لماذا لم تنجح حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية!عقل أبو قرع

السبت 21 سبتمبر 2019 01:14 م / بتوقيت القدس +2GMT



مع مواصلة اقتطاع الجانب الإسرائيلي جزءا من أموال المقاصة الفلسطينية، ومع القرار الفلسطيني برفض استلام كافة مخصصات المقاصة خلال الأشهر الماضية، التي هي أموال الضرائب والجمارك على السلع الفلسطينية المستوردة من خلال إسرائيل، تطالب الأصوات بين الفينة والأخرى من أجل القيام بإجراءات للرد على القرار الإسرائيلي، ومن ضمن ذلك الدعوة إلى مقاطعة منتجات إسرائيلية يوجد لها بديل فلسطيني، أي منتجا وطنيا يتمتع بالكفاءة والجودة والسعر الملائم، بحيث يقوم المستهلك الفلسطيني بالإقبال عليه وبالتالي يقاطع المنتج الإسرائيلي المشابه له. 
وفي الماضي، كانت هناك حملات أو دعوات لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية وفي سياقات مختلفة ولأسباب عديدة، وبصرف النظر عن حجم تلك الحملات من الواضح ان تلك الحملات لم تحقق ما كان مأمولا منها او ما كان يطمح إليه منها، ورغم الاقتناع بأن عملية مقاطعة المنتجات الإسرائيلية لها فوائد، سواء أكان ذلك على الصعيد الاقتصادي او في الجانب الأخلاقي أو السياسي او حتى النفسي، إلا ان الأمل الذي كان مرجوا، بأن تخلو رفوف المحلات التجارية في المدن والقرى الفلسطينية، او البسطات او أماكن الباعة من بضائع إسرائيلية، والتي يوجد لها بديل محلي او وطني، هذا الأمل لم يتحقق، واصبح من الواضح ان هناك حاجة الى مراجعة للاستراتيجية التي قامت عليها حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وبالتالي الحاجة الى تبني استراتيجية جديدة. 
ومن الواضح كذلك، ان الأمل بأن تمتد هذه الحملات لتشمل مجالات أخرى بالإضافة الى المواد الغذائية لم يأخذ الحجم المطلوب، ويبدو ان حملات المقاطعة هذه، وان لم تتم وبشكل سريع دراسة الأسباب والعوامل التي تعيقها او تلك التي تحد من نجاحها، سوف تتحول مع الزمن الى مجرد حملات تبدأ كرد فعل عاطفي سريع على تصرف او حدث، ولكن وبعد فترة، ينتهى اجلها، كما حدث مع حملات او دعوات سابقة، لها علاقة بالمستهلك وبالمنتج الوطني او المحلي وبالمواد الفاسدة وببضائع المستوطنات وما الى ذلك، وبالطبع فإن الاستراتيجية المتكاملة لحملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، التي تهدف الى تحقيق نجاح ما، من المفترض ان تأخذ بعين الاعتبار ما يلي:
أولا، هناك حاجة الى وجود مرجعية او إطار وطني شامل يقف وراء حملات المقاطعة، ينسق الخطوات، ويدرس الظروف والبدائل، ويحدد المعيقات والمشاكل، ويعمل على وضع الأسس الموضوعية لضمان استمرارها، او امتدادها وبحذر الى قطاعات أخرى، وهذا الإطار من المفترض ان يعمل على أرضية الفوائد او الإيجابيات التي يمكن ان تؤدي إليها مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، سواء على صعيد الفرد، أي المستهلك الفلسطيني، او التاجر او القطاع الخاص او القطاع العام، او حتى على صعيد الاقتصاد بشكل عام، من إنتاج وتشغيل وبطالة وتصدير وما الى ذلك.
وثانيا، المستهلك او المواطن الفلسطيني، والذي هو اللبنة الأساسية لنجاح هذه الحملات، كما كان وسوف يكون حجر الأساس لنجاح حملات أخرى، في الماضي او في المستقبل، هذا المواطن، من المفترض ان يتم التواصل معه بشكل فعال، سواء من اجل توعيته او إقناعه بأهمية وبفوائد هذه الحملات، وبأن يتم التبيان أهمية المقاطعة له من النواحي المختلفة، أو حتى إرشاده للبدائل المتوفرة، تلك البدائل التي هو في حاجة إليها، أي البدائل التي يتم تصنيعها محليا، سواء أكانت هذه البدائل منتجات غذائية او دوائية او مستحضرات تجميل او مواد بناء وإنشاءات او خضارا او فواكه وما الى ذلك.
وثالثا، هناك التجار او المستوردون من الجانب الإسرائيلي، الذين من المفترض ان يتم التواصل معهم او الوصول اليهم، سواء من خلال مبادري او منسقي او ناشطي الحملات او من خلال ممثليهم، وبالتالي وأسوة بالمستهلك، بأن يتم إرشادهم او توضيح أهمية حملات المقاطعة، وكذلك إعلامهم بوجود البدائل التي تتمتع بالجودة والسلامة والسعر المناسب، والذي يمكنهم من إحضارها وعرضها في محلاتهم ومن ثم بيعها الى المستهلك او الزبون، الذي اعتاد أن يتعامل معهم، وإذا حدث وان قمت بزيارة الى محلات تجارية في إحدى المدن او القرى الفلسطينية، فتجد بضائع إسرائيلية من أنواع مختلفة، وإذا سألت التجار او الموردين عن ذلك، فسوف تكون الإجابة بعدم وجود بدائل، او بضعف الجودة، او باستمرارية طلب المستهلك للبضائع الإسرائيلية، او حتى بعدم اقتناع التاجر بجدوى او فعالية او أهمية حملات المقاطعة.
