يومان قتاليان مع الجهاد الإسلامي في خدمة التسوية بالقطاع

الإثنين 18 نوفمبر 2019 03:09 م / بتوقيت القدس +2GMT
يومان قتاليان مع الجهاد الإسلامي في خدمة التسوية بالقطاع



اطلس للدراسات الاسرائيلية / بقلــم: أودي ديكل/

لقد جسدت تصفية قائد اللواء الشمالي في سرايا القدس للجهاد الإسلامي في شمالي القطاع بهاء ابو العطا قدرة إسرائيل الاستخبارية والعملياتية. وفي اعقاب رد الجهاد لإطلاق الصواريخ الى الجبهة الإسرائيلية الداخلية المدنية، ادار الجيش الإسرائيلي يومين قتاليين في ظل الحرص على السماح لحماس بالامتناع عن الانضمام الى المعركة الناشئة. فالتركيز على اهداف الجهاد فقط، الى جانب تقليص الضرر الجانبي في مناطق القطاع، دل على نية حكومة إسرائيل لمواصلة العمل على التسوية بينها وبين حماس، والذي يتواصل منذ زمن بعيد بخطى مدروسة وخفية في معظمها عن عين الجمهور في إسرائيل. وبالفعل، اوضح الناطقون بلسان حكومة إسرائيل بان قائد الجهاد صفي ليس فقط لأنه كان مسؤولا عن معظم إطلاق الصواريخ في الاشهر الاخيرة من القطاع نحو إسرائيل بل وايضا لان عمله هذا كان يستهدف احباط مساعي إسرائيل حماس لتطبيق وتثبيت تفاهمات التهدئة الامنية في ساحة غزة. وحسب مصادر اعلامية عربية، نقلت إسرائيل رسالة الى الفصائل الفلسطينية في غزة عبر مصر بانها غير معنية بتصعيد واسع.

وبالفعل، فضلت حماس الجلوس على الجدار والامتناع عن الانضمام الى المعركة التي نشبت بين الجيش الإسرائيلي والجهاد الإسلامي.

ان نشاط الجهاد المستقل - وهو الذي يتمتع بدعم عسكري لوجستي من إيران، وان كان من المشكوك فيه أن يكون يقاد منها - يضع تحديا امام قدرة حماس على تحقيق مصالحها الحالية، الاوسع من مجرد تثبيت الشرعية من خلال ابداء التضامن مع محافل المعارضة التي لا تخضع لإمرتها. وذلك بخاصة في ضوء التخوف من التدهور الى مواجهة مع إسرائيل. فالمواجهة الواسعة في نظرها ستخرب على مساعي التسوية التي تقودها مصر، والتي تساهم في تحسين الوضع المدني في القطاع واعادة بناء الخرائب التي وقعت في اثناء حملة الجرف الصامد، وستمس بالمنافسة على الشرعية بينها وبين فتح والسلطة الفلسطينية، الجارية هذه الايام على خلفية امكانية اجراء انتخابات للبرلمان الفلسطيني.

في كل الاحوال، فان جلوس حماس جانبا يطرح السؤال هل لدى المنظمة ما يكفي من القوة للجم الجهاد حين تكون لها مصلحة في ذلك. فاستخدام القوة ضد "حركة جهادية شقيقة" يتناقض وهوية حماس كحركة مقاومة تتبنى الصراع العنيف ضد إسرائيل. ورغم ذلك، وبخلاف ايديولوجيتها، اختارت حماس هذه المرة أن تكون جهة لاجمة مما ادى عمليا الى تقصير مدة الجولة، بقرارها الصادم لعدم الانضمام الى القتال وترك الجهاد وحيدا في المعركة.

في اليومين القتاليين، أطلق نحو إسرائيل نحو 450 صاروخ؛ الجيش الإسرائيلي ركز على مهاجمة خلايا إطلاق الصواريخ، القادة الميدانيين ومنشآت الانتاج والتخزين للجهاد؛ علم بسقوط 34 قتيلا في الطرف الفلسطيني، بينهم عدد من الاطفال والنساء ونحو 100 جريح؛ في إسرائيل لم تكن اصابات في الارواح، ولحقت اضرار محدودة فقط بالبنى التحتية.

