هل إسرائيل في طريقها إلى الاتفاق مع الجهاد الإسلامي أيضًا؟

الثلاثاء 22 أكتوبر 2019 01:55 م / بتوقيت القدس +2GMT
هل إسرائيل في طريقها إلى الاتفاق مع الجهاد الإسلامي أيضًا؟



أطلس للدراسات / شلومو الدار/

نهاية الأسبوع الماضي (18 أكتوبر)، عاد إلى قطاع غزة 80 معتقلًا من الجهاد الإسلامي، وقد أطلق سراحهم من السجون المصرية، بعضهم كان معتقلًا دون محاكمة، وآخرون حكم عليهم بسنوات حبس طويلة من قِبل محاكم أمن الدولة في القاهرة بسبب العضوية في "تنظيم إرهابي" والأعمال التي تستهدف أمن مصر. إطلاق سراحهم تحقق بعد لقاءٍ شارك فيه مسؤولون من الجهاد الإسلامي بقيادة الأمين العام للحركة زياد النخالة، ومسؤولون من المخابرات المصرية (14 أكتوبر).

النخالة الذي وصل إلى القاهرة قادمًا من بيروت، انضم إليه قادة الذراع العسكرية للجهاد الإسلامي (سرايا القدس) قادمين من قطاع غزة، ومن بينهم قائد اللواء الشمالي في غزة بهاء أبو العطا "الذي يثير المشاكل باستمرار". ليست هذه هي المرة الأولى التي يصل فيها وفد من الجهاد الإسلامي إلى جولة مفاوضات مع رؤساء المخابرات المصرية، لكنهم في الماضي كانوا دومًا ينضمون إلى ممثلي حماس الذين دعتهم القاهرة من أجل مناقشة اتفاقيات وقف إطلاق النار مع إسرائيل. الآن، هذه هي المرة الأولى التي دُعِي فيها قادة الجهاد للحضور إلى القاهرة وحدهم، من دون حماس، من أجل حل مشاكل مباشرة بين مصر والتنظيم الذي يخضع مباشرة للرعاية الإيرانية.

من المفترض أن النخالة أبلغ ولاة أمره في إيران بهذا اللقاء، ومن المفترض أيضًا أن أي وعد أو اتفاق تحقق في القاهرة أبلغ على الفور للإيرانيين. مع ذلك، فالواقع الذي تئِن غزة تحت وطأته بين مصر وإسرائيل يوجب أيضًا على التنظيم الإسلامي الراديكالي الأصولي الذي يرفع لواء الجهاد لإقامة دولة الشريعة الإسلامية على جميع أرض فلسطين من النهر إلى البحر أن يتنازل، وأن يوائم حلمه المثالي مع احتياجات الساعة، واحتياجات الساعة تعني الاستماع لغير إيران التي تمول التنظيم وتعزز قوته منذ أكثر من أربعة عقود، الاستماع إلى أوامر مصر أيضًا.

وفق تقرير على موقع "العربي الجديد"، فقد تناولت محادثات القاهرة علاقات التنظيم مع إيران وخطة الاتفاق مع إسرائيل. كما ورد أن اللقاء تأخر لأكثر من شهر لأن المصريين طلبوا بأن يتم هذا اللقاء فقط بعد ان يسود الهدوء التام في قطاع غزة، وبعد أن يثبت التنظيم أنه لا يضع العراقيل أمام تطبيق التفاهمات بين حماس وإسرائيل، والتي حققتها مصر بعد جهد كبير.

من مطالب مصر المسبقة لإتمام هذا اللقاء يُمكن أن نفهم بأنها تنجح في فرض إرادتها على قادة الجهاد الإسلامي في غزة وخارجها، رغم كونها دولة خصمة تقف على جبهة الدول السنية ضد راعية التنظيم "إيران"، ولكن قادة الجهاد الإسلامي يفهمون بأن عليهم القبول بإرادة القاهرة بصفتها من يفرض جدول الأعمال في غزة وتؤثر على سلوك كل من حماس وإسرائيل، وكذلك المصريون يفهمون بأن الجهاد الإسلامي قوة كبيرة لا ينبغي التنصل منها، وبأنه لابدّ من التوصل إلى اتفاقيات معه بالطرق الدبلوماسية.

وعلى سبيل المقارنة: حماس المسيطرة على غزة لديها ما يقارب 30 ألف مقاتل وحوالي 5000-6000 صاروخ، أغلبها انتاج محلي، والصواريخ بعيدة المدى (بضع عشرات) تم تهريبها إلى غزة بطرق مختلفة بتمويل إيران ومساعدتها. في المقابل، الجهاد الإسلامي المدعوم من قبل إيران بشكل تام لديه حوالي 6000 مقاتل فقط، لكن ترسانتهم تحتوي على 8000 صاروخ؛ أكثر من حماس. قبل حوالي عام (نوفمبر 2018) أطلق الجهاد الإسلامي صاروخًا جديدًا باتجاه عسقلان، وحسب ادعاء المتحدثين باسم التنظيم فالحديث يدور عن صاروخ يحمل رأسًا متفجرًا أكبر، ولم يخفوا أن نجاحهم هو نتيجة الدعم المباشر من إيران التي ترى في الجهاد الإسلامي لحمًا من "الثورة الإسلامية".

