلاق ’تنوفا’، المنوطة هي الأخرى برصد ميزانية كبيرة من أجل تطوير قدرات متنوعة أخرى".

ولفت هرئيل إلى اختلاف بين قيادة الجيش ورئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو. "إذا طُبقت ("تنوفا")، فسيكون هذا تغيير جذري بالنسبة للوضع في الشهور الأخيرة، منذ أن تم جرّ هيئة الأركان العامة، مرغمة، لتشكل جوقة مرافقة للتخويف من الحرب من جانب نتنياهو. وفيما يتواجد الإيرانيون عند الحدود في سورية، ويتم نشر صواريخ طويلة المدى في اليمن وفي الخلفية التخوف من استئناف البرنامج النووي العسكري، أحدث نتنياهو انطباعا أن تدهورا سريعا سيقود إلى حرب إقليمية هو احتمال معقول".

وأضاف هرئيل، مشيرا إلى تقديرات الجيش، أن "الرسالة الآتية الآن من جهة هيئة الأركان العامة معقدة وربما أدق. إيران ترزح تحت ضغط اقتصادي بالغ ولا تسارع نحو النووي؛ خطر حرب تقليدية مع الجيوش في إحدى الدول المجاورة ليس مرتفعا: جيش سورية بدأ بالانتعاش وحسب؛ الأردن ومصر موقعتان على اتفاقيات سلام مع إسرائيل – وحتى انقلابات فيهما لا تؤدي إلى صدام عسكري فوري. والخطر الحقيقي يتعلق بتدهور غير متعمد في قطاع غزة أو في الحدود الشمالية، وقد يقود إلى حرب، لكن تطورا كهذا مطروح منذ عدة سنوات".

وتابع أن "هذه الظروف تسمح للجيش الإسرائيلي، برأي كوخافي، تخصيص المزيد من الوقت والمال لعملية بناء طويلة الأمد. وهو يميل إلى المخاطرة من أجل منح الجيش قوة دافعة ("تنوفا" بالعبرية) في السباق مقابل أعدائه، وتحسين وضعه على ضوء القدرات التي يطورها الخصوم تدريجيا، وعلى رأسهم فيلق القدس الإيراني، حزب الله وحماس. وفي الجانب الآخر هناك ’جيوش الإرهاب’، حسب تسمية هيئة الأركان العامة، وهي تنظيمات متناثرة وبحوزتها مخزون مقذوفات وصواريخ بحجم أكبر من مخزون دول المنطقة، ويتواجدون في مناطق يصعب على اجتياح بري الوصول إليها".

وأشار هرئيل إلى أن "الخطة تثير شكوكا. وخلال لقاء مع صحافيين امتد خمس ساعات، هذا الأسبوع، لم يتم ذكر وحدات الاحتياط ولو مرة واحدة. والقرار بتقليص عدد الدبابات مرة أخرى سيؤرق ضباط المدرعات".

علامات استفهام تخيم على خطة "تنوفا"

وفقا لهرئيل فإن هناك "ثلاث علامات استفهام مركزية تخيم على الخطة":

أولا، علامة الاستفهام الاقتصادية. "وزارة المالية تتحدث عن الحاجة إلى تقليص 20 مليار شيكل من ميزانية الدولة من أجل تغطية العجز المالي، خلال العام الحالي، و30 مليارا أخرى في العام المقبل. وهذا لا يتجانس مع تعهدات نتنياهو بالاهتمام باحتياجات الجيش. ورغم أن بإمكان الجيش الإسرائيلي الاعتماد على 3.8 مليار دولار سنويا، من أموال المساعدات الأميركية، إلى جانب زيادة خاصة بملياري شيكل صودق عليها هذا العام، لكن كل هذا ليس كافيا لانقلاب حقيقي، كالذي يخطط له كوخافي. فالأمور منوطة بالمزيد من المال، الذي سيتأخر الآن على الأقل إلى حين اتضاح الوضع السياسي" أي تشكيل حكومة.

ثانيا، علامة استفهام حول العنصر البشري. "الخطة تقضي باستخدام تكنولوجيا متطورة، ولذلك هي متعلقة بأن يكون الجنود والضباط مؤهلين وأذكياء بالشكل الكافي من أجل تفعيل الوسائل الجديدة. وتوجد للجيش مشكلة هنا، وهي مستمرة منذ أمد طويل، وتزداد خطورة، وتتعلق بالحافزية على الخدمة العسكرية وكذلك بالرغبة في الاستمرار في الخدمة الدائمة (بعد النظامية). ومن دون وجود عدد كاف من الجنود ذوي القدرات الملائمة، لن تتحرك الأمور بالوتيرة التي يتطلع إليها كوخافي".

ثالثا، "علامة الاستفهام الثالثة ترافق الجيش الإسرائيلي منذ أكثر من عقدين: فالخطط المختلفة تتعهد كل مرة بإعادة جيش البرية إلى حجمه ووضع الاجتياح البري العميق في مرتبة عالية في سلم الأولويات. ولن تحدث هذه الأمور من تلقاء نفسها – على ضوء إطلاق أكثر من ألف مقذوف باتجاه الجبهة الداخلية يوميا خلال حرب (مقبلة)، ولن يكون خيارا أمام الحكومة سوى بالمصادقة على اجتياح بري واسع. لكن في جميع العمليات العسكرية الأخيرة – حرب لبنان الثانية في العام 2006، الحروب الثلاثة الأخيرة في غزة – كان تهديد المقذوفات متواضعا أكثر والحكومة ترددت. وفي النهاية، اختاروا (في الحكومة الإسرائيلية) الامتناع عن خطوات كبيرة، تحسبا من خسائر كثيرة وانتقادات شعبية. ومن الجائز أن الجيش عمل على تمضية السيف، الذي لن يسمح السياسيون، ببساطة، بإخراجه من الغمد".

وشدد هرئيل على أن "هذه ليست أياما مريحة لكوخافي. من جهة، يستمر انعدام الوضوح بشأن الميزانية للخطة. ومن جهة ثانية، توجد حاجة للضغط على الفرامل إزاء مغامرات عسكرية محتملة ينجر إليها المستوى السياسي، وما زلنا نذكر ليلة المقذوفات في أشدود، قبل الانتخابات الأخيرة في أيلول/سبتمبر الماضي (عندما كان نتنياهو يخطب في اجتماع انتخابي في المدينة). ومن جهة ثالثة، يوجد خطر أن يعود نتنياهو، خصوصا، إلى محاولة تجنيد الجيش لاحتياجات حملته الانتخابية".

وخلص هرئيل إلى أنه "في خلفية كل ذلك ثمة قلق آخر. فقد تورط الجيش في سلسلة فضائح، تقوض مصداقيته بنظر الجمهور. وقد حدث هذا حول غرق الطائرات في قاعدة سلاح الجو في حتسور، وفي قضية تضخيم معطيات تجنيد الحريديين. وفي مسألة أقل أهمية، حصل حرج بسبب الاحتفالات حول تجنيد المغنية نوعا كيرل، الذي كشف وجود ’مسار المشاهير’، الذي يسمح لمجندين مشهورين بالحصول على منافع شخصية. وهذه الفضيحة الصغيرة أيضا أصمّت آذان كوخافي".