بمناسبة مرور ثلاثة عشر عامًا على الانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة، استعرضت القناة الثانية في تقرير لها مواقف الأطراف الإسرائيلية من خطة فك الارتباط، في محاولة للمقاربة بين توقعاتهم وبين الواقع الراهن، ونستعرض أهم ما جاء في التقرير أدناه، لكن الأهم بالنسبة لنا أن الإعلام الاحتلالي وحتى مراكز الدراسات، بما في ذلك النخب، لا زالت تتهرب من إجراء نقاش حقيقي عميق ومسؤول وصريح يتعلق بالاستراتيجيات الحقيقية التي تقود سياسات الحكومات المتعاقبة لنتنياهو، والتي في جوهرها تقوم على إنجاح استراتيجية شارون من خلف خطوته غير العادية بفك الارتباط أو الانسحاب أحادي الجانب من القطاع، وهو ما رفض شارون الإفصاح عنه آنذاك، واكتفي بتلخيص دفاعه عن خطته بتفكيك المستوطنات - التي كان يصف الموقف منها كالموقف من تل أبيب (موقع نتساريم كموقع تل أبيب) - بالقول "توصلت لنتيجة مفادها بأن هذا الأمر حيوي لإسرائيل، هذه الخطة جيدة لإسرائيل في أي سيناريو مستقبلي، نحن نقلل من الاحتكاك اليومي ومن ضحايا كلا الجانبين. سيتم نشر قوات الجيش مجددًا على الحدود الدفاعية، خلف السياج الأمني".
شارون الثعلب الاستراتيجي الماكر فكّك مستوطناته وخرج من القطاع وأعاد نشر قواته وانسحب من الشريط الحدودي مع مصر، الذي كان يطلق عليه "محور فيلادلفيا"، برغم معارضة خبراء الأمن؛ انسحب دون تنسيق مع السلطة، التي لو نسق الأمر معها في إطار مفاوضات لكان بإمكانه ان يحظى بمقابل كبير على المستوى السياسي والأمني، وهو الأمر الذي جعل يوئيل ماركوس (أحد كبار الصحفيين، الذي أجرى مقابلة مع شارون كانت الأولى التي يتحدث فيها عن فك الارتباط) يقول "شددت شعري وسألته: لماذا تصر على إلقاء المفاتيح في الشارع؟! لماذا لا تفاوض السلطة عليها؟!".
وبرغم مرور أكثر من عقد على الانسحاب أحادي الجانب، فإن نخب دولة الاحتلال لا تزال تقرأ المشهد بشكل سطحي ومجزوء (لقد انسحبنا ومنحناكم كل شيء، لكنكم عوضًا عن بناء سنغافورة حوّلتم القطاع إلى تورا بورا)، ونحن نعتقد بأنه لا زال من المبكر الحكم على نتائج الانفصال أحادي الجانب، حيث لا زالت تداعياته تعمل بقوة. وفيما يلي تقرير القناة الثانية:
في مثل هذا اليوم، قبل 13 عامًا، بدأت إسرائيل بالخروج من غزة: تم إخلاء كل المستوطنات في "غوش عتصيون" وأربعة مستوطنات في شمال الضفة، انسحب الجيش لما وراء السياج الأمني، وانفصلنا عن القطاع بشكل رسمي؛ وبذلك تم تنفيذ خطة فك الارتباط التي اقترحها رئيس الحكومة آنذاك أريئيل شارون، الذي قرر أنه لن يكون لإسرائيل أي تواجد بعد ذلك اليوم في غزة، وكذلك رسم حدود جديدة في الجنوب. منذ ذلك الحين وحتى اليوم، حدثت في القطاع عدة عمليات عسكرية؛ ثلاثة عمليات شاملة وواسعة النطاق في غزة، التي تسيطر عليها حماس منذ العام 2006، بالإضافة لعدة جولات تصعيد. كانت الخطة محل خلاف من بدايتها، ووجّه أعضاء الكنيست والوزراء ادعاءات معها وضدها، فمن كان على حق؟
في ديسمبر 2003، كشف شارون لأول مرة عن الخطة، دون أن يجري نقاشًا مسبقًا مع المنظومة الأمنية، وقال "توصلت لنتيجة مفادها بأن هذا الأمر حيوي لإسرائيل"، وأضاف "هذه الخطة جيدة لإسرائيل في أي سيناريو مستقبلي، نحن نقلل من الاحتكاك اليومي وضحايا من كلا الجانبين. سيتم نشر قوات الجيش مجددًا على الحدود الدفاعية، خلف السياج الأمني".
