المحرومون من الزواج.. أمنيات أفسدتها الأعراف وجشع الآباء

الأحد 20 أكتوبر 2019 12:36 م / بتوقيت القدس +2GMT
المحرومون من الزواج.. أمنيات أفسدتها الأعراف وجشع الآباء



وكالات / سما /

تتحدث بعض القصص المجتمعية الواقعية عن حرمان الآباء بناتهن من الزواج، بتعنتهم في طلب مهور مرتفعة، تعطيلا لزواجهن، وطمعا في رواتبهن من أن تذهب من بين أيديهم إلى من سيصبحون أزواجهن في المستقبل.

يُضاف إلى ذلك ما تنتجه الأعراف الاجتماعية السائدة من معوقات كبيرة، بتعقيد متطلبات الزواج، ورفع تكاليفه بما يرهق كواهل غالب الشباب، ويقعدهم عن تأمينها، الأمر الذي يساهم بشكل ملحوظ في زيادة حالات المحرومين من الزواج (ذكورا وإناثا).

وفي هذا السياق يسرد الداعية الأردني، أحمد أبو زيد قصصا واقعية عايشها واطلع عليها عن قرب، فيقول "اتصل بي ذات يوم شخص، وقال لي: عمري 45 عاما، وتقدمت لخطبة فتاة عمرها 38 عاما، ولها شقيقتان عمر إحداهن 41 عاما، والأخرى 43 عاما، وكلهن غير متزوجات، فطلب مني (5 آلاف دينار) مهر مقدم، وأنا لا أملكها".

وتابع سرد القصة "بعدها أخبرت الفتاة أنني لا أمتلك هذا المبلغ، فقالت لي بعد أن أقسمت بالله "حاول بكل ما استطعت إحضار المبلغ، وسأعيده لك كاملا فور خروجي من بيت أبي لبيتي وبيتك، فوالدي يتعمد رفع مهورنا لمنعنا من الزواج".

وذكر أبو زيد قصة أخرى عن شاب تقدم لخطبة فتاة عمرها 41 عاما، فوافقت لكن والدها عطل الزواج طمعا في مالها، فأشار عليه أن يستعين بأقاربها وأعمامها تسهيلا للأمر، لكنهم اعتذروا له بعد تواصله معهم، لأنهم فعلوا ذلك من قبل ولم يستجب لهم، فنصحه برفع أمره إلى القاضي، الذي له حق في تزويج المرأة إذا تأكد له أن والدها قد عضلها (منعها من الزواج)، فأجابه بجواب صادم "والدها للأسف قاضي".

وواصل أبو زيد حديثه مشيرا إلى قصة ثالثة، ذكرها أحد المشايخ في إحدى الفضائيات، عن فتاة عمرها 49، منعها والدها من الزواج، فأمرضها الهمّ وطرحها في الفراش، فقالت لوالدها في آخر لحظات عمرها قبل أن تغادر الدنيا والحسرة تملأ قلبها، قالت له: قل آمين، فقال: آمين، فقالت له: أسأل الله أن يحرمك من الجنة كما حرمتني من الزواج.. ثم رحلت إلى بارئها".

وقال أبو زيد في حديث لـ"عربي21": "ثمة قصص أخرى وقفت عليها، وعلمت بها" مرجعا أسباب انتشار هذه الحالات "إلى ضعف الوازع الديني من جهة، وتفشي الجشع المادي عند بعض الآباء من جهة أخرى".

وبحسب أبو زيد فإن "من الضروري جدا القيام بحملات توعوية إرشادية وعظية لتنبيه الآباء وتحذيرهم من تلك السلوكيات، وضرورة تعاون الجمعيات والمؤسسات في الجانب الإرشادي، وكذلك في الجانب المادي لتحمل بعض نفقات الزواج وتكاليفه".

من جهتها لفتت الباحثة السورية، هديل الزير إلى "وجود تلك القصص، وهي من صلب واقعنا، لكنها لا تعدو أن تكون مجرد حالات لا ترقى إلى مستوى الظاهرة المجتمعية، وهو أمر يترافق مع الجهل وضيق ذات اليد".

