نتنياهو الرهيب...مهند عبد الحميد

الثلاثاء 17 سبتمبر 2019 12:28 م / بتوقيت القدس +2GMT
نتنياهو الرهيب...مهند عبد الحميد



نتنياهو يعد بضم منطقة الغور وشمال البحر الميت التي تبلغ مساحتها 30% من أراضي الضفة الغربية بعد الانتخابات. نتنياهو: عين فريقاً لوضع خطة إعلان السيادة على جميع المستوطنات المقامة على أراضي الضفة. نتنياهو يشرعن بؤرة استيطانية جديدة شمال أريحا. نتنياهو يعقد اجتماع حكومته في أراض فلسطينية محتلة. نتنياهو يستعد لشن حرب على غزة. نتنياهو يتراجع في اللحظة الأخيرة عن شن حرب. نتنياهو : لا يوجد خيار سوى ضرب حماس ونستعد لمفاجأتهم. نتنياهو: بعد الانتخابات سأطبق السيادة على الخليل ومستوطنة كريات اربع. نتنياهو يخوف الإسرائيليين من إقبال العرب على الانتخابات ومن تحالف "أزرق ابيض" وأحزاب الوسط الإسرائيلية معهم. هذه عينة من دعاية نتنياهو الانتخابية المعلنة التي يلاحظ تركزها على بند واحد هو التغول الكولونيالي العنصري المنفلت من كل اعتبار قانوني وسياسي وأخلاقي، والذي يتلخص باستباحة الارض والحقوق الوطنية والمدنية والانسانية الفلسطينية، دون حسيب أو رقيب.
نتياهو يمكث في الحكم أطول مدة قياسا برؤساء حكومات إسرائيل السابقين، وقياسا بالديمقراطيات الغربية والشرقية التي لا تجيز البقاء في الحكم أكثر من دورتين انتخابيتين، وبقطع النظر فيما إذا كان رئيسا للحكومة أو رئيسا للدولة. السؤال الذي يطرح نفسه هل هذا هو الحكم الديمقراطي؟ وماذا يعني بقاء نتنياهو في الحكم طوال هذا الوقت؟ والمرشح للاستمرار، ما لم يحدث مفاجآت في انتخابات الكنيست 22 الحالية.
يجوز إطلاق لقب فرعون على نتنياهو، وصفات الفرعون بحسب اللغة والتجربة هو حاكم "طاغٍ ومتجبر وعاتٍ" تلك المواصفات التي تنطبق على نتنياهو في ممارساته ضد الشعب الفلسطيني، متجبر في نهب الموارد "الأرض والمياه" وطاغٍ في القمع والحصار والتجويع وقرصنة أموال الضرائب، فضلا عن الحرب ضد شعب أعزل.  
يجوز إطلاق لقب "السلطان" على نتنياهو، والسلطان يرمز للسيطرة المطلقة والحكم لفترة طويلة، نتنياهو بدوره يسعى لاستصدار قانون حصانة يحول دون التحقيق معه ومحاسبته حول قضايا الفساد المتهم بها. ويلاحظ ان نجل نتنياهو يائير دخل الحملة الانتخابية من موقع الهجوم حين حمّل اسحق رابين المسؤولية عن "مقتل 2000 إسرائيلي" بعمليات نفّذها الفلسطينيون منذ اتفاقيات أوسلو، متهما إياه ايضا بـ "باغتيال ناجين يهود من المحرقة النازية، على متن سفينة ألطلينا".
ويجوز إطلاق لقب القيصر على نتنياهو وهو مصطلح يطلق على الحاكم المتباهي والمتعالي الذي يستهويه الحرب والتوسع وضم الأراضي كما يستهويه امتلاك الصلاحيات كحاكم مستبد، هذا ما فعله القيصر المسمى "إيفان الرهيب" حين استولى وضم أراضيَ الى روسيا بالحرب، وهذا ما يفعله نتنياهو الرهيب ضم القدس والجولان والاستعداد لضم الأغوار ومناطق واسعة من أراضي الضفة الغربية، واعتماد القوة والتفوق العسكري. يقول نتنياهو وهو يشرح الركائز التي يستند لها حكمه، إن القوة العسكرية هي الركيزة الأساسية للحكم. الضعيف لا يبقى، القوي يبقى، بمعنى " البقاء للأقوى"، ويضيف نتنياهو أن القوة العسكرية تحتاج الى قوة اقتصادية وان القوتين تفضيان الى قوة سياسية، وهو ما حدث ويحدث في علاقات إسرائيل مع دول العالم التي تقيم علاقات مع 160 دولة بينها أكثرية الدول العربية.