ورابعا، هناك المنتج الوطني، او المنتج البديل للمنتج الإسرائيلي، والذي ولكي ينجح  كبديل، ومن ثم يبقى او يستديم كبديل للمنتج الإسرائيلي، من المفترض ان يكون ذلك على أسس صحيحة، واهمها التركيز على الجودة او النوعية، أي كفاءة وفائدة المنتج أسوة بالمنتجات الإسرائيلية، وبالإضافة الى الجودة او النوعية، والتركيز كذلك على سلامة او أمان او عدم خطورة المنتج الوطني، ولتحقيق ذلك كان من المفترض العمل المتواصل من قبل الجهات المعنية، لترسيخ هاتين الصفتين للمنتج الوطني، أي الجودة والسلامة، في أذهان المستهلك الفلسطيني، والتاجر الفلسطيني والمنتج وصاحب القرار.
وخامسا، هناك المؤسسات او الجهات او الدوائر الرسمية، أي دوائر القطاع العام، او دوائر السلطة، والتي هي من ضمن القطاعات الحيوية لنجاح حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، تلك الجهات التي من المفترض ان تساند او ان تدعم وتواكب قرار المقاطعة، ومن ثم توفر له الغطاء السياسي والقانوني والعملياتي، وتلك الجهات هي التي تراقب وتفتش وتوفر الآلية اللازمة للمتابعة، وهي الجهات التي تمنح التراخيص وتراقب وتضبط المعابر وتتأكد من الالتزام بالمواصفات والشروط.
وسادسا، هناك مؤسسات او اتحادات او اطر او تجمعات القطاع الخاص بتنوعاته، وبكافة امتداداته، القطاع الخاص الفلسطيني الذي يستورد ويوزع ويبيع المنتجات الإسرائيلية، سواء أكانت منتجات غذائية او أدوية او مواد بناء وإنشاءات او حتى فيما يتعلق بالخدمات والتكنولوجيا وما الى ذلك، وهو كذلك القطاع، الذي يتم التعويل عليه بأن ينتج او يستطيع ان يوفر البدائل الوطنية وبالجودة وبالأمان اللازمين وبالسرعة والفعالية المطلوبتين، في حال اختفاء المنتجات الإسرائيلية من الأسواق الفلسطينية.
وسابعا، هناك الحاجة الى حماية المستهلك من خلال تحسين جودة المنتجات البديلة في الإطار القانوني او التشريعي، والذي يتطلب وجود مواصفات فلسطينية، يتم تطبيقها والالتزام بها، مواصفات تلبي متطلبات وحاجات المستهلك الفلسطيني، وكذلك تحدد مقومات الجودة للمنتج، وتضمن بأن يتمتع بالسلامة والأمان، سواء أكانت مواصفات تحدد وبوضوح نوعية وتراكيز مكونات المنتج، او تحدد آلية إنتاج المنتج، او تصف طريقة إيصاله بالجودة والسلامة الى المستهلك او الى التاجر، وتلك التي تصف آلية الفحوص وتوثيقها وآلية المتابعة والتفتيش وآلية او إجراءات الردع وتطبيق القوانين في حال عدم الالتزام، وما الى ذلك من تفاصيل.
وثامنا: هناك الأسعار، او التلاعب بالأسعار، وبدون رقابة او أخذ الاعتبار لوجود رقابة، سواء من حيث رفعها، او ربما تخفيضها وإغراق السوق بمنتجات إسرائيلية بأسعار رخيصة لإبعاد المستهلك عن المنتجات الوطنية، كما يبدو انه حدث في حالات معينة في الماضي، من خلال إغراق السوق الفلسطينية بالخضار والفواكه الإسرائيلية، والادعاء انه لا يوجد بديل او كمية كافية من الإنتاج الوطني المشابه، وبالتالي من المفترض ان تعمل الجهات الرسمية والشعبية وبحزم في هذا الصدد لكي لا تحدث عملية إغراق الأسواق بمنتجات إسرائيلية مختلفة، ومن المفترض ان يتم التعامل بشدة مع من يتحايل على حملات المقاطعة من خلال هذه الوسائل.
وأخيرا، هناك وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة، والتي هي ضرورية لبدء ومن ثم استمرار ونجاح حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، كما كان دورها مهما خلال حملات مختلفة في الماضي، وكذلك من اجل ترسيخ ثقافة حماية المستهلك وفي بناء خطوط التواصل معه، سواء من خلال عملية صياغة او تحرير الأنباء التي تصله حول سير عملية المقاطعة، او حول اكتشاف وإتلاف المواد الفاسدة من أغذية وأدوية، او التلاعب بالأسعار، او وجود البدائل، او تلك المعلومات التي يحصل عليها بشكل مباشر، وهذا يشمل الصحف المحلية والإذاعات والتلفزيون، والاهم العديد من المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي.
وبالتالي، ومن اجل تبني استراتيجية متكاملة فعالة، من المفترض ان تعمل كافة الأطراف ذات العلاقة، سواء أكانت جهات رسمية او مؤسسات شعبية، على تشكيل إطار يحوي خبراء ومختصين وناشطين، يعمل على وضع أسس موضوعية، تكفل الاستمرار والاستدامة والتوسع في حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وبأن تشمل هذه الأسس توفير البدائل، والتركيز على جودة المنتجات المحلية، ومراقبة الأسعار، وإعطاء الأفضلية للمنتج الوطني، وإجراء الفحوص المخبرية، والتركيز على مواصفات وطنية تحمي المنتج المحلي، وكذلك تفعيل التواصل مع المستهلك ومع التاجر ومع المورد او المستورد، فيما يتعلق بنوعية وأهمية حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية.