يوم الثلاثاء المنصرم أنهى أحمد الطيبي، عضو الكنيست ورئيس الحركة العربية للتغيير، إجراءات خروجه رسميًا من القائمة المشتركة الممثلة للأحزاب العربية في الكنيست، حيث صادقت الكنيست على انشقاقه عن القائمه المشتركة، وبات رسميًا كتلة ممثلة في الكنيست المنحلة باسم "تاعل" (وهي اختصار لاسم الحركة العربية للتغيير باللغة العبرية)، ممثلة بعضوي كنيست هما أحمد الطيبي وأسامه السعدي، وقد سبق خروجه من القائمة الكثير من الحوارات التي بدأت منذ إعلان حل الكنيست في دورتها الـ 20 وقرار الانتخابات للدورة الـ 21 في التاسع من ابريل القادم، والسؤال الأكثر رواجًا ربما حول ماهية ودوافع قرار الطيبي بالانشقاق: هل هو مجرد مناورة قوية لتعزيز وزن كتلتة داخل المشتركة أم مغامرة مدفوعة بنشوة استطلاعات الرأي؟
الطيبي، وهو متخصص في الطب البشري، عرف في العمل السياسي منذ عام 1993 عندما شغل منصب مستشار الرئيس عرفات لشؤون فلسطينيي الـ 48 وللسياسات الإسرائيلية، وقد بقى في منصبه هذا حتى دخوله الكنيست عام 1999، أسس الطيبي حزبه تحت اسم الحركة العربية للتغيير سنة 96 وسجلها للدخول لانتخابات الكنيست في ذلك العام، إلا أنه انسحب خوفًا من عدم تجاوز نسبة الحسم، وفي انتخابات عام 99 خاض الانتخابات مع قائمة التجمع التي أسسها الحزب الوطني الديمقراطي برئاسة عزمي بشارة، ودخل الكنيست لأول مرة، ثم خاض الانتخابات اللاحقة مع القائمة الموحدة المشكلة من عدة أحزاب، وفي مقدمتها الحركة الإسلامية، إلى أن تم تأسيس القائمة المشتركة في انتخابات عام 2015، أي انه لم يخض الانتخابات بقائمة مستقلة، وأكبر تمثيل لقائمته في الكنيست كان أثناء تحالفه مع القائمة المشتركة، حيث حظيت حركته بمقعديْن، الأول له والثاني لأسامة السعدي بالتناوب.
الطيبي كشخص يعتبر ظاهرة وشخصية مشهورة، ولها وزنها في الداخل والخارج، ويتمتع بمكانة مرموقة بين بعض أوساط جماهير فلسطينيي الداخل، لما يتمتع به من مكونات شخصية وحضور إعلامي ملفت وبرغماتية سياسية عالية وتماثل كبير مع توجهات التيار المركزي في منظمة التحرير الفلسطينية وفي السلطة الفلسطينية، لا سيما على المستوى السياسي، وهو لا يعتبر شخصًا أيديولوجيًا أو صاحب فكر سياسي من النوع الذي يبحث في جذور الصراع، وهو ربما الأكثر "اعتدالًا" بحسب المعايير الإسرائيلية للاعتدال، والأكثر جاذبية للإعلام الإسرائيلي من بين أعضاء الكنيست العرب، حيث يظهر الإعلاميون والسياسيون الإسرائيليون عداءً واضحًا تجاه جمال زحالقة وحنين زعبي وباسل غطاس (المعتقل حاليا)، بينما يظهرون حالة من التفهم إلى حد القبول على الأقل تجاه الطيبي.
الطيبي الذي يحظى بشعبية في أوساط بعض جمهور فلسطينيي الـ 48، ولا زال حجم وعمق هذا التأييد غير معروف حقيقة سوى في بعض استطلاعات الرأي، فإنه بالمقابل يحظى بمواقف سلبية تجاهه، بدءًا من التحفظ إلى حد التلميح والهجوم العنيف عليه، والتشكيك في دوافع توجهاته الانتخابية وخلفياته السياسية.
