رغم كثرة الانشقاقات والأحزاب، إلا أن ذلك لا يعكس حقيقة وجود خلافات قوية وحقيقية في مجتمع دولة الاحتلال، وربما تعتبر هذه الفترة من أكثر الفترات التي تكاد تنعدم فيها الفوارق الأيديولوجية والسياسية، فثمة تقاطعات سياسية أيديولوجية كبيرة بين مختلف تشكيلاتهم الحزبية، وقد بات لديهم شبه إجماع له علاقة بالاستيطان من حيث التوسع، وإجماع حول اللاشريك وعدم إمكانية تطبيق حل الدولتين، والتنافس الشديد فيمن يمثل اليمين ويكرس سياساته ونهجه.
إن الخلافات بين الأحزاب والشخصيات - والتي يحاول الإعلام الصهيوني تضخيمها أحيانًا - يُمكن أن تجدها داخل الحزب الواحد، ويمكن أن يحتويها حزب واحد كبير، فحزب "الليكود" على المستوى الاجتماعي الاقتصادي والحريات الداخلية يستطيع أن يمثل كل هؤلاء، وفي الحقيقة كان حزب "الليكود" ولا زال ينضوي في صفوفه الكثير من هؤلاء المختلفين في الأجندات الشخصية والأذواق.
والحقيقة أنه لا يوجد ترجمات حقيقية لمصطلح يسار صهيوني في التشكيلات السياسية الحزبية، فكل ما هو موجود هو يمين ويمين يمين، ويمين من ألوان قريبة جدًا في تدرجها، حتى لا تكاد العين أن تميز بين ألوانها.
ويمكن لجميع أو على نحو الدقه لمعظم رؤساء الأحزاب أن يكونوا قياديين في الصفوف الأولى لحزب "الليكود"، حتى ان معظمهم جاءوا من حزب "الليكود"، يعلون وليبرمان وبينت وشكيد وكحلون وغباي وأبو كسيس وليفني، وبامكان لبيد وغانتس أن يكونوا في "الليكود"، وربما داخل المعسكر الأكثر يمينًا في "الليكود".
إنها رفاهية الانشقاق والاختلاف في الصغائر ودوافع الأنا الكبيرة في تحقيق ذاتها، وهذا إما تعبيرًا عن غياب المخاطر الخارجية أو فائض حريات أو غياب المعسكرات والأحزاب القوية بما يسمح لكل تجمع أن يكون مؤثرًا، وذلك رغم نسبة الحسم الكبيرة، وهذا يتقاطع مع الرغبة في البحث القطاعي عن المصالح القطاعية.
هذا التقارب الشديد وغياب الاختلاف كتب عنه شموئيل روزنر في "معاريف" يقول "يكمن تناقض في جذر حملة الانتخابات في 2019، كلما كانت إسرائيل متفقة هكذا كانت منشقة. والترجمة العملية: كلما كانت خلافات أقل، كانت أحزاب أكثر؛ هذا غش. ظاهرًا، كثرة الأحزاب والأصوات يفترض أن تفيد بكثرة الآراء والفوارق. أما عمليًا، فكثرة الأحزاب والأصوات تدل على قلة الآراء والفوارق، ليائير لبيد توجد آراء تشبه آراء موشيه كحلون، التي تشبه آراء موشيه يعلون، التي تشبه آراء بيني غانتس. في واقع الأمر، يثبت غانتس، منذ بضعة أشهر بانه يمكن للمرء أن يكون شعبيًا وفاعلًا دون أن يعرب حتى ولا عن بارقة رأي. أفليس له رأي؟ ينبغي التقدير بأن لديه، لقد فعل غانتس ما يكفي في حياته كي نفترض بانه رجل مفكر بلور مواقف عن الموقع الإسرائيلي. وبالفعل، ما رأيك؟ ها هو الجواب: رأيه كرأي الجميع، إلى هذا الحد أو ذاك. ما هو خير للبيد، ما هو خير لليفي أبو كسيس، لكلحون، لآفي غباي، لتسيبي لفني خير له أيضًا".
والكاتب جدعون ليفي كتب عن ذلك منتقدًا وصف الانشقاق في "المعسكر الصهيوني" بأنه انشقاق في معسكر اليسار، واعتبره انشقاق بين ليفني وغباي، وكلاهما من "الليكود"، وكتب "ما يحدث في النظام السياسي قبل الانتخابات يمكن وصفه كالتالي: يمين (أ) ضد يمين (ب)، انقسام في اليمين (ج)، اتحاد محتمل في اليمين (د)، سوية مع انبثاق أمل جديد في اليمين (ب). خلف مراقبي "ميرتس" على الجانب الآخر من السياج والقائمة المشتركة، اليسار الإسرائيلي الوحيد، الأولى صغيرة وآخذة في التلاشي والثانية ممنوعة ومستبعدة ومعزولة، وكلاهما ليس لها أي تأثير. بعد كل ذلك يقولون إن إسرائيل "متقاطبة"، بعد لحظة ستنشب فيها حرب أهلية، يصعب التفكير بنكتة أكثر سخرية من هذه.
معظم رؤساء الأحزاب في إسرائيل جاءوا من "الليكود": لفني وغباي وليبرمان وشاكيد وبينيت ويعلون وكحلون. أيضًا أورلي أبو كسيس نشأت في بيت ليكودي. يمين، وسط ويسار موهوم، كلهم تعلموا في معقل "الليكود"، ليس صدفة أنهم تربوا في "الليكود"، اليمين كان وما زال بيتهم، هذا هو النجاح الحاسم "لليكود" منذ انقلاب العام 1977، سيطرته على كل الخارطة، يرسل كل أورامه السرطانية في كل اتجاه، إلى جانبه يقف بالطبع المستوطنين وأيضًا الحريديين الذين تحولوا إلى يمين وطني متطرف، ومن الجانب الآخر لبيد وغانتس، أيضًا هما يمين وطني متطرف، الأول سبق وأثبت ذلك والثاني سيثبت ذلك، كلاهما مزيفان.
ويختم ليفي مقالته بأن إسرائيل بامكانها أن تكون دولة ذات حزب واحد بشكل طوعي وباختيار حر، فهي تجمع على ذات الأشياء والمواقف والعدوان والاستيطان والعنصرية والتمييز، وعلى سن ذات القوانين العنصرية.