الطريق المسدود والحاجة إلى مبادرة شعبية..صادق الشافعي

السبت 17 أغسطس 2019 08:43 م / بتوقيت القدس +2GMT



في كل أمر يتعلق بالنضال الوطني الفلسطيني وفي مواجهة الهجمات شديدة الخطورة من كل صوب والمتصاعدة بشكل ملحوظ، يفرض الانقسام الفلسطيني نفسه كعامل يدعو للإحباط، ويجعل ضرورة الخروج منه أكثر إلحاحاً.
ما يدفع الى الإحباط ان الانقسام وصل الى حالة من الدوام والاستقرار والكيانية وكأنه حقيقة باقية الى ما شاء الله. وان تحت مظلته يجري التموضع والممارسة والاستثمار وتعقد التحالفات، كما يجري التفاوض والتهادن والدخول في اتفاقات للتهدئة، و...و..
محاولات الخروج من الانقسام على كثرتها وتعددها، ومن اي جهة أتت وصلت الى حالة سكون تام، ان لم نقل موات. 
بل ان هناك درجة متصاعدة من القبول والتعايش والتعامل مع الانقسام ومع استمراره كأمر واقع.
 في مقابلة له مع فضائية الميادين، أضاف الأخ زياد النخالة (أمين عام حركة الجهاد الإسلامي) زيتاً الى نار الإحباط حين قال ان محاولات ومساعي إنهاء الانقسام وصلت الى طريق مسدود، وان مصر لن تعود الى رعاية المصالحة الفلسطينية.
لا يقلل من إحباط ما قاله من ان مصر تنصلت، مما قاله على لسانها وواصلت رعايتها، وان بضعف ملحوظ.
الأخ النخالة لم يقدم بالمقابل اي تصور للخروج من هذه الحالة. لكنه أكد انه وحركته «متفقون مع حماس على كل شيء وخاصة قيادتها لقطاع غزة وهو امر يريحنا لأنها حركة مقاومة».
هو ما يمكن تفسيره بتأييد غير مباشر للانقسام، لأن حركة حماس تبقى هي صانعة انقلاب الانقسام وصاحبة المسؤولية الاولى عن بدء الانقسام وعن استمراره، برغم اي حديث عن مسؤوليات لأطراف اخرى وعن شكل وحجم مسؤولية كل طرف.
لقد طافت محاولات انهاء الانقسام الفلسطيني العديد من العواصم العربية (يبقى لمصر وقاهرتها السبق والخصوصية). ولم تحقق اي منها النجاح.
ما ظل غائباً هو الدور والمبادرة الفلسطينيان. 
فباستثناء مبادرة الأسرى عالية المسؤولية والتي قوبلت بترحيب عارم من اهل الوطن وتنظيماته، فان التنظيمات الفلسطينية لم تمتلك يوماً مبادرتها الخاصة، الجماعية والشاملة، الواقعية والجدية.
وهي رغم تأييدها لمبادرة الأسرى الا أنها لمن تنجح - وربما لم تسع بجد - الى تبني تلك المبادرة بشكل جماعي وجاد وأن تدخل عليها ما تتفق على ضرورته من تطوير، ومن آليات ومراحل التنفيذ، لتجعل منها مبادرة وطنية جماعية تنطق باسم الكل الفلسطيني. وان تتمسك بهذه المبادرة وتعطيها الوقت والجهد المطلوبين، وتؤمّن لها زخمها الجماهيري المساند، وتعمل على هديها بتواصل طويل النفس.
ومع الإقرار بوجود تفاوتات نسبية فيما بينها، فقد ظل أساس ضعف او غياب دور التنظيمات هو بشكل عام محدودية قوتها التنظيمية والسياسية وضعف حضورها الجماهيري. لذلك فقد ظلت مواقف وانحياز العديد منها موزعة بين قطبي الانقسام، إما على شكل انحياز تام ودائم، أو على شكل تذبذب حسب الموقف، وربما حسب المصلحة التنظيمية.
لكن الغائب الأكبر كان - وما زال – هو الدور الجماهيري المتمثل أساساً في المجتمع المدني وهيئاته المختلفة والمتنوعة في داخل الوطن بكل مناطقه وفي تجمعات الشتات والمهاجر.
والواقع ان هذا الغياب هو نتيجة متوقعة لسنين طويلة من سياسات التغييب والإهمال التي مارستها السلطة والتنظيمات عموماً بحقه، بغض النظر عن الموقع والقدرة على التأثير، وبالتالي التفاوت بالمسؤولية.
وسواء جاء التغييب والإهمال من باب القصد وعدم القناعة وعدم الإيمان، او من باب الجهل بقيمة دور الجماهير وضرورته المركزية، او من باب الرؤية المغلوطة تماماً للأفضليات والأولويات، او حتى من باب الإهمال والتراخي، او أي باب آخر.
ان اشتداد الهجمات ومستوى عصفها غير المسبوق في شموله ومخاطره، وبدرجة وضوحه ووقاحته واستهتاره، وبدرجة الدعم الأميركي الصريح والمباشر الذي تلقاه، لم تزحزح جنون الانقسام عن مواقعه قيد انملة، ولا زحزحته أقل من انملة، القراراتُ التي اتخذتها القيادة الفلسطينية بإلغاء الاتفاقات مع دولة الاحتلال والتعامل بها.
على العكس، فقد صدرت تصريحات علنية عن اكثر من مسؤول فلسطيني تعلن تأكيد عدم التنازل عن السلطة في غزة بأي شكل او ظرف.
 هذا ما يؤكد ان الانقسام الفلسطيني قد وصل الى واقع ومستوى من التعمق والتجذر، وخدمة الرؤى الفكرية والسياسية الذاتية بالنسبة للبعض، والى واقع من السكون والموات لم يعد ممكنا معها الخروج منه الا بمعجزة يأتي بها القدر.
او بانتفاضة شعبية عارمة على الذات يقوم بها أهل الوطن وقواهم الشعبية والمجتمعية، في تجاوز للتنظيمات السياسية التي عجزت او تقاعست عن القيام بدورها.
هذا الواقع والمستوى الذي وصل اليه الانقسام يلقي بالمسؤولية على قوى المجتمع المدني لبلورة مبادرتها الخاصة.
مبادرة تقوم على مبادئ الوطنية الجامعة: وحدة الشعب الفلسطيني، وحدة مرجعيته الوطنية ممثلة بمنظمة التحرير والمؤسسات التي انبثقت عنها، وحدة قيادته الوطنية، وحدة نضاله الوطني بكل أشكاله وتعبيراته، وحدة برنامجه وأهدافه وثوابته الوطنية والتاريخية، اعتماد الديموقراطية أساساً لتنظيم حياته الداخلية بكل أشكالها ومجالاتها.
ثم لتقوم بالتحشيد لهذه المبادرة في أراضي الوطن الفلسطيني وخارجه وتناضل على هديها بصبر وطول نفس وإصرار وحيادية. 
فمن يعلق الجرس؟!