في سياق تبرير الطيبي لانفصاله عن المشتركة وعزمه دخول الانتخابات بقائمة مستقلة باسم حركته، أكد ان الانفصال جاء بعد أن انتهت الحوارات العامة مع المشتركة والثنائية مع أحزابها إلى طريق مسدود، وإلى نتيجه ستؤدي إلى عدم تمثيل حركته في الكنيست، حيث - وعلى حد زعم الطيبي - تمسكت القوى الثلاث المشكلة للمشتركة بما يعرف بمفتاح انتخابات 2013، أي المحافظة على عدد مقاعد كبير للقوى الثلاث في مقدمة القائمة، ممّا يجعل حركة الطيبي بمقعد أو مقعد ونصف، مقعد متناوب عليه في ذيل القائمة وإبقاء أيمن عودة على راس القائمة المشتركة، وقد حمل عليهم عدم أخذ التغيرات في أوساط الجمهور العربي بعين الاعتبار، وطالب بأن يشارك الجمهور العربي في تحديد من يقف على رأس القائمة وبنسبة توزيع المقاعد داخلها، سواء عبر آليات انتخابية داخلية أو استطلاعات رأي تقوم بها جهات محايدة يتم الاتفاق على آلياتها، تحت عنوان "دعوا الجمهور يقرر".
بعض المراقبين يعتبرون انفصال الطيبي مجرد مناورة سياسية للضغط باتجاه تحسين مكانة حركته داخل القائمة المشتركة، وأنه ربما سيتراجع عن قراره في لحظة ما وعندما يتم إجراء حوار جدي معه، بينما اعتبر آخرون انفصال الطيبي مغامرة مدفوعة بنشوة استطلاعات الرأي، حيث ان بعض هذه الاستطلاعات تمنحه تقدمًا بنسبة كبيرة في التنافس على رأس القائمة مقابل أيمن عودة، وتمنح حزبه ما يقارب الستة مقاعد، وهي نتيجه تجعله يثق بقدرته على تجاوز نسبة الحسم، التي تشكل هاجسًا كبيرًا أمام الأحزاب العربية، وشكلت ولا زالت دافعًا وسببًا رئيسيًا لوحدتها في قائمة مشتركة.
المحامي والكاتب والناشط السياسي جواد بولس أعاب على قيادة المشتركة ما سمّاه بالاستقواء على الطيبي وعدم إجراء حوار جدي ومسؤول معه، وانتقد هجومهم الشخصي عليه، وعدم إجراء حوار حقيقي حول القضايا والمطالب التي يرغب الطيبي في نقاشها.
يذكر أيضًا ان الطيبي الذي عمل في الفترة الأخيرة على تشكيل بنية حزبية، يجري الآن حوارًا قويًا مع عدد من الشخصيات المرموقة للدخول في حزبه أو تشكيل قائمة ائتلافية معه، ومن بين تلك الشخصيات على سلام (رئيس بلدية الناصرة) ومازن غنايم (رئيس بلدية سخنين سابقًا)، وهو إذا ما نجح سيعزز مكانة واحتمالات نجاح الحركة العربية للتغيير برئاسة الطيبي في الدخول إلى الكنيست الـ 21 وتجاوز نسبة الحسم، وسيكون ذلك إنجازًا كبيرًا للطيبي وحركته، وضربة قوية لمكونات القائمة المشتركة، وانتكاسة لأول تجربة وحدوية للتمثيل الانتخابي العربي داخل الكنيست، وربما سينتج عنها تراجع كبير بمستوى تمثيل المشتركة وصراعات داخلية تنافسية على المقاعد المضمونة، ومن غير المستبعد ونتيجة لذلك أن يحدث انشقاق واصطفاف آخر بين الأحزاب العربية، أي ان كلمة الفصل لم تُقل بعد.