هل نزداد ذكاء أم غباء؟ في تقريره الذي نشره موقع "بيغ ثينك" الأميركي، قال الكاتب كيفن ديكنسون إن الإجابة عن هذا السؤال تبدو سهلة، إذ ينظر الباحثون في اختبارات الذكاء لمعرفة ما إذا كانت درجاته في ارتفاع أم في تراجع.
وبينما تؤكد بعض الدراسات أن الأفراد اليوم أصبحوا أذكياء أكثر من أي وقت مضى، تشير العديد من العناوين الأخرى إلى أنه على مدى العقود الأخيرة شهدت المهارات العقلية للإنسان تدهورا.
خلال ثمانينيات القرن الماضي، لاحظ الفيلسوف جيمس فلين أن اختبارات الذكاء يعاد تشكيلها بين الفينة والأخرى. ويجب أن يبلغ متوسط معدل الذكاء المئة، إلا أنه كل بضعة أعوام ترتفع الدرجات، مما يدفع صانعي الاختبارات إلى إضافة أسئلة أكثر صعوبة بهدف تقليص المتوسط مجددا. وقد تولى فلين حساب الأرقام ليكتشف أن درجات معدل الذكاء ترتفع بمعدل ثلاث نقاط كل عشر سنوات.
ووفقا لعالم النفس التنموي ستيفن بينكر، فإنه "إذا كان المراهق العادي اليوم قادرا على السفر عبر الزمن إلى عام 1950، فيفترض أن يبلغ معدل ذكائه 118 درجة. وإذا عاد المراهق إلى عام 1910، فسيحصل على معدل ذكاء 130، وهو ما يجعله يتفوق على معدل ذكائه الحالي بنسبة 98%. أما حسب القيمة الاسمية لتأثير فلين، يتمتع الشخص العادي اليوم بذكاء أكثر بنسبة 98% مقارنة بأولئك الذين عاشوا عام 1910".
وذكر الكاتب أن البيئات الصناعية التي ميزت القرن العشرين كانت تستدعي من المرء صياغة عبارات مجردة أكثر من الأجيال السابقة. لذلك، ليس من قبيل الصدفة أن اختبارات الذكاء على غرار المصفوفات المتتابعة لريفن تقيس قدرة الفرد على التفكير بشكل تجريدي وتطبق تلك القدرة في حل المشكلات الجديدة.
هل نفقد مكاسب الذكاء؟
يُحتمل أن تأثير فلين يشهد تراجعا في الوقت الحالي. ووفقا للدراسات الحديثة، تعرف معدلات الذكاء لدى عدد كبير من سكان دول كثيرة تدهورا. وخلال العام الماضي، كانت النرويج مثالا ملفتا للنظر.
تعتبر الخدمة العسكرية في النرويج إجبارية، حيث يطالب الأفراد المجندون بإجراء اختبار الذكاء، وهو ما يساهم في توفير مجموعة واسعة من البيانات بالنسبة للباحثين. وقد حلل كل من برينت براتسبرغ وأولي روجبيرغ في مركز "ركنر فرش" للأبحاث الاقتصادية في أوسلو، أكثر من 730 ألف اختبار ذكاء. وقد بينت النتائج أن العام 1975 مثل نقطة تحول تأثير فلين في النرويج. وقد سجلت درجات الذكاء في البلاد هبوطا منذ ذلك الحين.
لا يكون انخفاض نسبة الذكاء متفشيا بالضرورة بين جميع سكان النرويج. وعلى الرغم من أن الدراسة قد شملت عينة كبيرة من الأشخاص، فإنها اقتصرت على تناول فئة محددة من السكان، حيث أجرى العلماء أبحاثا على الأشخاص الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و19 عاما، والذين ولدوا هم وآباؤهم في النرويج. في المقابل، أقصت هذه الدراسة الذكور الذين ينتمون إلى فئات عمرية أخرى، أو من تركيبة أسرية مخالفة. كما أنها لم تتطرق إلى دراسة معدل الذكاء لدى النساء من أي فئة عمرية.
وأوضح الكاتب أن التراجع الذي شهدته النرويج يمثل جزءا من اتجاه واسع النطاق. وقد سلط كل من جيمس فلين ومايكل شاير من جامعة "أوتوغو" في نيوزيلندا الضوء على الأبحاث المتعلقة بالذكاء في مختلف البلدان. وعلى الرغم من أن نسبة تراجع نسبة الذكاء لم تكن متماثلة في جميع البلدان، فإن البيانات أكدت وجود تراجع، لا سيما في الدول الأوروبية.
وجد فلين وشاير أن دول الشمال -وتحديدا فنلندا والدانمارك والنرويج والسويد- سجلت تراجعا في معدل الذكاء بمعدل 6.85 نقاط على مدار 30 عاما. أما في هولندا، فقد تراجعت نسبة الذكاء بالنسبة لطلبة المدرسة الثانوية، في حين شهدت ارتفاعا لدى البالغين. ولكن لم يحدث أي تغيير لدى الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة. في المقابل، حافظت ألمانيا على مكانتها في الذكاء اللغوي، بينما تراجعت في نسبة الذكاء المكاني.
وخلص مؤلفا هذه الدراسة إلى أن نسبة الذكاء تختلف وفقا للتطور الاجتماعي الذي يشهده كل بلد. ففي بلدان أخرى، يبقى تأثير فلين نافذا، حيث لا تزال نسبة الذكاء في الولايات المتحدة في ارتفاع، بينما تضاعفت في كوريا الجنوبية. ويعتقد فلين وشاير أن الدول النامية ستشهد أيضا ارتفاعا في نسبة الذكاء.
وأضاف الكاتب أن هناك فرضية تفيد بأن جينات الذكاء وراثية، حيث إن الأزواج الذين يفوق معدل ذكائهم درجة المتوسط، لديهم عدد أطفال أقل، مقارنة بأولئك الذين لا يتمتعون بنفس درجة الذكاء. وهذا يعني أن عدد الأطفال الأذكياء الذين يمكن نقل جيناتهم سيكون حتما أقل. ولكن، فند كل من براتسبرغ وروجبيرغ هذه الفرضية.
لا يعتقد الباحثون أن الهجرة هي العامل الرئيسي المتسبب في هذه الظاهرة، بل إن التأثيرات البيئية داخل الأسرة هي السبب الأكثر احتمالا. وتشمل الاحتمالات كذلك التغييرات في المحتوى التعليمي، وتغير العادات الغذائية، والتغيرات المتعلقة بالتعرض لوسائل الإعلام.
لكن السؤال حول ما إذا كانت درجات الذكاء لدينا أعلى من مجتمع آخر، سواء أكان قديما أم معاصرا، ليس مهما. ولكن الأمر يتعلق بما إذا كنا قد طورنا مجتمعات تدعم وتعزز العديد من ملكات ذكائنا المختلفة بحكمة وبشكل هادف. كما يشير فلين وشاير إلى أن "الاستفادة من ذكاء الناس بدلا من القلق بشأن ذكائهم هو الأمر الذي يكتسي أهمية كبرى".