مفوض الاونروا السابق يتحدث عن محاولات تصفية الاونروا ورفضه الاذعان لواشطن وتل ابيب

السبت 16 نوفمبر 2019 09:20 م / بتوقيت القدس +2GMT
مفوض الاونروا السابق يتحدث عن محاولات تصفية الاونروا ورفضه الاذعان لواشطن وتل ابيب



القدس المحتلة/سما/

وجه مفوض الاونروا المستقيل بيير كرهينبول رسالة وداعية الى موظفي الاونروا شرح فيها الضغوط التي تعرضت لها الاونروا والاسباب التي دعته للاستقالة والضغوط التي تعرض لها من قبل تل ابيب وواشنطن للموافقة على تصفية الاونروا.

نص الرسالة 

زملائي الأعزاء،

بعد ست سنواتٍ بالضبط من إعلان الأمين العام بان كي مون تعييني المفوض العام لوكالة الأونروا، قدمت استقالتي إلى خلفه، الأمين العام أنطونيو غوتيريش.

​لقد شرفني كثيراً أن أكون على رأس هذه المنظمة الإستثنائية خلال هذه الأوقات المضطربة. تعلمت منكم جميعا الكثيروتكوّن لدي منذ بداية مهامي احتراماً عميقاً لقوة الأونروا العملياتية ولشجاعة العاملين فيها. وبعد خبرة ٢٢عاماً مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أدركت سريعاً ومنذ البداية الصفات التي تميّز الأونروا، هذه الوكالة القادرة على الاستثمار في مشاريع إنمائية طويلة الأمد وعلى الإستجابة بفعاليةٍ وقت الأزمات.

​وبشكل أكثر تعمقا، لقد أدركت الدور الأساسي الذي تضطلع به الأونروا في نظر اللاجئين الفلسطينيين، وهو دور الشاهد على الظلم التاريخي الذي لحق بهم عام ١٩٤٨ والذي يستمر حتى اليوم، ممّا دفعني مراتٍ عديدة إلى الشعور بأنه لا بدّ من رفع الصوت والتطرق إلى موضوع حماية كرامة اللاجئين الفلسطينيين والدفاع عن حقوقهم، بالإضافة إلى ضرورة استمرار تقديم المساعدات والخدمات الأساسية لهم.

​رفعت الصوت في غزة خلال الحرب عام ٢٠١٤​ ​ وفي ظل الأزمة الصحية التي نتجت عن​ "مسيرة العودة الكبرى".​ رفعت الصوت في اليرموك وفي حلب حيث عاش اللاجئين الفلسطينيين هناك صدمة الخسارة والنزوح من جديد. رفعت الصوت في برج البراجنة وفي عين الحلوة حيث غياب الأفق ليس أمراً سياسياً وشخصياً فحسب، بل جسدياً أيضاً. رفعت الصوت من جنين وبيت لحم والخليل حيث حُفرت في نفوس الناس حقائقُ الاحتلال التي يزداد تجاهلها. ورفعت الصوت من القدس الشرقية لأطمئن اللاجئين الفلسطينيين بعد إعلان الولايات المتحدة نقل سفارتها.

​فالعمل الإنساني ليس توزيع الغذاء والمواد الأخرى فحسب. إنه عمل يرتسخ في القانون الدولي. ولطالما رفضت فكرة أن تأتي المعاناة بصفة المجهول وأن تُجرّد من أسماء أصحابها وتُختصر بأرقامٍ وإحصائيات. لذلك، لطالما ذكرت في المحافل الدولية أسماء طلاب الأونروا الذين قتلوا في غزة وفي سوريا ، لأنه كان لكل منهم مصير وأمل وإمكانية تحقيق إنجازات. كما حاربت لكي تُرفع في المقر الرئيسي في نيويورك أسماء موظفي الأونروا الذين فقدوا حياتهم خلال تأديتهم لواجبهم، وكذلك أسماء من اعتقلوا أو اختفوا حيث لمتكن أسماءهم مسجلةً من قبل على لائحة ضحايا​ الأمم المتحدة.

​وندرك جميعاً المناخ الذي تعمل فيه الأونروا في العامين الماضيين. لقد كان لقرار الولايات المتحدة بقطع مبلغ ٣٠٠ مليون دولارأميركي عام ٢٠١٨​ ​ هدفاً واضحاً: تقويض اللاجئين الفلسطينيين والقضاء على وجود الأونروا. وعندما فشل ذلك المخطط بفضل قرارات الإدارة الحاسمة وإجراءات التوفير الداخلية التي إتخذناها وحملة​ "الكرامة لا تقدر بثمن" الإستثنائية التي أطلقناها، تحولت الهجمات مباشرةً إلى هجماتٍ سياسية.