"جائزة للإرهاب"
بعد تقديم الخطة، وجّه أعضاء كنيست من اليمين انتقادات لاذعة للخطوة، على الجانب الأول من الحاجز يقف معسكر شارون وداعمو الانفصال، سواء خارج الائتلاف أو في صفوف أحزاب اليسار الذين اعتقدوا - مثل رئيس الحكومة - بأن الخروج سيكون إيجابيًا لإسرائيل وسيحسّن الوضع الأمني الهش في تلك الأيام. على الجانب الآخر، المعارضون للانفصال، في الائتلاف وداخل "الليكود"، قدروا بأن الخروج من غزة سيشكل دعمًا "للإرهاب"، سيقويه، وسيؤدي لصعود حماس.
وزير الجيش آنذاك كان شاؤول موفاز، الذي حاول صد الانتقادات، وقال بأن الانفصال لن يساعد بتقوية حماس، بل تحديدًا القوات المعتدلة داخل القطاع. "الكثيرون يقولون بأن الوضع الأمني قد يتدهور، لقد رأيت فعليًا الاستعدادات الأمنية لقواتنا في قطاع غزة، سنسيطر على منطقة ما حول السياج، مستوى الإرهاب سينخفض في قطاع غزة".
"كابوس لبننة غزة"
في اليسار، احتضنوا شارون احتضانًا حارًا ودعموا الخطة، رغم أنها شملت انسحابًا أحاديّ الجانب، ما يعني الخروج من غزة بدون اتفاق وبدون تفاهمات مع السلطة الفلسطينية أو مع الفصائل الفلسطينية، لا بالقطاع ولا بالضفة. رئيس حزب "العمل" شمعون بيرس انضم أيضًا للائتلاف في يناير 2015 لدعم الخطوة، بعد أن استقال وزراء حزب "شينوي".
رئيس حزب "ميرتس - ياحد" وعضو الكنيست يوسي بيلين، الذي دعم الخطة، قال بعد أن صوت لصالحها في الكنيست بأن "القرار المهم الذي تم اتخاذه اليوم في الحكومة سيكون قرارًا تاريخيًا فقط إن كانت الخطوة التالية بعده مفاوضات حول اتفاق في إطار خارطة الطرق قبيل حل صيغة جنيف وخطة كلينتون". عضو حزبه يوسي ساريد بارك هو الآخر الخطة قائلًا "الوضع الراهن هو الدعم الأقوى للأطراف الفلسطينية الأكثر تطرفًا، تواجدنا في لبنان هو ما أوجد وقوّى حزب الله، تواجدنا في غزة والمناطق أوجد ويقوّي أيضًا حماس".
الخطة - كما ذكر - كان لها معارضون من اليمين أيضًا، وحتى من داخل حزب رئيس الحكومة. من قاد المعسكر الذي عارض الانفصال هو بنيامين نتنياهو، يسرائيل كاتس، ليمور ليفنات ودان نافيه، نتنياهو (وزير المالية آنذاك) هدد بانه سيستقيل من الحكومة في حال لم يتم عقد استفتاء شعبي لبحث الدعم الشعبي لفك الارتباط. في نهاية المطاف، وعلى الرغم من التصريحات، صوّت مع الخطة وبقي في الحكومة، لكن قبل ذلك حذر بالقول "تعزيز الانسحاب يساعد على تعزيز العناصر الإرهابية، ليس هذا فقط، كابوس لبننة قطاع غزة؛ تحول حماس لمرآة لحزب الله".
أعضاء كنيست آخرون من "الليكود" وجّهوا انتقادات مشابهة، "هذا ليس تصويتًا شخصيًا، هذا تصويت جوهري ضد إعطاء حماس دولة كجائزة للإرهاب" صرح يحيال حزان. ايهود ياتوم شدد "لا نريد حليفًا للرنتيسي كنصر الله، لا نريد أعلامًا خضراء وصفراء بعد يوم من فك الارتباط على بيوت الكنيست المحترقة".