اعتبرت المصادر السياسيّة والأمنيّة في اسرائيل أنّ المعلومات الجديدة حول اليمن تُعَّد جوهرية ومهمة، إذْ أنّها تعرض القسم الثاني من صورة التهديدات التي لم تكن حتى الآن مكشوفة أمام الجمهور، لافتةً في الوقت عينه إلى أنّ شعبة الاستخبارات العسكريّة (أمان) حذرت من محاولة إيران مهاجمة إسرائيل من غرب العراق، بواسطة صواريخ (كروز) أوْ طائرات بدون طيار، من القواعد التي أقامتها في المنطقة بمساعدة المليشيات الشيعية التي تشغلها.
وتابعت المصادر، كما أكّد مُحلِّل الشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة، تابعت قائلةً: يبدو أنّ السيناريو الثاني يمس اليمن، فطهران وفرّت للحوثيين طائرات بدون طيار وصواريخ (سكاد)، التي هاجموا في السنوات الأخيرة بواسطتها مطارات ومنشآت نفط في السعودية، والآن يظهر من أقوال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنّ صواريخ باليستية بعيدة المدى أضيفت إلى البنى التحتية العسكريّة الإيرانيّة في اليمن، كما قالت.
ولأن المسافة من القسم الشماليّ في اليمن إلى إيلات، وهي النقطة التي تقع في أقصى جنوب إسرائيل، تبلغ أكثر من 1800 كم، أوضحت المصادر ذاتها، فربمّا يدور الحديث عن نوع من الصواريخ التي تسمى “خرام شهر” أوْ “موسودان”، وهو الصاروخ الأصليّ من إنتاج كوريا الشمالية والذي يصِل مداه إلى 4 آلاف كم، وبالتالي، فإنّ إيران قادرة على المسّ بأهدافٍ كثيرةٍ في جنوب إسرائيل من اليمن، كما أوضحت المصادر.
وشدّدّت المصادر الأمنيّة واسعة الاطلاع في تل أبيب على أنّ مدى الصواريخ الإيرانيّة يصِل، كما هو مفهوم، إلى إسرائيل حتى من إيران نفسها، ولكن نشر الصواريخ بعيدة المدى في اليمن، إضافةً إلى الإطلاق من هناك على السعودية في السابق، يدٌلّ على أنّ الإيرانيين يعدون لأنفسهم احتماليّةٍ أخرى، مُوضحةً أنّ هذه هي الخطة التي كشفها نتنياهو، بتفاصيل جزئيةٍ، في أقواله هذا الأسبوع.
في السياق عينه، وصف الباحث ومؤسس مشروع الدفاع الجويّ في الكيان، عوزي روبين، في مقالة كتبها في مركز القدس للشؤون الإستراتيجيّة والأمنيّة، الحرب المنسية في اليمن المندلعة منذ أكثر من أربع سنوات، قائلاً: “البعيد عن العين بعيد عن القلب”، على حدّ تعبيره، مُشدِّدًا على أنّ هذه الحرب التي تحظى بالانتباه في إسرائيل، نتائجها ستكون مصيريّةً على مستقبل الشرق الأوسط في ظلّ التهديدات الأمنية على إسرائيل، لافِتًا إلى أنّه على كفتيْ الميزان، لا يوضَع مصير اليمن فحسب، إنمّا مستقبل الشرق الأوسط كلّه، ومُضيفًا أنّ المُنتصِر في هذه الحرب سيُسيطِر ليس فقط على الموارد الطبيعيّة، المتواضعة جدًا، لليمن، إنمّا أيضًا، وبشكلٍ خاصٍّ، على مضيق باب المندب، أحد طرق المواصلات البحريّة السبعة الرئيسيّة على الكرة الأرضيّة والمفتاح لطريق المواصلات البحريّ، الذي لا يقِّل عنه حساسية وهو قناة السويس، ورغم الدلالة الضخمة لهذه الحرب، فهي لا تحظى بانتباهٍ عالميٍّ، إضافةً إلى اهتمام الأمم المتحدة ومؤسسات إنسانيّة بالمعاناة البشرية التي تسبّبت بها.