نتنياهو بمواصفاته المذكورة يستهوي أكثرية الإسرائيليين لطالما ان شعبا آخر يدفع الثمن، ويستمر وضع معايير مزدوجة للديمقراطية ولحقوق الإنسان وللقانون الدولي، ويستمر ممارسة الازدواجية بشكل تعسفي وقهري. المشكلة ان نتنياهو بحضوره وبغيابه صنع النموذج الذي يحتذى داخل الحركة السياسية. النتنياهية المتطابقة مع الترامبية باتت ظاهرة سياسية داخل إسرائيل، وفي أوساط نخب سياسية كونية ومن ضمنها نخب عربية. البقاء للأقوى عسكريا، والبقاء للأقوى اقتصادياً، والأقوياء عسكريا او اقتصاديا يستطيعون فرض واعتماد سياسات. نجحت النتنياهية في استبدال القانون ومنظومة القيم  والحقوق المعرفة في ميثاق الأمم المتحدة، استبدالها بالمصالح الأنانية الضيقة للدول والحكام، وما كان ذلك ليحدث بمعزل عن صعود الترامبية على صعيد كوني.
هذا التحول الذي لم يأت صدفة، يهدد قضية التحرر الفلسطيني، فالشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وفي الشتات في موقع الضعفاء الذين لا يستطيعون تلبية او توفير مصالح لآخرين، ولا خوف منهم لانهم يفتقدون للقوة. ولا يكفي امتلاكهم لقضية عادلة وحقوق مشروعة، وتبنيهم للشرعية وللقانون الدولي، لايجاد حل عادل، او نصف عادل، او حتى مساعدتهم خارج إطار الحل المفروض من طرف واحد "صفقة ترامب – نتنياهو ". هل كان الوصول الى هذه اللحظة الحرجة حتميا؟ لا أظن ذلك، في حالة قراءة التحولات الإسرائيلية والإقليمية والدولية منذ عقود. المهم هو الخروج والتمرد على هذا الواقع المأساوي.
لا شك أن البحث عن مخرج، يحيل الى ضعف الجبهة الثقافية على صعيد محلي وعربي وكوني بما في ذلك غياب دور للثقافة الإسرائيلية الملتزمة بمواصفات قيم التحرر والمبادئ والأخلاق ومصالح الشعوب. يغيب المثقفون الإسرائيليون في المعركة الانتخابية التي تقدم الاحتلال في اقبح صوره وأشكاله. لماذا لا تدافع جبهة الثقافة العربية المترامية الأطراف عن الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للاستباحة، كما لم تدافع عن الشعب اليمني الذي يتعرض الى استباحة داخلية وخارجية، وكذلك لم تدافع عن محنة الشعب السوري الذي يعيش مأساة. الضعف الذي أصاب جبهة الثقافة لا يعني عدم وجود مقاومة، المشكلة في ضعف المقاومة والحشد والضغط والمبادرة؟ لماذا تغيب الثقافة؟ والغياب منسوب هنا الى حاجة الشعوب وبالأخص حاجة الشعب الفلسطيني لتدخلها.
حقاً نفتقد لادوارد سعيد ولمحمود درويش وسميح القاسم ولغسان كنفاني وتوفيق زياد وناجي العلي ولسعد الله ونوس ومهدي عامل وخليل كلفت ونوال السعداوي وغيرهم من الذين اشعلوا جبهة الثقافة سابقا. كانت محاولة الروائي الياس خوري تفعيل جبهة الثقافة عبر مجلة الدراسات الفلسطينية خطوة على الطريق، لكن تلك الخطوة لم يتبعها خطوات ومبادرات في مواقع أخرى. عاد السكون المخيف، الذي يوحي بأن المثقف ينفصل عن القضايا الكبرى، وتنفصل أعماله عن معركة التغيير، وتتبدل أولوياته لتتغلب مصالحه الخاصة والفردية على المصالح العامة الكبرى. العزاء ان لغة المصالح في السياسة، لا تنطبق على الثقافة حاملة قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان وجمالياته، إلا ما قل من أتباع السياسة من مثقفي السلطات.

Mohanned_t@yahoo.com