أعربت إسرائيل عدة مرات، في الأشهر الأخيرة، عن تحسبها من احتمال تحول برنامج نووي سعودي ما زال في بداياته الأولى إلى برنامج عسكري، من شأنه أن يسرع سباق تسلح مع إيران، وربما غيرها، وذلك في الوقت الذي يشير فيه خبراء إسرائيليون إلى أن السعودية تفتقر لإمكانيات تجعلها تتقدم نحو برنامج نووي عسكري في الفترة القريبة المقبلة.
وكانت إسرائيل قد أبلغت الولايات المتحدة بتحفظاتها من صفقة أميركية – سعودية تقضي بشراء الأخيرة مفاعلات نووية. وجاءت هذه التحفظات الإسرائيلية قبل أن يضع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، حجر أساس لمشروع إقامة مفاعل أبحاث نووية هو الأول من نوعه في السعودية. وقال تقرير صدر عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب أمس، الأربعاء، إن اهتمام السعودية بمسار نووي ليس جديدا، "إلى جانب التخوفات الموجودة من أنه في ظروف وشروط معينة قد تختار التوجه نحو النووي العسكري".
وأضاف التقرير أنه "رغم أنه لا توجد بعد لدى السعودية قدرة حقيقية، فإن التخوفات من مشروع نووي سعودي تزايدت في شهر آذار/مارس الماضي، عندما أجاب بن سلمان على سؤال، ولأول مرة بصورة علنية وصريحة، إنه إذا اقتنت إيران قدرة نووية عسكرية، فإن السعودية ستقتني قدرة مشابهة ومن دون تأخير".
وبحسب التقرير، فإنه "رغم أن إقامة مفاعل أبحاث نووية ليس شرطا مسبقا وضروريا لإقامة مشروع مفاعلات كبيرة الحجم، إلا أنه من ناحية معينة تعتبر هذه خطوة حكيمة لدولة فقيرة بالبنية التحتية البشرية والتكنولوجية. لكن خطوة كهذه من شأنها أن تثير قلقا، إذا اتضح أن هدفها ليس فقط تأهيل عاملين في مشروع إقامة مفاعلات في الدولة وإنما من أجل إعداد بنية تحتية لإنتاج محتمل للبلوتونيوم أيضا لوقود نووي ليتم فحصه في مفاعل الأبحاث".
وتوقع التقرير أن "تطالب الولايات المتحدة بأن يُزوّد المفاعل بوقود مخصب حتى نسبة 20%"، لأن "هذا الأمر سيمنع استخدام الوقود من أجل فصل البلوتونيوم عنه، ويضع مصاعب، لكن لن يمنع تخصيب أورانيوم طبيعي من أجل إنتاج بلوتونيوم منه. وليس معقولا أن تزود الدول العظمى الخمس الرياض بمفاعل مزود بأورانيوم طبيعي، يسهل منه إنتاج بلوتونيوم لأغراض عسكرية".
واضاف التقرير أن المفاوضات الأميركية – السعودية حول التعاون النووي استؤفت في العام الأخير، لكنها وصلت إلى "طريق مسدود"، بعدما رفضت السعودية التنازل عن "حقها" في تخصيب اليورانيوم، الذي يمكن استخدامه كوقود نووي لمشروع مفاعلات توليد الكهرباء. "لكن إدارة (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب تدرس تغيير التوجه والسماح بالتخصيب في السعودية تحت قيود".
تهوّر بن سلمان
أشار التقرير إلى أن مشرّعين أميركيين، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يطرحون تخوفات في هذه الأثناء حول النوايا السعودية في المجال النووي، على خلفية الأداء المتهور لبن سلمان. "ويطالب عدد منهم، الآن، بتعليق المفاوضات السرية مع السعودية في أعقاب اغتيال الصحافي جمال خاشقجي وتدخل السعودية في اليمن. ويتوقع أن تتزايد الضغوط من جهة الكونغرس، الآن، إذ أن مشرّعين كثيرين يطلبون إجراء ’إعادة تقييم’ لمجمل العلاقات مع الرياض، الأمر الذي سيصعب أكثر على المفاوضات النووية".
