لا شك أن استخدامنا للحاسوب والأجهزة اللوحية والهواتف الذكية يزداد باستمرار، على حساب غياب الكلمة المكتوبة باليد، وما تحمله من فنون الخط والكتابة التي أصبحت تستخدم في أضيق الحدود.
فهل آن لنا أن نودع الكتابة باليد للأبد؟
هل يمكنك تذكر المرة الأخيرة التي قمت فيها بوضع القلم على الورقة؟ إذا كانت إجابتك بـ "لا" فلست وحدك، بل أنت جزء من مجموعة متزايدة من البشر، تستخدم الطباعة والكتابة على الحواسيب بدلا من الكتابة باليد، وقد وجدت دراسة أجراها "دوك ميل" مؤخرا، أن من بين 2000 شخص استطلعت آراؤهم، هناك واحد من بين كل ثلاثة لم يكتب شيئا على الورق خلال 6 أشهر ماضية.
ولكن ما الفائدة من الحفاظ على الكتابة باليد، ولو على سبيل التشبث بفنون الكتابة "القديمة"، ولا نقول "الخط العربي" أو الرسوم التوضيحية وسائر فنون الرسم!
لدينا 5 فوائد للكتابة باليد، مقارنة بالكتابة على الحاسوب أو على الأجهزة الإلكترونية الحديثة، ربما يفكر أحد في وضع القلم على الورقة، والعودة للكتابة ولو أحيانا.
تساعدنا على التعلم
حينما نكتب باليد، فإننا نستخدم أجزاء مختلفة من الدماغ، غير التي نستخدمها حينما نكتب على الحاسوب، وهو ما يؤثر على قدرتنا في التعلم. فالحركات التي نشكلها عند الكتابة، تؤدي إلى تنشيط مناطق أكبر من الدماغ، بما في ذلك المناطق التي تعنى باللغة والتعافي والتفكير والذاكرة.
بهذا الصدد قارنت دراسة أجراها "لونشون إت آل" Longcamp et al عام 2006، حول تاثير الكتابة اليدوية والطباعة في قدرتنا على التعلم. وتبين أن الأطفال الذين تعلموا كتابة الرسائل باليد كانوا أكثر قدرة على تذكر الحروف والتعرف عليها أكثر ممن تعلموا الحروف عن طريق كتابتها على جهاز الحاسوب.
كذلك قارن مولر وأوبنهايمر، عام 2014، بين تأثير الكتابة اليدوية والطباعة في قدرة الطلاب على فهم المعلومات المنقولة لهم أثناء الإصغاء لمحاضرة من خلال مقارنة أولئك الذين يدونون ملاحظاتهم على أجهزة إلكترونية، وممن يدونون الملاحظات مكتوبة باليد.
ومن خلال 3 تجارب، وجد العالمان مرارا وتكرارا أن الطلاب الذين دونوا ملاحظاتهم بخط اليد كانوا أفضل في الإجابة عن أسئلة المحاضرة من أولئك الذين كتبوا ملاحظاتهم على الأجهزة الإلكترونية.
وخلصت الدراسة إلى أن كتابة الملاحظات، من المرجح أن تحولها إلى لغة أخرى حرفية، لأنه عند كتابة المعلومات بخط اليد، كثيرا ما نطالب بمعالجة المعلومات وإعادة صياغتها بكلماتنا الخاصة، مما يساعد في عملية التعلم.
إحدى الفوائد الجذابة للكتابة اليدوية، هي أنها تساعد على إطلاق ملكات الإبداع لدى الإنسان. فكثير من الكتاب المشهورين فضلوا الكتابة باليد، حتى حينما أتيحت لهم فرصة استخدام الحاسوب، أو قبله الآلة الكاتبة، من بين هؤلاء ج.ك. رولينغ، على سبيل المثال، الذي كتب كل "حكايات بيدل الشاعر" في دفتر ملاحظات مجلد، وقيل أيضا أن فرانز كافكا وإرنست همنغواي فضلا الكتابة بالقلم عن الكتابة بالآلة الكاتبة وكذلك نجيب محفوظ سيد الرواية ثابر على الكتابة باليد حتى النهاية.
