بتاريخ ٢٩/٤/٢٠١٨ صدر القرار بقانون رقم (١٥) لسنة ٢٠١٨ بشأن الجرائم الإلكترونية. والقرار بقانون هو كل ما يصدر عن الرئيس الفلسطيني بصفته مشرعاً مؤقتاً في ظل غياب السلطة التشريعية، من أجل سد الفراغ وللحفاظ على كينونة المجتمع ومن أجل الصالح العام.
ويظل القرار بقانون سارياً حتى يعقد المجلس التشريعي جلساته، حيث يعرض القرار بقانون على أولى جلسات المجلس التشريعي لإقراره أو رفضه أو تعديله حسب ما تراه السلطة التشريعية مناسباً.
منذ العام ٢٠٠٦، أي من لحظة انتخاب المجلس التشريعي المنحل وحتى تاريخ اليوم فإن السلطة التشريعية معطلة بالكامل، ولم يتمكن المجلس التشريعي الثاني من إقرار أي قانون بعكس المجلس الأول الذي أقر مجموعة جيدة من القوانين، وإن أصبح بعضها اليوم بحاجة إلى تعديل.
قانون الجرائم الإلكترونية يتقاطع مع قوانين عدة أردنية أو فلسطينية أقرت بعد دخول السلطة ومنها قانون الاتصالات السلكية واللاسلكية رقم ٣ للعام ١٩٩٦ وقانون الإجراءات الجزائية رقم ٣ لسنة ٢٠٠١ وتعديلاته وأحكام القرار بقانون رقم ١٨ لسنة ٢٠١٥ بشأن مكافحة المخدرات والقرار بقانون رقم ٢٠ لسنة ٢٠١٥ بشأن غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب وتعديلاته وغيرها من القرارات بقوانين وذلك اعتماداً على التطور التكنولوجي السريع، والانتشار الهائل لوسائل الاتصال وتطبيقاتها المختلفة.
ولكن هذا القرار بقانون جاء مستعجلاً ومشوهاً في مواد عدة، كونه يحد من الحريات بدرجة كبيرة بل ويقمعها، وأكبر دليل على ذلك هو إغلاق مواقع إلكترونية ووكالات أنباء إلكترونية تحت حجة الإرهاب وإثارة الكراهية العنصرية أو غير ذلك من الأوصاف الفضفاضة.
إغلاق المواقع الإخبارية قبل ٣ أسابيع من دون علم الحكومة بطلب من النيابة جاء دون علم رئيس الوزراء الذي أخذته المفاجأة من هذا القرار… علماً أن النائب العام والنيابة العامة هي تحت أمر الحكومة وليست جهة مستقلة؟! ومن المفروض ألا تتبع جهازاً أمنياً أو غير ذلك.
عدم علم الحكومة بالقرار والمفاجأة التي أحدثها أجبر الكثير من المسؤولين في السلطة التنفيذية على مستوى الحكومة واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية على انتقاد القرار بقانون الخاص بالجرائم الإلكترونية والمطالبة بإلغائه، خاصة أنه يتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي وقعتها فلسطين في مجال الحريات العامة.
القضاء الذي بدا مهتزاً والنيابة العامة التي فوجئت من ردود فعل الجماهير رحّلت القضية إلى المحكمة الدستورية التي ستبت في قانونية القرار بقانون الجرائم الإلكترونية، وفي حال أقرت المحكمة بعدم قانونيته .. كيف سيكون رد فعل أو موقف الذين شاركوا في صياغته؟ أو مجلس الوزراء الذي أقر القانون وأحاله إلى الرئيس لتوقيعه والمصادقة عليه ونشره في الجريدة الرسمية ليصبح ساري المفعول دون التروي أو على الأقل الاطلاع على تجارب الدول الديمقراطية لا دول الموز؟
الحكومة السابقة التي دمرت كثيراً من القيم ابتداء من ضرب حق التظاهر.. وإضراب المعلمين أكبر شاهد على ذلك حين أحالت الحكومة على التقاعد المبكر كل من شعرت أنه يقف ضدها من قادة إضراب المعلمين ثم محاولتها فرض قانون الضمان الاجتماعي، ولولا تدحرج الهبة المعارضة للقانون وخوفاً من الانزلاق إلى ما لا يحمد عقباه أصدر الرئيس قراره الذي أدى إلى إدخال القانون في حالة موت سريري حتى نسيه المواطنون يضاف إلى ذلك محاكمة مجموعة من الصحافيين في إطار هذا القانون السيئ .. وما زالت تجري محاكمة صحافيين منذ أشهر عدة على أساس هذا القانون الذي «يجنزر» حرية التعبير.. وعليه فإن الحكومة السابقة تتحمل مسؤولية كبيرة عن تمرير هذا القانون بصيغته الحالية الذي سيكون وصمة في جبينها إذا ما ألغت «الدستورية» هذا القانون.
مواد كثيرة متعارضة وفضفاضة وغير واضحة، مثلاً المادة رقم (٢١) من القرار بقانون تؤكد أن لكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر وفقاً للقانون.
ولكن في المادة الرابعة والعشرين ما يناقض المادة السابقة بل ينسفها تماماً، فهذه المادة تنص على أن كل من أنشأ موقعاً أو تطبيقاً أو حساباً إلكترونياً أو نشر معلومات على الشبكة الإلكترونية أو إحدى وسائل تكنولوجيا المعلومات بقصد عرض أي كلمات مكتوبة أو سلوكيات من شأنها أن تؤدي إلى إثارة الكراهية العنصرية أو الدينية أو التمييز العنصري بحق فئة معينة بسبب انتمائها العرقي أو المذهبي أو اللون أو الشكل أو بسبب الإعاقة، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن مائتي دينار أردني ولا تزيد على ألف دينار أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً أو بالعقوبتين.
وفي المادة (٣٠) على سبيل المثال: كل ما نشر قصداً على موقع إلكتروني محجوب بموجب أحكام المادة (٣٩) من هذا القرار بقانون باستخدام أنظمة أو موقع تطبيق إلكتروني يعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر -دون تحديد المدة الأعلى وقد تكون مؤبداً مثلاً- أو بغرامة لا تقل عن ٢٠٠ دينار ولا تزيد على ألف دينار.
لا أريد الغوص أكثر، ولكن هذه المواد الثلاث فيها من التناقض والتباين ما يثير القلق، فمثلاً ما هي الكراهية العنصرية وما هي الكراهية الدينية أو التمييز العنصري أو العرقي، نحن نتحدث عن فلسطين وليس عن العالم، ربما كل مواطن له تفسيره لكل مفهوم من هذه المفاهيم الفضفاضة، وربما ما أعتبره كراهية يعتبره غيري حقاً.
ألا يتعارض ذلك بشكل كلي مع المادة رقم (٢١) التي تؤكد على حرية التعبير بشكل مطلق، بمعنى أكبر، كيف تؤكد على حرية التعبير وأنت تحاكم شخصاً على رأيه في قضية دينية أو عرقية مثلاً.
هذا فيض من غيض عن مدى التناقض وخطورة كثير من مواد القانون خاصة المصطلحات والتعابير حمالة الأوجه.. ما يؤكد أن صياغة القرار بقانون جاء على عجل ولا ندري ما الغاية من ذلك، فالمواقع التي تم إغلاقها تحجب عن مشتركي الإنترنت في الضفة فقط، ولكنها تشاهد في مختلف أنحاء العالم ابتداء من القدس العاصمة إلى قطاع غزة إلى بلاد الواق واق، فهل هذا هو المطلوب؟!!