وأضافت في حديثها لـ"عربي21": "لكن على الطرف المقابل فإن أكثر المجتمعات العربية ترغب في تزويج الأنثى، بل يتسرع الكثيرون في الأمر من مبدأ الستر، وانزياح الهم، ومعظم الأسر اليوم باتت حريصة على تعليم بناتها وتوظيفها لسببين، أولهما: الخوف من تقلبات الدهر بسبب زوج فاسد، أو في حال وفاة الزوج، والثاني: أن المرأة العاملة باتت مرغوبة أكثر بكثير من ذي قبل، لأن أغلب النساء العاملات يشاركن في الإنفاق مع الرجل، ولا تجد فرقا بين مالها وماله".

وتابعت "وإذا كانت هناك حالات عضل (منع تزويج البنات) من قبل الآباء، فإن المنتشر أكثر هو رغبة الشاب وأسرته بامرأة عاملة، وهذه الحالة باتت متكررة لدرجة أنها أصبحت ظاهرة في بعض المجتمعات العربية بسبب تحديات الحياة، وكثرة متطلباتها".

وأردفت "في العرف الإسلامي يجب على الرجل الإنفاق على المرأة، وليس من واجبها ذلك، وهذه المسألة هي الشطر المهم في مسألة القوامة (وبما أنفقوا من أموالهم)، لكن على المرأة أن لا تجعل من نفسها أرجوحة بين هذا وذاك، ولا أن تكون مطية للحصول على المال".

ونبهت إلى أن "المرأة لو شعرت أن أباها يعضلها بسبب ما تدره الوظيفة فلماذا لا تتخلى عنها مثلا، أو تبحث لنفسها عن مخرج آخر ، ولو شعرت أن الطالب لها يرغب فيها لمجرد المال، فعليها أن لا ترخص نفسها له حتى تظفر هي أيضا بصاحب الخلق والدين".

وشددت الزير على أن "الأعراف المجتمعية والتقاليد هي التي صعبت أمر الزواج على الرجل والمرأة، فالصبغة المادية التي اصطبغت الحياة بها جعلت من المال المعيار الأول في الإختيار، ومن عافاه الله من هذه العقدة قيدته الأعراف الأخرى من تكاليف باهظة لا يقدر عليها إلا أصحاب المال الوفير".

وواصلت حديثها بالقول "فمفهوم الفرح في العرف العربي مرتبط بالمال بين عرس ووليمة, وما قبلها وما بعدها من عادات الفرح التي تثقل كاهل جميع الأطراف، وقد اطلعت بنفسي على تكاليف باهظة يتحملها أصحاب بيئات فقيرة، أرهقت العادات كواهلهم بتلك التكاليف".

بدورها قالت الكاتبة اللبنانية روعة النابلسي "لا علم لي بوجود مثل تلك الحالات حيث أقيم في بيروت، وإن تناهى إلى سمعي وجود بعضها، لكنها لا ترقى إلى مستوى الظاهرة" مضيفة  "أما بالنسبة لارتفاع المهور وتغليب العادات والأعراف على التوجيهات الدينية، مما يتسبّب في كساد سوق الزواج وتراجع الشباب عن الزواج فحدث ولا حرج".

وحول الأسباب التي تؤدي إلى تزايد أعداد المحرومين من الزواج في مجتمعاتنا، ذكرت النابلسي أن "أول سبب يمنع الشاب من الزواج هي الأعراف والعادات والتقاليد المخالفة للشرع وتوصياته، التي ترهقهم بمتطالبات لا يستطعيون تأمينها لإتمام زواجهم".

وأضافت "لا يخفى أن الأوضاع الاقتصادية متردية، ما أفضى إلى اختفاء الطبقة المتوسطة، وجعل غالب الشباب يرزحون تحت وطأة الفقر، وبدلا من مراعاة أوضاعهم من قبل آباء الفتيات وأمهاتهم، نراهم يزيدون الطين بلة، في محاكاة الآخرين ممن حولهم، بالخضوع للبهرجة المسرفة، في انصياع لتقاليد بالية، عفى عليها الزمن".

ودعت النابلسي في ختام حديثها أولياء الأمور إلى "تسهيل كل العقبات لتزويج الشباب، وكذلك على الوزارات المختصة، والمؤسسات الدينية الرسمية التعاون لإطلاق مشاريع تزويجهم، بالمساهمة في تحمل نفقات المهور والزواج، وتقسيط مساكن لهم، لأن انتشار حالات المحرومين من الزواج تؤدي إلى مفاسد كبيرة، وكوارث تزعزع استقرار المجتمعات".