في ضوء الاصابات المتراكمة وفهم قيادة الجهاد بانها وحدها في المعركة استجابت للضغط وللعرض المصري لوقف النار. واوضح امين عام التنظيم زياد النخالة بان "الحركة توصلت الى اتفاق وقف نار مع إسرائيل بعد أن وافقت الى جانب باقي الفصل الفلسطينية على العرض المصري الذي يحقق شروط المقاومة". وحسب التفاهمات التي تحققت يوقف الجهاد النار ويحرص على أن تجري مسيرات العودة بالوسائل السلمية. اما إسرائيل من جهتها فتتوقف عن سياسة التصفيات في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، تتوقف عن إطلاق النار على المشاركين في مسيرات العودة وتتعهد بتنفيذ تفاهمات القاهرة المتعلقة برفع الحصار عن القطاع. لم يؤكد اي مصدر رسمي في إسرائيل هذه التفاهمات. بل وادعى النخالة بان "إسرائيل تريد عزل الجهاد عن باقي الفصائل ولكن رغم أن الجهاد يمكنه وحده ان يدير المعركة ضد إسرائيل على مدى اسابيع طويلة، فقد استجبنا للتوجه المصري ورغبة باقي الفصائل ووافقنا على وقف النار".

ميزان الربح والخسارة لحماس

بخلاف ايديولوجيا حماس المعلنة، ومع أنه في إطار التنسيق بين الفصائل نقلت معلومات وربما وسائل قتالية للجهاد، فان منظمة حماس لم تنضم الى القتال. وبالتالي فقد فضلت حماس السياسة البراغماتية على عمل هو ترجمة مباشرة لأيديولوجيا المقاومة العنيفة لديها. وفي اعقاب ذلك:

حماس خرجت معززة من حيث صورتها من جولة المواجهة، رغم أنها لم تشارك، في اعقاب تصريحات متكررة من جانب إسرائيل بان من الافضل لحماس الا تنضم الى المعركة، إذ ان المواجهة في هذه الحالة ستخرج عن السيطرة، وستكون الاضرار للطرفين جسيمة واليمة للغاية.
أثبتت قيادة حماس بانها لا تخاف النقد على الامتناع عن الانضمام الى خطوات المقاومة ضد إسرائيل. حماس حساسة تجاه مزاج الجمهور الفلسطيني المتعب وفهمت بانه لا يوجد تأييد للتصعيد. سبب مركزي هو التقدم في عملية التسوية بين إسرائيل وحماس. لو كانت حماس تدخلت في القتال لخاطرت بوقف وافشال عدد من المشاريع الجارية في القطاع، بما فيها بناء شبكة لتوريد الكهرباء والمياه، ووقف زيادة كمية التجارة عبر المعابر وخروج رجال الاعمال والعمال من القطاع الى إسرائيل. كما كانت ستخاطر بتعكير العلاقات المتحسنة مع مصر، التي هي انبوب التنفس بالنسبة لها.
التركيز الإسرائيلي على الجهاد في جولة المواجهة دون ضرب اهداف لحماس كعنوان سلطوي مسؤول عما يجري في القطاع يشكل تغييرا في السياسة وفي عمليا ما يعفي حماس من المسؤولية عن منع اعمال الارهاب من القطاع تجاه دولة إسرائيل في المستقبل ايضا. في نظر حماس يمكنها أن تتهرب من المسؤولية والادعاء بان ليس في وسعها منع العمليات من القطاع بشكل مطلق.

الميزان لإسرائيل

إسرائيل من جهتها اثبتت المبادرة، التصميم والقدرة العملياتية على تنفيذ احباطات مركزة في القطاع، وهكذا عززت الردع تجاه منظمات الارهاب وزعمائها:

منظومة الدفاع متعددة الطبقات عملت بنجاعة واستوفت الانجاز اللازم من حيث تقليص الاصابة للسكان وللبنى التحتية في غلاف غزة وفي الجبهة الداخلية. فقد اعترضت القبة الحديدية أكثر من 90 في المئة من الصواريخ في مسارات الاصابة في المراكز السكانية في إسرائيل. ومع ذلك، بالغ جهاز الامن في البداية بتقدير الضرر المحتمل من القطاع، عطل اجزاء واسعة من الدولة وابدى عدم ثقة بالقدرة على منع الجهاد من تحقيق انجاز بإصابة المواطنين والبنى التحتية.
منح الدفاع المحسن مرونة للقيادة السياسية في اتخاذ القرارات، إذ سمح بعمل دقيق وتحكم بمستويات التصعيد. ساعد في الامتناع عن حملة عسكرية واسعة النطاق، بما في ذلك العمل البري لاحتلال القطاع او جزء منه. ومع ذلك فقد طرحت ادعاءات في إسرائيل بان قدرات الدفاع تمس بالدفاع الإسرائيلي لعمل هجومي بقوى عالية لغرض تغيير جذري للوضع في القطاع.
أظهر الجيش الإسرائيلي قدرة اصابة دقيقة بشبكات الارهاب للجهاد، التحت ارضية وفوق الارض، دمر بنى تحتية لإنتاج وتخزين الصواريخ والقيادات ايضا. في الجولة قتل قرابة 30 قائدا ونشيطا في الجهاد، معظمهم في عمليات صد لخلايا إطلاق الصواريخ.
نالت إسرائيل تأييدا وشرعية دولية لحقها في الدفاع عن مواطنيها ضد هجمات ارهاب الصواريخ.

