وأخيرا انفض اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني بعد عقد دورته العادية الثلاثين في مدينة رام الله تحت عنوان "الخان الأحمر والدفاع عن الثوابت الوطنية" في ظل مقاطعة فلسطينية واسعة، وطعن في شرعيته من قبل كبريات الفصائل والقوى الفلسطينية الفاعلة، وسط اتهام لرئيس السلطة الفلسطينية وحركة فتح بالاستفراد في القرار الوطني الفلسطيني وغياب واحد وثلاثين عضوا من بين أعضاء المجلس احتجاجا على عقده دون توافق فلسطيني.
نبرة التهديد والوعيد التي أطلقها رئيس السلطة الفلسطينية تجاه غزة وحماس في كلمته الافتتاحية فاجأت غالبية أبناء الشعب الفلسطيني كونه اتهم أهالي غزة جميعا بالاصطفاف إلى جانب أفكار الأعداء، ووضع حركة حماس التي تُعتبر أحد المكونات الفلسطينية الرئيسية في بوتقة واحدة مع دولة الاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية، معتبرا أن باب المصالحة الفلسطينية قد أُقفل بشكل نهائي.
ورغم إقرار المجلس بتنكر دولة الاحتلال للاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير وما ترتب عليها من نكوص الاحتلال عن جميع التزاماته تجاه الشعب الفلسطيني فإن القرارات التي أقرها المجلس المركزي في جلسته الأخيرة مثل وقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة، والانفكاك الاقتصادي عن دولة الاحتلال لا تختلف كثيرا في مضمونها عن قرارات المجلس السابقة كونه أحال المتابعة والتنفيذ إلى رئيس السلطة الفلسطينية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية دون وضع جداول زمنية محددة لتنفيذ أيٍّ من تلك القرارات.
علاقة السلطة مع دولة الاحتلال
وحول قدرة السلطة الفلسطينية على تنفيذ قرارات المجلس المركزي يرى الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني بأن فُرص تطبيق قرارات المركزي تبقى محدودة، بسبب الانقسام العميق الذي تشهده الحالة الفلسطينية، وهو ما انعكس على جلسة المجلس المركزي التي حضرها 80% من الأعضاء رغم المقاطعة الفصائلية الكبيرة، الأمر الذي يعكس حجم هيمنة حركة فتح على المجلس المركزي، موضحاً أن تنفيذ السلطة لقرارات المجلس سيُضعفها كثيرا بسبب ارتباط التدفق المالي والدعم الدولي المقدم لها بمدى قدرتها على إحداث حالة استقرار على المستويات كافة المحلية والإقليمية والدولية، مؤكدا أن البديل عن وقف التنسيق الأمني هو تكثيف العمل السلمي والمسلح ضد الاستيطان والاحتلال، وهذا سيدفع دولة الاحتلال إلى مواجهة السلطة الفلسطينية والعمل على إفشالها.
كما أشار الدجني إلى أن استمرار حالة الانقسام الفلسطيني يمنح دولة الاحتلال قوة في المناورة والابتزاز لكافة الأطراف الفلسطينية بما يحقق مصالحها، لذلك تعمل على بقاء الواقع الراهن كما هو مع تحسين جزئي للأوضاع الإنسانية في غزة بهدف إنهاء مسيرات العودة التي قد تجر دولة الاحتلال إلى حرب لا ترغب بها في هذا التوقيت.
ويرى الدجني أن دولة الاحتلال مدعومة بالولايات المتحدة ستسعى نحو تفريغ قرارات المجلس المركزي من محتواها من خلال استجابتها لبعض المطالب الفلسطينية المتعلقة بعملية السلام وانطلاق المفاوضات، بموازاة إحداث ضغوطات سياسية على الرئيس عباس من قبل أطراف اقليمية ودولية، وفي ذات الوقت العمل بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية على إيجاد بديل له في حال دخلت القرارات حيز التنفيذ.
من ناحيته فقد طالب النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني حسن خريشة بِحَل لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي والتي يرأسها القيادي في حركة فتح محمد المدني ووقف استقبال رئاسة السلطة الفلسطينية للأكاديميين والسياسيين من مختلف الأحزاب الإسرائيلية في مقر المقاطعة وسط رام الله، باعتبارها الخطوة الأولى نحو تصحيح المسار السياسي للسلطة الفلسطينية، كما أكد خريشة على ضرورة تخلي المتنفذين في السلطة الفلسطينية عن المشاريع المشتركة مع الإسرائيليين وجميع الامتيازات التي يتمتعون بها وفي مقدمتها بطاقات VIP الإسرائيلية، مشيراً إلى ضرورة إعادة العلاقة بين الشعب الفلسطيني ودولة الاحتلال إلى الحالة التصادمية بوصفها الحالة الطبيعية بين أية قوة عسكرية احتلالية وبين شعب يعاني تحت الاحتلال.
وبخصوص تطبيق قرارات المركزي المتعلقة بدولة الاحتلال حذّر خريشة من توجّه السلطة الفلسطينية نحو التدرج في تطبيق القرارات ما يعني عمليا الالتفاف المتعمد عن تنفيذها وهي حالة ليست بعيدة برأيه عن القرارات التي اتخذها المجلس المركزي عام 2015م.
