حماس على خطى منظمة التحرير من الثورة إلى السلطة..عمر الردّاد

الثلاثاء 19 نوفمبر 2019 01:23 م / بتوقيت القدس +2GMT
حماس على خطى منظمة التحرير من الثورة إلى السلطة..عمر الردّاد



لم تطرح عمليات القصف المتبادل بين الجهاد الإسلامي وإسرائيل أسئلة داخل إسرائيل،رغم الخلافات العميقة بين معسكري اليمين والعلمانيين، خاصة مع احتمالات الذهاب لانتخابات إسرائيلية جديدة ثالثة،وربما يعود ذلك لتوافقات إسرائيلية بين كل تياراتها على مواجهة النشاط المسلح للفصائل الفلسطينية،استنادا للنظريات الأمنية التي تحكم سياسات إسرائيل ومرجعيات مفاهيمها،رغم ان انتقادات وجهت لنتنياهو، وان الجهاد الإسلامي انتصرت عليه،في إطار التنافس الانتخابي.

لكن بالمقابل طرحت العملية جملة من الأسئلة العميقة،حول موقف حركة حماس وتعاطيها مع العملية،وتحديدا كتائب”القسام”بامتناعها عن المشاركة مع الجهاد الإسلامي”سرايا القدس”،خلافا لمرات سابقة كانت فيها حماس هي التي تقود العمليات ضد إسرائيل،حتى لو بدأت من قبل أي فصيل فلسطيني مسلح غير “كتائب القسام.”،في ظل صورة رسختها حماس منذ استيلائها على قطاع غزة بأنها القوة الوحيدة التي تحكم السيطرة على القطاع، وان بقية الفصائل المسلحة تتبع لها وتدور في فلكها،على غرار صورة حركة فتح في الضفة الغربية.
لم تخف القيادة الإسرائيلية،منذ بداية العملية أنها تستهدف فقط كوادر من”سرايا القدس” التابعة للجهاد الإسلامي،وأنها لا تستهدف حماس”كتائب القسام” وهو ما تم فعلا،رغم قوائم الأهداف الكثيرة في بنك المعلومات الإسرائيلي لحركة حماس”معسكرات،عناوين قادة سياسيين وعسكريين” فيما كان تزامن استهداف غزة مع استهداف احد الجهاد الإسلامي بدمشق”أكرم العجوري” رسالة إسرائيلية بان العملية مبنية على معلومات ،وهدفها محدد بإحباط مخططات تم انجازها في طهران ودمشق،وتستهدف إسرائيل انطلاقا من غزة.
حماس المشغولة بالانتخابات الفلسطينية القادمة من جهة، والمتمسكة بالهدنة “الهشة” مع إسرائيل،التي تم انجازها من خلال الوسيط المصري،والمتطلعة للجلوس على مقعد التمثيل الفلسطيني، بديلا لسلطة”عباس”في الضفة الغربية،تعتقد ان عنوان المرحلة بالنسبة لها ليس العودة الى الخنادق والأنفاق، وإنما عنوان سياسي” انتخابات وتمثيل ومفاوضات” في ظل حصار خانق بدا يضع شعبيتها على المحك،خاصة وانه لا فتح المعابر وغلقها مع إسرائيل ومع مصر،ولا المساعدات القطرية لأهالي غزة،أسهمت في رفع الحصار،ولا التخفيف من حدة البطالة،الأكبر على مستوى في العالم”75%.
حرصت حماس في تعاطيها مع القصف الإسرائيلي على أهداف تابعة للجهاد الإسلامي،على الحفاظ على صورتها،بوصفها القائد في قطاع غزة،وحتى لا تبدو كالسلطة الفلسطينية،غير القادرة على ضبط حماس والجهاد في الضفة الغربية،او كالدولة والجيش اللبناني في التعامل مع حزب الله اللبناني وحروبه مع إسرائيل،فمع بداية العملية أكدت انها لن تبقى مكتوفة الأيدي وسترد على العدوان الإسرائيلي،وكادت أن تقول” أنها سترد في الزمان والمكان المناسبين، وإنها من تحدد وقت ومكان المعركة،ولن تخوض معركة يفرضها عليها العدو لحساباته وأهدافه”،بالتزامن مع ذلك أطلقت اتصالات مكثفة مع القيادة المصرية،لبذل جهود مع تل أبيب لوقف القصف،ومن غير الواضح الرسائل التي مررتها حماس لإسرائيل،وربما الالتزامات والتعهدات، مقابل وقف القصف،خاصة وان مفاوضات تثبيت التهدئة وتبادل الأسرى قائمة ومتواصلة بين الطرفين، بالتزامن مع مفاوضات في عواصم أوروبية برعاية مصرية وأخرى قطرية،الا ان المرجح انها تلقت تأكيدات إسرائيلية بان العملية محدودة جدا،وتقتصر على أهداف تابعة للجهاد الإسلامي.
ميدانيا،لم يكن أمام حماس،للخروج من حالة الحرج التي وقعت فيها ب”تخاذلها”عن الرد، الا “غرفة العمليات المشتركة” التي شكلت صيغة مثالية لحماس تظهر من خلالها ان العمل المسلح في قطاع غزة منسق وبقيادتها وتحت سيطرتها التامة،وهو ما أكدت عليه مضامين مخرجات اجتماعات تلك الغرفة،بان كافة القرارات في قطاع غزة باتجاه التصعيد او التهدئة،لا تتم إلا بتوافق بين كافة الفصائل المسلحة،فيما همشت تلك المضامين صورة الجهاد الإسلامي بوصفها الحركة الوحيدة الملتزمة بالمقاومة،مقابل ما ظهر انه تخاذل من قبل حركة حماس وكتائب القسام.
بعيدا عن المقاربات الاتهامية لحماس بأنها تخاذلت تجاه الاستهداف الإسرائيلي،الا ان العديد من المؤشرات كانت تؤكد ان حماس تشهد تحولات عميقة،منذ التعديلات على وثيقتها التاسيسة، التي تم انجازها بإشراف قطري- تركي، ومباحثاتها السرية مع إسرائيل في عواصم أوروبية،والرغبة الجامحة للتمسك بالسلطة التي أكدتها”ترجمات” كل اتفاقات المصالحة بينها وبين حركة فتح،لإنهاء الانقسام الفلسطيني،والعمل ليلا نهارا على أن تكون بديلا للسلطة الفلسطينية”فتح” في قيادة الشعب الفلسطيني،وظهرت بوصفها”نظاما سياسيا” اكتر من كونها حركة ثورية تحررية، وهو ما يطرح تساؤلات حول مفاجآت جديدة من حماس، ربما تتجاوز الاستنكاف عن الرد على اعتداءات إسرائيلية على فصيل شريك في النضال الوطني ضد الاحتلال،فحماس تدرك ان قيادة الدولة تتطلب شهادات حسن سلوك،غير تلك التي تتطلبها قيادة الثورة،وان تحقيق الأهداف الكبرى يتحقق مع الخصوم عبر المحيط الإقليمي، ولن يكون بدعم من العواصم البعيدة.
كاتب أردني
oaalraddad@gmail.com