بالأمس أعلن كل من بينت وشاكيد (زعيما "البيت اليهودي") خروجهما من "البيت اليهودي" لصالح تشكيل حزب جديد، تحت اسم "اليمين الجديد".
هناك من يقول بأن كلًا من نفتالي بينت وايليت شاكيد كانا قد خططا لهذا الانفصال منذ اليوم الأول الذي انضما فيه لصفوف "البيت اليهودي"، وبأن انضمامهما إلى "البيت اليهودي" ("المفدال" سابقًا) كان مرحليًا، للاستفادة منه كإطار سياسي يسمح لهم بالدخول بقوة للحلبة السياسية، والقدرة على تقديم أجندة صهيونية دينية علمانية جديدة، أي المزاوجة بين الصهيونية الدينية والعلمانية بمرونة وبرغماتية عالية تسمح بأن يضموا لصفوفهم مئات الآلاف من أنصار اليمين العلماني.
وقد نجحا بشكل كبير في إجراء عمليات تجميل قوية لوجه "البيت اليهودي"، بجعله أكثر لمعانًا وبريقًا وجاذبية للكثير من مصوتي اليمين، وكان بينت وشاكيد ثنائيًا أثار إعجاب واندهاش الكثير من ناخبي اليمين عبر قدرتهما على الانتصار لأجندتهما، سواء في وزارة التعليم التي يقودها بينت أو في الثورة القانونية القضائية التي قادتها شاكيد عبر قيادتها لوزارة العدل.
استطلاعات الرأي حول الأداء الأفضل للوزراء كانت تمنح أفضل أداء لشاكيد ثم لبينت، وقد ترجم هذا الأداء في هجوم قوي لشاكيد ضد ما أسمته بقايا امبراطورية اليسار داخل وزارة العدل وداخل القضاء، وقادت صراعًا قويًا مع رئيسة محكمة العدل العليا قاد إلى تغييرات عميقة لصالح تعزيز مكانة اليمين الصهيوني في هيكلية القضاء وفي تشريعاته وثقافته وتوجهاته، ومن جهته قاد بينت هجومًا كبيرًا داخل المنظومة التعليمية عبر وزارة التعليم، طالت الموروث والأدب والمفاهيم، ووصلت تعزيز الروح الصهيونية الدينية حتى إلى الرحلات المدرسية للتلاميذ وتحديد الدراسات اللامنهجية وإغلاق أبواب المدارس أمام من اعتبروهم ممثلين لمنظات اليسار، وفرض على مجلس الجامعات الاعتراف بكلية "أريئيل" المقامة في مستوطنة "أريئيل" وتحويلها إلى جامعة، وأسس فيها كلية لدراسة الطب.
"البيت اليهودي" بزعامة بينت شاكيد عزز بشكل غير مسبوق دور المستوطنيين وأجندتهم داخل الحكومة وداخل الكنيست، وترجم ذلك في السياسات الحكومية وفي تشريعات الضم والتهويد وفي التصعيد العدواني. يذكر ان بينت هو الذي فرض على الكابينت البدأ بالاجتياح البري في حرب 2014 لتدمير الأنفاق، وكان له دور كبير في منع الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى سنة 2014، ممّا أدى إلى توقف المفاوضات التي قادها جون كيري.
الثنائي بينت شاكيد يبدو أنهما يشعران باستنفاد إمكانياتهما على التقدم داخل إطار "البيت اليهودي" الذي يفرض عليهم مرجعية حاخامية دينية، ولا يمنحهما قدرة أكبر من المرونة والبرغماتية، فممثلو حاخامية الصهيونية الدينية في الحزب (سموتريتش وأوري أريئيل وبن دهان وآخرون) يشكلون بالنسبة لهم عوامل إغراق وجذب للأسفل، ويحدّون من قدرتهم على المناورة أمام نتنياهو، ويتذكر لهم بينت أنهم فرضوا علية التراجع عن تهديده لنتنياهو بالخروج من الحكومة إذا لم يسلمه وزارة الأمن.
"اليمين الجديد" من حيث السياسات والأجندة لن يختلف كثيرًا عن "البيت اليهودي"، ربما سيكون أقل صهيونية دينية وأكثر صهيونية قومية وعلمانية، ولن يختلف عن "الليكود" وعن حزب يعلون وحزب غانتس وحزب ليبرمان وحزب كحلون وحزب أورلي أبو كسيس، فجميعهم يتنافسون على أصوات اليمين وعلى الأصوات العائمة وعلى الأصوات التي تفضل الاستمتاع بإجازة الانتخابات على الذهاب للانتخاب.
وهناك من يصف حزب "اليمين الجديد" بأنه أشبه بإطلاق النيران داخل الدبابة، لكنهم في "الليكود" يرون في حزب "اليمين الجديد" ورغم أنه قد ينافسهم على قاعدتهم الانتخابية؛ إلا أنهم يرون فيه فرصة أخرى لمنافسة غانتس ويعلون. خروج بينت وشاكيد سيسمح بانضمام ايلي يشاي زعيم حزب "ياحد" إلى "البيت اليهودي"، حيث لديه أكثر من 130 ألف مصوت كان اليمين قد خسرهم في الانتخابات الماضية لأنهم لم يتجاوزا نسبة الحسم.
في المشهد السياسي، يوجد قرابة ثمانية أحزاب أو أكثر تمثل اليمين، وتدور في فلك نتنياهو، وكثرتها في ظل ارتفاع نسبة الحسم قد تؤدي لفقدان مئات الآلاف من الأصوات؛ لذلك يسعى "الليكود" الآن إلى تخفيض نسبة الحسم، عبر لجنة التوافقات في الكنيست، وهو أمر احتمالاته ضعيفة.
"اليمين الجديد" يجعل التنافس أكثر شدة بين كل أحزاب اليمين وبين الأحزاب التي تسعى لكسب أصوات اليمين، ممّا سيعني خطابًا سياسيًا وأمنيًا متشددًا، وتركيزًا على الأجندات الداخلية بمختلف مواضيعها، وربما يجعل هذا حزب "ميرتس" أكثر المستفيدين لأنه لن يجد من ينافسه على مصوتي اليسار.
هذه الانتخابات ستحمل الكثير من المفاجآت والتقلبات، بدأت بتشكيل كتلة غانتس - يعلون، وانفصال بينت وشاكيد، وتشكيل حزب أورلي ابو كسيس، والتنافس في "الليكود" سيكون قويًا بين أكثر من 35 عضو على عشرين مقعد قطري، في ظل توترات كبيرة على الجبهتين الشمالية والجنوبية، وفي ظل ملفات نتنياهو الجنائية.