ما الذي جعل رئيس الأركان كوخافي يدق نواقيس الخطر؟

الأحد 27 أكتوبر 2019 02:47 م / بتوقيت القدس +2GMT
ما الذي جعل رئيس الأركان كوخافي يدق نواقيس الخطر؟



القدس المحتلة/ اطلس للدراسات/ بن كاسبيت/

كتب المحلل السياسي الاسرائيلي بن كاسبيت: 

رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال أفيف كوخافي كسر، يوم الخميس (24 أكتوبر)، حاجز الصمت الطويل، وحذّر من تدهور إسرائيل المحتمل إلى الحرب، والتي قد

تكون متعددة الجبهات. "الوضع متوتر وهش" قال كوخافي في حديث للمراسلين العسكريين، "نحن نواجه عددًا كبيرًا من الأعداء"، وأضاف رئيس الأركان "الهدوء مضلل"، ومن أقواله كان من الممكن أن نفهم بأن المواجهة المحتملة قد تحدث سريعًا - وبشكل مفاجئ - وتشعل الجبهة كلها.

حتى وقت قريب، قدروا في الجيش الإسرائيلي بأن الجبهات المختلفة ليست مرتبطة أو متعلقة ببعضها البعض، وأن المواجهة مع حماس والجهاد الإسلامي في غزة ليس من شأنها أن تنعكس على الجبهة الشمالية أو العكس. أما الآن فقد تغير تقدير الوضع هذا، واضطر الجيش الإسرائيلي لأن يستعد سريعًا لاحتمالية أن يشعل يوم الحرب القادمة على الجبهة الشمالية - وبشكل فوري تقريبًا - الجبهة الجنوبية أيضًا، ويُحتمل أن يكون من شأنها خلق جبهات اخرى في الوقت الحرج، ليس فقط حزب الله، وإنما سوريا وإيران أيضًا، بل وربما الفرع الجنوبي لـ "داعش" في سيناء أو محاولة القيام بعملية بحرية من الغرب. إذا ما اضفنا لهذا التقدير الجرأة الإيرانية المتزايدة والافتراض العسكري الإسرائيلي بأن يجر الهجوم القادم على الأرض السورية ردًا عسكريًا إيرانيًا؛ سنحصل عندها على نواقيس الخطر التي دقت في "الكرياه" في تل أبيب هذا الأسبوع.

رغم هذا كله، لا ينبغي أن ننسى بأن إسرائيل تواجه عددًا كبيرًا من الأعداء منذ إقامتها، وأن الوضع الأمني في إسرائيل كان على الدوام هشًا ومتوترًا. إذًا، ما الذي جعل كوخافي يرفع منسوب الفزع ويبث التحذيرات الأمنية من النوع الذي بثه هذا الأسبوع؟

من اطلع على كوخافي في الأشهر الأخيرة يعرف بأن رئيس الأركان مستنفر ومتوتر بشكل استثنائي، والسبب الرئيسي هو فهم كوخافي أنه في هذه المرحلة بقي وحيدًا؛ ليس لديه مطالبات يقدمها للمستوى السياسي، لكن الواقع يفعل فعله، رئيس الحكومة نتنياهو يعيش المراحل المصيرية من معركة حياته، وجلّ اهتمامه مُنصبّ على الصراع اليائس الذي يخوضه ضد الساعتيْن المتكتكتيْن ضده، السياسية والجنائية. بقية المنظومة السياسية تعيش حالة مشابهة: رؤساء الأركان من "أزرق أبيض" لا يعيشون الواقع، وما يزالون منشغلين في مجهود هدم حصن نتنياهو، رئيس الأركان الـ 19 غابي اشكنازي، ورغم أنه عُيّن رئيسًا للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، غير ان صلاحياته هي مجرد صلاحيات إشراف وليس تنفيذ، الكابينت الأمني - السياسي مشلول؛ حتى عندما ينعقد في جلسة استثنائية فإنه مجلس عدد شاذ من الوزراء الشباب الصغار قليلي الخبرة الأمنية ومحدودي الفهم الاستراتيجي.