معانٍ وتوصيات

إسرائيل ستكون مطالبة بان تتخذ قريبا القرار هل ستواصل التمسك بمنطق اعفاء حماس من المسؤولية عن إطلاق الجهاد وباقي المنظمات للصواريخ نحو إسرائيل. يحتمل ان يكون الهجوم على حماس عشية السبت، ردا على خرق وقف النار بإطلاق الصواريخ نحو بئر السبع يوضح بان هذا خروج لمرة واحدة عن السياسة الإسرائيلية.

لم تغير الجولة الاخيرة صورة التهديدات من القطاع. لدى المنظمات في القطاع قدرات تمثل تهديدا امنيا على إسرائيل. سيستخدم كلما كان يخدم مصالحهم. واستمرار الوضع القائم، بما في ذلك إذا كان تقدم في مساعي التسوية بين إسرائيل وحماس، لن يمنع فصائل الارهاب من مواصلة التعاظم والتهديد بتشويش الحياة الطبيعية في إسرائيل، وليس فقط في غلاف غزة. هذا الوضع، اضافة الى عدم التماثل بين القطاع والضفة، حيث تنفذ إسرائيل والسلطة الفلسطينية مبدأ تجريد المنطقة من القدرات العسكرية ومنع بناء شبكات للإرهاب كفيل بان يكون خلفية لمعركة عسكرية واسعة غايتها نزع القدرات العسكرية لحماس وباقي المنظمات العاقة في القطاع. ولكن حتى مع ختام حملة عسكرية واسعة النطاق بالضرورة ستتسبب بدمار كبير واصابات كثيرة، لن يتوفر بديل عن حكم حماس في القطاع، يكون مريحا أكثر لإسرائيل، وستجد إسرائيل صعوبة في تصميم واقع من الاستقرار والهدوء الامني على مدى الزمن في هذه الساحة.

وبالتالي، فان هذا هو الوقت لاستنفاد الامكانيات والفرص للتقدم في التفاهمات مع حماس، والتي تتركز اليوم على التسوية مع إسرائيل أكثر مما على الصراع العنيف والمواجهة العسكرية معها وكذا اجراء انتخابات في السلطة الفلسطينية بل والمصالحة مع فتح. ومع ذلك، لما كانت حكومة إسرائيل اختارت حماس عنوانا للتسوية وليس السلطة الفلسطينية، فان هذا عمليا هو اضعاف للسلطة التي هي العنوان الشرعي الوحيد للتسوية في المستقبل. وعليه، نوصي بتغيير هذه السياسة والعمل في قناتين:

تعزيز السلطة الفلسطينية في ظل المساعدة على تثبيتها كسلطة مسؤولة، تؤدي مهامها ومستقرة، وعدم التخريب على مساعي المصالحة بينها وبين حماس مما هو كفيل بان يؤدي الى اعادة الادارة المدنية في القطاع الى ايديها.
تحديد حماس كعنوان مسؤول مؤقت في قطاع غزة، في ظل الاستعداد لتحقيق التفاهمات لوقف نار طويل، مقابل تسهيلات هامة في الاغلاق والتقدم في مساعي بناء البنى التحتية والتشغيل في القطاع.

تثبت الجولة الاخيرة بانه في هذه المرحلة من أجل الوصول الى تفاهمات مع حماس، فان إسرائيل غير مطالبة بخطوة عسكرية واسعة النطاق في القطاع تقتلع حماس من الاساس. وذلك لأنه بالنسبة لمعظم المسائل التي قيد الخلاف - باستثناء مسألة اعادة جثماني الجنديين والمدنيين الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس - من الصعب التقدير بانه ستنشأ ظروف أفضل للتوافقات التي تبدي حماس الاستعداد للموافقة عليها اليوم، واختارت الدفع بها الى الامام على الانضمام الى معركة عسكرية ضد إسرائيل.

​المصدر: مركز دراسات الأمن القومي