وأشار وربين إلى أنّه في حرب اليمن تُستخدَمْ تكتيكات حرب العصابات وأسلحة منحنية المسار، إضافةً إلى مسيّرات منها مسيرات انتحاريّة، وهذا يحمل في طياته عبرًا مهمة لإسرائيل، والحوثيون منذ بداية الحرب كانوا يرتقون درجة كلّ فترةٍ في استخدام هذه الأسلحة، بداية في توجيهها إلى التجمعات العسكريّة للتحالف ومن ثمّ نحو المدن الحدودية السعودية. فالعبرة الأولى للكيان تتمثّل في أنّه عندما بدأ الحوثيون بإطلاق الصواريخ تبيّن أنّها الصواريخ التي ادعى السعوديون أنّهم دمروها في أولى هجماتهم مع بداية الحرب، من هنا يؤكِّد روبين أنّ هجومًا وقائيًا على أماكن إخفاء صواريخ لا يضمن منع إطلاق صواريخ بعد ذلك، وبحسبه، العبرة الثانية في إسرائيل من الحرب اليمنيّة هي بحسبه تكهّن أنواع الأهداف التي ستُهاجَم بإسرائيل في كلّ حربٍ مُستقبليّةٍ مع إيران و/أوْ أتباعها في لبنان وغزة، بحسب تعبيره.
وتابع روبين قائلاً إنّ العدوّ سيُوجِّه نيران صواريخه وقذائفه الصاروخية ليس نحو التجمعات السكانيّة وحسب، إنمّا أيضًا نحو التجمعات ومعسكرات الجيش الإسرائيليّ، قواعد سلاح الجو ومنشآت وبنى تحتيّةٍ قوميّةٍ كشبكات الكهرباء والمياه، مُضيفًا في الوقت عينه أنّه لا يُمكِن أنْ ننفي احتمال غاراتٍ صاروخيّةٍ على رموز سلطة ومحاولات تصفية مُركَّزةٍ لضباطٍ وسياسيين رفيعي الشأن عبر قذائف صاروخيّةٍ دقيقةٍ وطائراتٍ غيرُ مأهولةٍ وجوالّةٍ، كما قال روبين، مؤسس مشروع الدفاع الجويّ في الكيان.
ولفت روبين إلى أنّه على الرغم من الحصار الذي يفرضه الـ”تحالف العربيّ” (!) على اليمن وعلى رأسهم السعودية، نجح أنصار الله في تطوير قدراتهم العسكريّة والصاروخيّة، إضافةً إلى المُسيِّرات الانتحاريّة التي استُخدِمَت بنجاح، ومن هنا، العبرة الثالثة، كما كتب روبين، أنّ كلّ حصارٍ على تهريب وسائل قتاليّةٍ وعتادٍ صناعيٍّ يوجد له المنفذ، ويُمكِن إيجاد طرقٍ لتمرير وسائل قتاليّةٍ وعتادٍ، وهذا ما يحصل بغزة أيضًا، فالحصار يُمكِن أنْ يبطئ في تطوير القدرات العسكريّة لكن لا يمنع ذلك، كما لفت روبين إلى أنّه فيما يتعلّق بالصراع المتواصِل لإسرائيل ضدّ إقامة بنى تحتية لصواريخ دقيقةٍ من قبل حزب الله في لبنان، المستقبل سيتكلّم، وفق تعبيره.
وخلُص روبين إلى القول إنّه لا شك بأنّ الجيش وكلّ الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة ستُحسِن الصنع إذا ما تابعت بحرصٍ أحداث الحرب جنوب السعودية، وبشكلٍ خاصٍّ الأسلوب الذي يتّم خلاله استخدام الصواريخ والمُسيّرات، وما نراه اليوم في اليمن سيُمارَس غدًا ضدّ إسرائيل، كما قال.


