تجنّد رئيس الحكومة الإسرائيليّة، بنيامين نتنياهو، مساء الخميس الماضي، ومن خلفه العلمين الأميركي والإسرائيلي، إلى دعوة دول العالم لدعم "الجهود الأميركيّة لمواجهة العدوانيّة الإيرانيّة"، غير أنّه مع تراجع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن قصف إيران، لم يصدر أيّ تعليق منه، حتى مساء السبت.
وكتب محلّل الشؤون الأميركيّة في صحيفة "هآرتس"، حيمي شاليف، أن قرار ترامب إلغاء الضربة من المفترض أن يؤدي إلى "تحطيم الغطرسة التي تحيط بنتنياهو منذ الانتخابات الأميركيّة عام 2016"، مشبّهًا ذلك بـ"التحوّل المفاجئ في الأقدار" أو "الفاجعة" التي تميّز التراجيديا اليونانيّة القديمة، بتشخيص أرسطو، حين يكتشف البطل عيبًا قاتلًا في الشخصيّات، "وفي حالة ترامب، عيوب قاتلة في شخصيّته".
وفسّر شاليف صمت نتنياهو ووزرائه "المدوّي والمستمرّ" بخوفه من أمرين، هما انهيار إستراتيجيّته لمواجهة إيران، وأن يؤدي ذلك إلى خسارته في الانتخابات المقرّرة في السابع عشر من أيلول/ سبتمبر المقبل. ووفقًا لشاليف، فإنّ هذا الصمت بدأ كإجراء تكتيكي، "بهدف إبعاد بصمات إسرائيل عن التوتر الكبير بين واشنطن وطهران، قبل أن يتحوّل في نهاية الأسبوع إلى صمت الذّعر".
وأشار الكاتب إلى أن تراجع ترامب عن الضربة، بسبب "احتمال أن تؤدي إلى مقتل 150 إيرانيًا"، "كان من المفترض أن يثير حالةً من الاستنفار في مكتب نتنياهو، تليق بالرجل الذي راهن بكل وزنه على رئيس متهوّر ومزاجي، على استعداد أن يتحوّل في كل لحظة إلى صقوري متطرّف إلى يساري هادئ المزاج، وكأنه الوريث الروحي لباراك حسين أوباما".
ويشكّل تراجع ترامب، بحسب الكاتب، ضربة قويّة لنتنياهو بشكل خاص، ولإسرائيل بشكل عام، "فقد قوّضت الثقة الفضاضة التي أبداها قادة العالم الغربي تجاه اعتبارات ترامب، وأظهرته كنمر من ورق، ومنحت النظام الإيراني صورة المنتصر، ولو كانت لحظيّة، وأثارت شكوكا جديدة حول حكمة السياسات التي هندسها نتنياهو للانسحاب من الاتفاق النووي وإخضاع إيران عبر عقوبات قاسيّة وتهديدات عسكريّة".
وقال شاليف إنّ الادّعاء الذي ساقه ترامب لتبرير عدم مهاجمته إيران، يشّكل مصادقة أميركيّة على ضرورة الالتزام بالتناسب في الإجراءات العقابيّة، "وهو الادّعاء الذي يستخدم بين فترة وأخرى سببًا للوم إسرائيل بارتكابها جرائم حرب".
ويصوّر نتنياهو ترامب، حسب شاليف، على أنه صديق لإسرائيل لم يكن لها مثله، لكن كان عليه أن يفهم منذ مدّة، مثلما فهم زعماء آخرون حول العالم، أن ترامب لا يهمّه إلا نفسه.
وقال الكاتب إن أحداث الأيام الأخيرة تثبت عبث الاعتماد على رئيسٍ يحتقر عمل الموظفين المنظّم، وتنبع قراراته من أحاسيسه فقط، ويتعامل مع إيران كهارب وحيد، بعدما انسحب بشكل أحادي من الاتفاق النووي، وفكّك بيديه التحالف الدولي الذي دعمه، وبهذا سمح لإيران أن تناور بين واشنطن وبين العواصم الأوروبيّة، ويقف الآن أمام طريق مسدود يؤدي إمّا لفشل دولي مدوّي أو إلى حرب لا يريدها، بعدما أخذ بـ"الهراء" الذي باعه له نتنياهو، ومؤدّاه أن "الإساءة للنظام الإيراني ستؤدي إلى إخضاعه وحتى إسقاطه" في حين أنه، على أرض الواقع، يبدو أن ما يحدث هو العكس.
ولفت الكاتب إلى أنّ الإدراك بأن نتنياهو ارتكب خطأ، بدأ يتسلّل إلى إسرائيل، بعدما قرار ترامب الانسحاب من سورية، وتعزّزت بعد قراره عدم دعوة إسرائيل لـ"ورشة المنامة" الأسبوع المقبل، قبل أن تتأكد نهاية الأسبوع الماضي، مع تراجعه عن توجيه ضربةٍ لإيران.
وفي السابق، أشارت تحليلات إسرائيليّة إلى أن إسرائيل الرسميّة امتنعت، عن قصد عن التعليق على التصعيد الأميركي في الخليج العربي، خصوصًا من قبل نتنياهو، الذي كان له دور بارز في دفع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش، إلى غزو العراق عام 2003.
يذكر أن نتنياهو كان قد شارك في جلسات للكونغرس الأميركي، قبل حرب العراق عام 2003، وادّعى أن الرئيس العراقي حينها، صدّام حسين، يسعى إلى تطوير سلاح نووي وأن إسقاط النظام العراقي سيساعد في كبح إيران واستقرار الشرق الأوسط كلّه، إلا أنّ ذلك كلّه لم يحدث بعد إسقاط نظام صدّام، على العكس تمامًا، بل إن غزّو العراق هو ما جرّ المنطقة كلها إلى الاشتباكات الطائفيّة وتغوّل إيران.
لذلك، يحاول نتنياهو الآن تهدئة الأجواء، حتى لا يبدو وكأنه يدفع الأميركيين إلى التحرك عسكريًا ضدّ إيران، في مغامرة من غير الواضح إن كانت ستنجح أم لا، بحسب ما ذكر موقع "المونيتور"، الشهر الماضي.
وفي هذا السياق، حاول نتنياهو التقليل جدًا من علاقته مع مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، ومع مواقفه "الصقورية" الداعية إلى حسم الصراع مع إيران عسكريًا.
وقال شخص عمل لسنين طويلة في قضايا الأمن للموقع "في الغرف المغلقة يصلّي نتنياهو أن ينجح بولتون بإقناع ترامب بالتحرك عسكريًا ضد إيران... لكن من الممنوع أن يبدي نتنياهو ذلك، أو أن يكون متماهيًا مع نظرة بولتون، بعدما ظهر في السابق كمن دفع الأميركيين لغزو العراق".