وبطبيعة الحال، يتخلل اعتراف كوخافي بأن العبء كله ملقى على عاتقه وعلى كتفيه وحده. إضافة إلى ذلك، فإنه يؤكد في جميع الفرص المتاحة أن جميع القرارات التشغيلية وأن جميع العمليات الهجومية التي نفذها الجيش الإسرائيلي اتخذت لديه بطريقة مهنية دون أي ضغوطات سياسية. في هذه الأمور، يحاول كوخافي التلميح إلى انه ليس هناك أي احتمال إلى ان تنجر إسرائيل إلى حرب لأسباب سياسية؛ المشكلة هي أن هناك ما يكفي من الأسباب الأخرى لكي يحدث ذلك.

من وراء الكواليس ومن تحت عين الرادار أو بالحرف الواحد تختبئ فكرة مذهلة. السبب الرئيسي للقلق الإسرائيلي والمسارعة المفاجئة لمخططات الجيش الإسرائيلي واستعداداته للحرب لا تتعلق بالأعداء المختلفين أو بساحات التوتر التي تقف أمامها إسرائيل؛ وإنما لأمر مختلف تمامًا: هجر الأمريكان للمنطقة.

قدرات إيران معروفة لدى إسرائيل منذ وقت طويل، وكذلك حقيقة أن أهلية حكم حماس في غزة قد قلت، وأن الجهاد الإسلامي معنيّ بإشعال الجبهة، وأن حزب الله قادر على ان ينزل إسرائيل كلها إلى الملاجئ معروفة بشكل مضجر في إسرائيل. المتغير الأساسي الذي تغير أمام ناظري إسرائيل هو هجر ترامب الذي يكاد يكون مفزعًا، وآثاره المباشرة على بقية اللاعبين في الساحة.

في المنظومة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية تخوفوا من سيناريو مفزع من هذا النوع من اللحظة الأولى التي فيها دخل ترامب إلى البيت الأبيض، حتى عندما خرج من الاتفاق النووي مع إيران لم يحتفلوا في إسرائيل. الخوف من أن يفقد الرئيس المتقلب - الذي يرى في الشرق الأوسط مجرد عقارات لا لزوم لها - اهتمامه بما يجري فيه دفعة واحدة، أقام عددًا كبيرًا من المكاتب في إسرائيل في السنوات الثلاث الأخيرة. الأمر الذي يحدث الآن هو تحقق مذهل وتام للسيناريوهات الأكثر سوادًا؛ لقد بدأ الأمر بعدم الرد الأمريكي على إسقاط الطائرة المسيرة، واستمر بعدم الرد على الهجوم الذي استهدف البنى النفطية في السعودية، وبلغ ذروته بقرار الخروج الفوري من سوريا وهجر الأكراد.

وكما ورد هنا في مقال سابق، المجهود المستميت الذي يبذله نتنياهو لتأخير الخروج الأمريكي كما برز في اللقاء مع مايك بومبيو في القدس، لم يأتِ بثمار حقيقية. الفراغ سارع إلى ملئه فلاديمير بوتين، الثمار اقتطفها رجب طيب أردوغان، وفرك الجنرال سليماني كفيه غبطة بما حدث، وحسن نصر الله كذلك.

في إسرائيل ينضج الاعتراف بأنها بقيت وحدها أمام عدد كبير من اللاعبين. الافتراض بشأن معركة ما بين الحروب تغير، فقد بات واضحًا الآن وبشكل تام تقريبًا ان إيران سترد في المرة القادمة التي تهاجم إسرائيل فيها بناها التحتية في المنطقة. الرد حسب ما يقدّرون في إسرائيل لن يكون محدودًا كما حدث في الماضي (إطلاق صواريخ غير دقيقة على هضبة الجولان)، وربما يكون أشبه بالهجوم الإيراني على السعودية.

هذا كله قد يحدث حيث لا يوجد في إسرائيل حكومة عاملة، وليس هناك كابينت جدير بحمل اسمه، وليس لدى الجيش الإسرائيلي خطة متعددة السنوات جاهزة، ولا يوجد ميزانية دولة مصادق عليها، والمنظومة مشلولة شللًا نصفيًا. أمام هذا كله، يقف رئيس الأركان وحده تقريبًا، وهذا هو السبب الذي دفعه هذا الأسبوع لاطلاع المراسلين العسكريين الذي احتل العناوين الرئيسية وأشعل الضوء الأحمر، كوخافي على العموم قال الحقيقة.