وتسعى السعودية إلى خوض سباق في المجال النووي مع إيران، وأعلنت منذ سنوات عن برنامج نووي، لبناء 16 مفاعلا نوويا. لكن موعد إنهاء بناء هذه الفاعلات يتأجل مرة تلو الأخرى، والتقديرات الأخيرة تتحدث عن انتهائه في العام 2040. وأعلنت السعودية أنها ستختار واحدة من الدولة التي ستبني مفاعلين نوويين في السعودية، من بين دول قدمت مقترحات بهذا الخصوص، وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وكوريا الجنوبية. ويتوقع انتهاء العمل في المفاعلين في نهاية العقد المقبل.
وقال التقرير إنه على الرغم من أن السعودية تطرح ادعاءات عديدة بشأن حاجتها إلى طاقة نووية، "لكن من الواضح جدا أن الدافع الأساس حاليا هو الأمني. وبنظر السعودية، فإن الاتفاق النووي مع إيران زاد عدوانية طهران ولم يوقف تطلعاتها النووية البعيدة الأمد. ودافع آخر هو الهيبة. إذ أنه مثلما لا يريد السعوديون أن يكونوا متخلفين وراء إيران، فإنهم ليسوا مرتاحين من التقدم السريع نسبيا الذي حققته الإمارات المتحدة في هذا المجال".
ورأى التقرير أن "تطوير برنامج نووي مدني سعودي هو غاية لأمد بعيد بسبب غياب الخبرة والمنشآت الملائمة في المملكة. والاتفاق (النووي) مع إيران، إذا بقي على حاله، يمنح السعودية قرابة عشر سنوات، سيكون بإمكانها خلالها تطوير جهد نووي ’مدني’، من دون الانسحاب من معاهدة منع انتشار السلاح النووي. وفي الأمد القريب، وبموجب سيناريو تنطلق فيه إيران نحو صنع سلاح نووي خلال هذه الفترة، من الجائز أن للسعودية ردا معينا من خلال باكستان. ورغم الخلافات بينهما في السنوات الأخيرة، إلا أن باكستان ما زالت تشكل سندا إستراتيجيا للسعودية، وقد تمنحها مساعدة في مجال السلاح النووي".
معضلة إسرائيل
قال التقرير إن "إسرائيل تقف أمام معضلة. من جهة، موافقتها، وإن كانت صامتة، على قدرة تخصيب في السعودية في إطار مفاوضات بينها وبين الولايات المتحدة قد يؤدي إلى سباق إقليمي، إذا سعت دول مثل الأردن ومصر وتركيا للحصول على هذا ’الحق’... ومن الجهة الأخرى، فإن لإسرائيل مصلحة بأن الولايات المتحدة وليس الصين أو روسيا، هي التي ستحظى بالدخول إلى السوق النووي السعودي".
ورجح التقرير أن "تضغط الولايات المتحدة من أجل منح المصادقة لكوريا الجنوبية كي تبني مفاعلات توليد كهرباء. وستتمكن واشنطن بذلك من الاطلاع على ما يحدث في هذا المجال هناك، وتحظى برافعة تأثير أخرى على الرياض. وبهذه الطريقة سيكون بالإمكان تقليص قدرة ومحفز السعودية لتطوير قدرة نووية في السر... كما أن الدولة التي ستزود المفاعل ستشي بقدر كبير بغايته، لأنه من الواضح جدا أنه سيكون لمزود كهذا تأثير كبير على غايته المستقبلية وعلى تزويد مفاعلات التوليد أيضا".
ورأى التقرير أن "الرياض لن تنجح في استكمال مشروع نووي ثابت من مساعدة مكثفة من الخارج. وستضطر الولايات المتحدة والسعودية إلى التوصل إلى تسوية. وإحدى الإمكانيات هي منح شراكة، مالية وليس تقنية، لمنشأة أميركية تخصب اليورانيوم، من مواد خام سعودية. وإمكانية أخرى معقولة أقل هي أن تقيم الولايات المتحدة وتشغل منشأة تخصيب في الأراضي السعودية. ويسعى الرئيس ترامب إلى الحفاظ على علاقاته مع الرياض ويرى أمام أعينه مصلحة الصناعات النووية الأميركية التي تعاني من مصاعب".
وخلص التقرير إلى أنه "جدير بإسرائيل، التي تتقاسم مصالح هامة مع الرياض، وبموجب تقارير فإنها تجري تعاونا معها، أن تعمل في واشنطن من أجل منع منح قدرة تخصيب غير محدودة للسعودية وأن تحاول التيقن من أن تكون الصفقة النووية بينهما، إذا خرجت إلى حيز التنفيذ، قريبة بقدر الإمكان من معيار متشدد".