ووفقا للعلم، فإن هناك صلة بين حركة اليد المنسابة على الورقة، وقدرتها على تعزيز الإبداع. كذلك فإن السرعة التي نكتب بها تساعدنا على أن نكون أكثر إبداعا. فبالنسبة لكثيرين، وبعدما أصبحت الطباعة أسرع من الكتابة، لأن الكتابة تتطلب وقتا، وبالتالي تترك مساحة لمعالجة الأفكار أثناء الكتابة، وهو ما يعطي فرصة لإطلاق المواهب الإبداعية وتطويرها أثناء فعل الكتابة.
تشحذ العقل
يمكن أن تكون الكتابة سببا في الحفاظ على قدراتك المعرفية مع تقدمك في السن، فحينما نكتب، نشارك عقولنا أكثر مما نفعل حينما نطبع. وممارسة فن الخط إنما تعزز أداءك المعرفي. هذا بدوره يمكن أن يقلل من حدوث التدهور الإدراكي في وقت لاحق من الحياة. فكتابة الرسائل وحفظ المذكرات المكتوبة بخط اليد أو كتابة الخطط تحافظ على عقلك حادا مع تقدمك في العمر.
الخط يحسّن مهارات حل المشكلات
إن عملية الكتابة، والعمل الدائم على إتقان فن الخط، يمكن أن يساعد على حل المشكلات، فكثيرون يجدون في الكتابة وسيلة لتوضيح الارتباك وسبر أغوار بعض القضايا المعقدة، من خلال الكتابة، أو ربما من خلال رسوم وخطوط وأشكال توضيحية، ما يسهل الوصول إلى الحلول.
إن عملية "وضع المخ على الورق" طريقة رائعة كي يتمكن الإنسان من رؤية أفكاره متجسدة على الورق أمام عينيه، وذلك يساعدنا في تنظيم المعرفة، وأنماط التركيز، وتفكيك المشكلات، وتحديد الأولويات، وبالتالي رسم الاتصالات أثناء كتابتها، ومن ثم القدرة على التصور الأكثر إلماما بالمشكلات وطرق حلها.
تساعد على الاسترخاء الذهني
في عالم يتحرك بسرعة البرق، قد يكون إيجاد وقت للجلوس والكتابة أمرا مزعجا. إلا أنه يوفر تركيزا للعقل، حيث يمكننا استخدام الكتابة كوسيلة لاسترخاء الذهن واستراحة العقل. فالكتابة تجبرنا على الإبطاء قليلا، والصبر والتروي، والتفكر فيما نريد فعليا أن نقوله، فتشبه بذلك عملية الرسم، قد تكون الكتابة وسيلة مثلى للعثور على لحظة سلام في عالم يسوده الفوضى.
بينما نكتب يوميا على مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات والبرامج المختلفة التي توفر القدرة على كتابة اليوميات بشكل إلكتروني، قد يبدو أننا لم نعد بحاجة للقلم والورقة. إلا أن الطباعة على الحاسوب وسائر الأجهزة الإلكترونية لا توفر القدرة ذاتها على "وضع المخ على الورق"، ولا توفر إمكانية "شطب" الأفكار، ثم محاولة استعادة ما كتب تحت خطوط "الشطب"، فالضغط على زر "حذف" Delete يمحو تلك الأفكار للأبد بكبسة زر، وهو ما لا يحدث حينما نكتب على الورقة. فالفكرة المكتوبة على الورقة، حتى حين شطبها، تظل موجودة، بكل الطاقة، والمنحنيات، والروح التي كتبناها بها.
ترى هل ستتمكن الأجيال القادمة من الحفاظ على ثقافة الكتابة باليد؟