​وأصبح الأمرُ جليّاً هذا العام، عندما خاطبت مجلس الأمن في ٢٢​ ​ أيار/مايو. فجاءت الردود الداعمة من ١٤ من الدول الأعضاء. في حين شنّ مبعوث الولايات المتحدة هجوماً ضد الأونروا لم يشهد مجلس الأمن في تاريخه مثيلاً له ضدّ منظمة ٍإنسانية. خاطبتهم من غزة، ودحضت بشكلٍ صارمٍ كل نقطةٍ وإدعاء قدّمه كلّ من مبعوث الولايات المتحدة والممثل الدائم لإسرائيل في نيويورك. وكان جليّاً أنّ ما قمتُ به لن يمرّ دون دفع الثمن. فرفعُ الصوت ورفضُ الإذعان للمصالح السياسية والتهكم غالباً ما يؤدون إلى محاولاتٍ لإسكات الصوت المرفوع.

​وبالإضافة إلى هذه التحديات غير المسبوقة، كان علينا أيضاً أن نتعامل مع تقريرٍ أُرسل إلى نيويورك وتضمّن إدعاءاتٍ عن سلوكٍ غير لائقٍ لإدارة الأونروا، بمن فيهم أنا.

​وفي رسالة الاستقالة التي أرسلتها إلى الأمين العام بتاريخ ٦ تشرين الثاني/نوفمبر، ذكرت بشكلٍ واضح أن قراراستقالتي ليس إذعاناً أو قبولاً مني لأيٍّ من الإدعاءات التي وجهت ضدي على الإطلاق. بل على العكس، ما زلت أرفضها رفضاً قاطعاً وبدون أيّ تحفظات، وأؤكد مجدداً بأن كل قرارٍ إتخذته كمديرٍ للوكالة إنّما إرتكز على إعتبارات أخلاقية. لقد قررت الإستقالة لأنني قبل كل شيء، أرقى فوق السياسات التي تحكمت بهذا الإجراء بكامله، وهو إجراء تعاملت معه بشكلٍ وثيق وبشفافيةٍ مطلقة بسبب ثقتي الراسخة بنظام الأمم المتحدة والتزامي بمبادئها وبسبب سجلي المهني المشهود له في مجال العمل الإنساني.

​وبدافع النزاهة الشخصية وحس المساءلة، ما زلت أرفض حتى الساعة أن أنظر إلى التحقيق على أنه أمراً مفتعلاً فحسب . لكن أن نعتبر أن التحقيق حدث بمعزلٍ عن إمكانية استغلاله لدوافع سياسية هو أمر ساذج إن لم يكن مخادعاً. وقد تمّ استغلاله بالفعل من قبل أولائك الذين ينتقصون من الأونروا بدون هوادةٍ بغية تحقيق أهدافهم، في حين كان تطبيق ما يسمّى ب​ "صفقة القرن"​ في أوجّه، وكانت أهدافهم معروفةً قبل وقتٍ طويل من التحقيق.

​شابت الإجراءات تسريباتٌ وخرق لمبدأ سرية التحقيق واستغلالاتٌ تستمر ليومنا هذا. فقد كان التقرير الأوليّ "السريّ" قد وصل إلى أيدي دولٍ أعضاء في الأمم المتحدة قبل وقتٍ طويلٍ من إبلاغي بحسب الأصول عن موضوع التحقيق في شهر آذار/مارس من هذا العام. ولديّ أسباب تدفعني للظنّ بأنّه تمّ إطلاع عددٍ من الدول على هذا التقرير في شهر كانون الثاني/يناير إن لم يكن قبل ذلك. وفي شهر شباط/فبراير ٢٠١٩، اتصلت بي دولة عضو كانت على علمٍ بمضمون التقرير وأشارت إلى تلقيها أسئلةً من الصحافة حول الموضوع. وفي وقتٍ لاحقٍ، تمّ تسريب التقرير إلى وسائل الإعلام مما أدى إلى استغلالٍ سياسي واسع النطاق. إن هذه الخروقات للسرية بالإضافة إلى نوبة الإدعاءات العلنية العدائية قد ولّدت وضعاً لا يمكن تحمّله حتى مع استمرار التحقيق.

​وفي الأسبوع الماضي، تبلّغت رسمياً بأن التحقيق أثبت عدم وجود فساد أوعمليات تزوير أو سوء إدارة، وبأنّ الإدعاءات الباطلة عن علاقة عاطفية مع إحدى المستشارات​ لا أساس لها بحسب التقرير. لقد تبلّغت بأنّ بعض المسائل الإدارية ومسائل التوظيف تحتاج إلى مرحلة إضافية من الإجراءات. وفي غضون ذلك، طُلب مني التنحي من منصبي.