الوحدة الوطنية الفلسطينية
بدوره أوضح الكاتب والمحلل السياسي عدنان أبو عامر إلى أن عدم مشاركة أجسام تنظيمية فاعلة داخل منظمة التحرير في اجتماعات المجلس المركزي كالجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، أظهر حركة فتح معزولة عن الكل الوطني، وأدى إلى عدم قدرة عباس على استصدار قرارات قاسية تحظى بغطاء المجلس، مؤكداً أن السلطة والمنظمة ما زالتا متمسكتين بالشروط القديمة الجديدة اللازمة لإنجاز المصالحة، وهي التمكين ووحدة البرنامج السياسي وسلاح المقاومة، وهو ما تَبَدَّى واضحا في البيان الختامي لاجتماع المجلس المركزي، وما سبقه وأعقبه من تصريحات تشير إلى بقاء المواقف على ذاتها، كما أشار إلى أن تحميل المجلس المركزي الفلسطيني في بيانه الختامي حركة حماس مسئولية الأوضاع المتأزمة في الساحة الفلسطينية، يؤكد النظرة القديمة لمنظمة التحرير الفلسطينية وإفرازاتها من السلطة والحكومة وسواهما في النظر إلى غزة على أنها كيان "مختطف" من قبل حماس، وبالتالي التعامل معها انطلاقا من إبقائها على قيد الحياة، ليس أكثر، تطبيقا لقاعدة "غزة لا تحيا ولا تموت"، مشيرا إلى إمكانية فرض السلطة لعقوبات جديدة ولو بشكل تدريجي على غزة، بعيدا عن الإعلان المستفز لتلك العقوبات دفعة واحدة.
من ناحيته فقد أيّد رئيس معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية إياد الشوربجي ما ذكره أبو عامر في رغبة السلطة زيادة الضغط المتدحرج على غزة دون الوصول إلى قطيعة سياسية كاملة، بهدف توظيف معاناة غزة كورقة مساومة سياسية لأطول فترة ممكنة.
وأضاف الشوربجي أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يستخدم غزة كورقة سياسية أخيرة يحاول من خلالها الضغط على دولة الاحتلال بهدف العودة إلى مسار التسوية خاصة بعد فشل السلطة في تحقيق إنجاز سياسي ملموس ضمن مشروع التسوية الذي وصل إلى طريق مسدود، وإخفاقها في إحداث اختراق حقيقي على صعيد التحركات الدولية الهادفة للانضمام إلى المنظمات الدولية بما فيها محكمة الجنايات الدولية، وتآكل شرعية السلطة وفقدانها لأوراق التأثير السياسي في ظل موقف الولايات المتحدة الذي ازداد تردياً وانحيازاً لدولة الاحتلال، وهرولة الإقليم نحو التطبيع مع دولة الاحتلال متجاوزاً القضية الفلسطينية، في ظل نجاح الاحتلال في تحقيق اختراقات مهمة على صعيد العلاقة والتغلغل في العالم العربي.
وأشار الشوربجي إلى أن مضاعفة السلطة الفلسطينية لضغوطاتها وإجراءاتها ضد غزة إنما تهدف إلى دفع غزة للانفجار بوجه الاحتلال، في ظل تقديرات السلطة بعدم رغبة الاحتلال في حدوث مواجهة مع غزة في هذه الفترة، وهذا يوضح الأسباب الحقيقية لاعتراض السلطة على إبرام التهدئة ورفض إدخال أية تسهيلات لسكان غزة حتى ولو كانت بدوافع إنسانية، زاعمة أن التسهيلات الإنسانية تُسهم في تقويض المشروع الوطني وتطبيق ما يسمى بصفقة القرن الأمريكية عبر فصل غزة عن الضفة وإقامة دولة في غزة.
خيارات غزة المقبلة
تصعيد رئيس السلطة الفلسطينية من لهجته الخطابية ضد حركة حماس وقطاع غزة خلال كلمته في جلسة المجلس المركزي دفع العديد من المراقبين إلى التخوف من إقدام عباس على فرض المزيد من الإجراءات ضد غزة التي تعاني من حالة انهيار اقتصادي متسارعة بفِعل إجراءات السلطة السابقة، حيث يرى الباحث بشئون التنمية محسن أبو رمضان أن الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة الفلسطينية على غزة مطلع يناير 2017م ساهمت في تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وقد انعكس ذلك في تقرير البنك الدولي الأخير الذي تحدث باستفاضة عن نقص السيولة النقدية وأثرها على تراجع مختلف القطاعات الاقتصادية في غزة.
كما حذر أبو رمضان من أن أية إجراءات جديدة تتخذها السلطة الفلسطينية ضد غزة ستعمق من حدة المعاناة الإنسانية فيها، حيث ستسود مظاهر الكساد والركود الاقتصادي وسترتفع معدلات الفقر والبطالة والاعتمادية بصورة أكبر على المساعدات الانسانية المقدمة من الأونروا رغم معاناة الأخيرة أيضاً بسبب تراجع الدعم المالي لها وغيرها من وكالات الإغاثة المحلية والدولية، مشيرا إلى أن تزايد حدة الفقر والبطالة في غزة بشكل أكبر قد يفرز ظواهر اجتماعية خطيرة وفي المقدمة منها تزايد معدلات الهجرة ومحاولات أخذ القانون باليد والانحرافات والانكفاء على الذات والتسول، وربما زيادة الأفكار المتطرفة البعيدة عن تقاليد المجتمع الفلسطيني.
وحول خيارات غزة في ظل مخرجات جلسة المجلس المركزي الأخيرة أكّد الباحث والمحلل السياسي حسن عبدو أن المصالحة الفلسطينية هي الخيار الأقل كلفة للشعب الفلسطيني، داعيا حركة حماس في حال انسداد أفق المصالحة مع حركة فتح إلى تعزيز الدور المصري الهادف إلى إبرام تفاهمات مع دولة الاحتلال تُنهي الحصار المفروض على قطاع غزة.
معهـــــــد فلسطين للدراســــــــات الاستراتيجية
4/11/2018م