المصريون أخذوا كل هذه المعطيات بالحسبان، وفهموا بأنهم إذا أرادوا إيجاد اتفاق تفاهم بين غزة وإسرائيل يؤدي إلى إحلال الهدوء المستمر، فيجب أن يقدموا للجهاد الإسلامي مكانًا مشرفًا في هذا الاتفاق. إطلاق سراح الأسرى كان بمثابة لفتة استثنائية إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن بعضًا من الأسرى حُكم عليهم بالحبس من قبل محكمة أمن الدولة ويعتبرون أعداءً للشعب المصري وأنهم أقاموا علاقات مع "إرهابيين" في التنظيمات الإسلامية المتطرفة العاملة في سيناء؛ هذه اللفتة مثلت في الحقيقة إظهارًا لنية مصر ربط النخالة بها، وأرته ورجاله أن هناك جزرة أيضًا وليس عصا فقط.

في الاتصالات الأمنية التي تجريها مصر مع إسرائيل، واضحٌ لكلا الطرفين أنه إذا لم يكن الجهاد الإسلامي جزء من الاتفاق فلن يكون هناك اتفاق، وسيما في ظل حقيقة أن حماس - ومن خلال الرغبة في الامتناع عن حدوث احتكاكات ومواجهات مع طهران - قد تمنح الجهاد الإسلامي حرية التحرك، حتى ولو كانت مزورة، وأنها لن تخوض ضده إطلاقًا حربا شاملة كما تخوضها مع التنظيمات السلفية في غزة.

على خلفية هذا الوضع، من المفترض أن إسرائيل قد أوضحت للمصريين على مدار جميع الاتصالات أنه من دون إدخال الجهاد الإسلامي في الصفقة، ومن دون أن يقبل التنظيم بجميع التفاهمات ويلتزم بها؛ فلن تستطيع إسرائيل أن تلتزم بالقيام بما عليها في دفع التسهيلات وتطوير المشاريع الاقتصادية خشية أن يأتي أعضاء الجهاد الإسلامي في النهاية ويخربوا كل شيء.

التنسيق الأمني بين إسرائيل والمصريين هو حقيقة واقعة (بل ان الرئيس السيسي اعترف بوجوده علانية قبل حوالي عام خلال زيارته لواشنطن). وعليه، فلا مبالغة في التقدير بأن إسرائيل كانت في صلب الاتصالات بين الجهاد الإسلامي ومصر، إلى أي حد تبدو مصر مستعدة لأن تعطي من أجل اتفاق أمن يمكنك ان تلحظه في سلسلة اللفتات التي قدمتها لأعضاء الجهاد الإسلامي بشكل فوري؟

عند انتهاء اليوم الأول من المحادثات في القاهرة بين الوفد الرفيع من الجهاد الإسلامي وبين قادة المخابرات المصرية، قرر المصريون إطلاق سراح فوري لـ 55 اسير من الجهاد، عاد أغلبهم إلى غزة في نفس ذلك اليوم، وخرج البعض الآخر إلى بيروت، 25 أسير آخر أطلق سراحهم بعد يومين من ذلك، وعادوا مع كبار الوفد إلى قطاع غزة.

اللفتة المصرية، إطلاق سراح أسرى عملوا ضد أمنها القومي، ليس مجرد مصادفة؛ إنما تشهد على الدور الذي تقوم به مصر في إنجاز الاتفاق في غزة، وعلى الأهمية الكبرى التي توليها لهذا الأمر.

حماس هي التنظيم المسيطر في غزة رغم أنف مصر، وهي ترى فيها "تنظيمًا إرهابيًا" مرتبطًا بالحركة الأم "الاخوان المسلمين"، وهناك أيضًا الجهاد الإسلامي المدعوم وبشكل مباشر من قبل العدو اللدود لمصر، وهي طهران. مصر تعترف بهذا الواقع وبقوة التنظيمين؛ ولذلك ومن أجل مصالحها الأمنية تسعى إلى "تثقيفهما"، بحيث يتوصلا إلى اتفاق مع إسرائيل. من ناحية المصريين، الاتفاق بين إسرائيل وكل من حماس والجهاد الإسلامي سيمنع اندلاع الحريق في غزة، والذي من شأنه أن يتسرب إلى سيناء، وأن يشعل حريقًا هناك؛ أمر معقد، أليس كذلك؟ نعم، إنه كذلك فعلًا.

مصر أثبتت هذا الأسبوع على طريقتها أنها تعرف كيف تقدم اللفتات بهدف إخضاع التنظيمات "المارقة" لأهدافها واحتياجاتها، لقد فعلت ذلك في الماضي مع حماس، وفعلت ذلك هذا الأسبوع على ما يبدو مع الجهاد الإسلامي. إذا استدعت الضرورة، فمصر ستعرف كيف تبدأ موجة اعتقالات جماعية بحق أعضاء التنظيم، في أي مكان تصل يدها إليه.