​وبعبارةٍ أخرى، وبالرغم من أن التحقيق قد أثبت أن الإدعاءات الأكثر خطورةً غير صحيحة ولا أساس لها، طُلب من التنحي. لم أكن جاهزاً لتقبّل ذلك. لقد كنت دائماً، وسأظل، على أتمّ الاستعداد للإعتراف بوجود مجال للتحسين في أسلوب إدارتي للوكالة، وخلال السنوات الخمس الماضية، عملت بحزمٍ على تعزيز الفعالية وزيادة المساءلة.

​إلاّ أنني أجد التطورات التي حصلت هذا العام غير مقبولة. لقد اتهموني بالسفر كثيراً. تخيلوا الإتهامات التي كانت ستوجّه إليّ لو بقيت في القدس العام الماضي أنتظر معجزةً تأتيني بالأموال اللازمة لسدّ عجزٍ قيمته ٤٤٦ مليون دولار. إتهموني بالسفر في درجة رجال الأعمال علماً أنني رفصت السفر في درجة رجال الأعمال خلال نصف عدد رحلاتي منذ العام ٢٠١٥​ رغم كون ذلك من حقي. اخترت السفر في الدرجة السياحية لتوفير المال على الوكالة. وقد تمّ توثيق كل النفقات المتعلقة بسفري بحسب الأصول.

​لقد أتخذت الآن قراري بالاستقالة من منصبي كمفوضٍ عام، وهو لقب حملته بكل فخرٍ​ في وجه الهجمات الضارية التي شُنّت على الوكالة وعلى شخصي. إتخذت هذا القرار لأنني لم أعد مستعداً بالسماح لأولائك الذين يهاجمون دوماً اللاجئين الفلسطينيين، والأونروا، ويهاجمونني، بالإستمرار بإستغلال هذا الوضع خصوصاً في خضّم التحضير لتجديد الولاية. وفي الأمس، شهدنا التصويت الملحوظ للّجنة الرابعة التابعة للجمعية العامة حيث دعمت ١٧٠ دولة تجديد ولاية الأونروا لثلاث سنوات. وبالتالي، فقد ضمنت جهود التواصل وكسب التأييد التي بذلناها طوال العام ان تكون نتيجة التصويت أفضل من نتيجة العام ٢٠١٦، بالرغم من الهجمات التي شُنّت علينا.​

​وفي الختام أؤكد لكم أنه ما من تجربةٍ مجزية أكثر من تجربة ترؤس الأونروا ورؤية الإنجازات العظيمة – الفردية والجماعية – التي قمتم بها أنتم موظفو الأونروا الفخورون. أناشدكم أن تستمروا بالتركيز على مهامكم الأساسية، بالعمل لمصلحة اللاجئين ومناصرتهم في الدفاع عن حقوقهم وكرامتهم، وبالعمل سوياً بثقةٍ واحترام.

​تعلمون جميعكم أن أكبر مصدر إلهامٍ بالنسبة إليّ كان العمل مع طلابنا. أنا فخورٌ جداً بشجاعتهم وإصرارهم، بقدرتهم الملفتة على لمس قلوب السياسيين والدبلوماسيين والصحافيين عندما خاطبوا الجمعية العامة أو جامعة الدول العربية. إنّ تمكين الفئة الشابة من اللاجئين الفلسطينيين زهرة ثمينة تحتاج للكثير من العناية والإنتباه عن كثبٍ وبشكلٍ مستمر.

​في السابع عشر من شهر آبأغسطس ٢٠١٤، وبين أنقاض مدرسة الأونروا في خزاعة التي قامت دبابة إسرائيلية بجرف قسمٍ كامل منها، وجدنا كتاب رؤى الدراسي. كانت الحرب في غزة مستعرة من حولنا وفي الكتاب قصيدة شعرية تقول​ "الأمل صديق لا يخونك أبداً. قد يذهب لبعض الوقت لكنه يعود دائماً".​ هذه الرسالة جالت العالم معي ولمست قلوب الكثيرين.

​إلى لاجئي فلسطين، إلى موظفي الأونروا، إلى طلابنا، إلى أصدقاء كُثر كسبتهم خلال هذه المسيرة، أعرب عن إمتناني وشكري البالغين. أعلم أن أقدارنا مرتبطةً إرتباطاً وثيقاً وسأحمل في قلبي إلى الأبد أعظم صفةٍ عندكم: قدرتكم على التصدي بصلابة وعلى عدم الإستسلام.

ولـكــم مـني فـائـق الإحـتـرام،

بــيـــيــر كــريـنـبــول