مفاوضات حماس مع مجموعة الـ (3+1) وتدوير الحصار

الإثنين 06 أغسطس 2018 10:15 ص / بتوقيت القدس +2GMT
مفاوضات حماس مع مجموعة الـ (3+1) وتدوير الحصار



اطلس للدراسات / اسماعيل مهرة /

ربما العنوان غريب ومستهجن ويذكر القارئ بعناوين مشابهة مع دول أخرى، لكن البنود المسربة، التي يُقال بأن حماس تناقشها، والتي جاءت ضمن العرض الذي قدّم لها عبر وساطات إقليمية ودولية؛ تطالب حماس بهدنة طويلة ووقف إطلاق نار مع دولة الاحتلال، بما في ذلك المسيرات، مقابل أن يتم الدفع لها من عدة أطراف في المرحلة الأولى، ومن بين هذه الأطراف السلطة ومصر وجهات دولية وإسرائيل، والأخيرة - بحسب ما يتضح - هي أقل الدافعين رغم أنها أول القابضين، وستكون آخر الدافعين، هذا إن دفعت!

والمدفوعات الإسرائيلية ستكون محدودة جدًا في البداية، وسترتبط لاحقًا بملف الأسرى، ألا يعني هذا أن حماس كانت تجرى مفاوضات متعددة الأطراف؟ لكن هذه المفاوضات، وبخلاف ما كان يحدث مع إيران في لوزان، حيث كانت هناك كل الأطراف تجتمع تحت سقف واحد، بينما هنا أكثر من طرف يقوم بعملية التوسط والضغط، والوسطاء تحولوا إلى حاملين للجزر، فميلادينوف يحمل وعدًا بتمويل إعادة الإعمار، ومصر تقدم موافقات لها علاقة بمعبر رفح، وربما قناة بحرية مع ميناء غزة.

وكلّ ذلك - في تقديرنا - يأتي لمساعدة إسرائيل للالتفاف على مطلب رفع الحصار، والذي ليس له معنى سوى حرية تنقل الأفراد والسلع من وإلى القطاع دون عوائق أو اشتراطات أو تدخلات، لا من قبل دولة الاحتلال ولا من قبل طرف ثالث، وكل ما دون ذلك هو نوع من تدوير الحصار.

حركة حماس (وهي الحركة الحاكمة لقطاع غزة منذ أكثر من عقد) تدرك قسوة الحصار واستحالة الحياة معه، وصعوبة أن تستطيع تقديم أيّ نموذج إيجابي للحكم في ظل الحصار، وانعدام سبل الحد الأدنى للمعيشة الانسانية لمليونيْن من سكان القطاع، وقد حاولت وناورت وحاربت من أجل رفعه دون جدوى، ووجدت أخيرًا في مسيرات العودة ورفع الحصار أحد خياراتها، وتأملت أن يدفع ذلك المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل، ودفع إسرائيل لرفع الحصار أو تخفيفه، ودفع الدول العربية والدولية للإسهام في تخفيف معاناة سكان القطاع.

لكن هذه المسيرات التي قدم فيها الفلسطينيون الكثير من التضحيات، ورغم أنها حرّكت الجهد الدولي ولفتت أنظار العالم لمأساة القطاع وفظاعة الحصار؛ إلا أن هذه المسيرات لم تفلح في حلحلة الحصار، والأسوأ أنها سرّعت في احتمالات التدهور نحو تصعيد كبير، وربطت بين الجهود الدولية والعربية وبين تبريد الجبهة وصولًا إلى اتفاق الرزمة، اتفاق يربط بين هدنة طويلة الأمد وبين تخفيف الحصار إسرائيليًا وتدويره عربيًا ودوليًا، وربطه مع ملف الجنود الأسرى بشكل منفصل إجرائيًا، لكنه مرتبط بالتوازي مع بقية الإجراءات التسهيلية.

وهنا باتت حركة حماس - وفي ظل فشل المصالحة أو إحجام طرفيْها عن إنجاحها - أمام أحد خياريْن؛ إما الرفض وقبول الذهاب للتصعيد وتحمّل كامل المسؤولية عن استمرار المعاناة وكوارث تداعيات التصعيد، ويترافق ذلك مع تهديدات كبيرة كان ينقلها الوسطاء بهدف ممارسة الضغط، أو القبول بالانفتاح على المقترحات المقدمة دوليًا وعربيًا، وهي بتقديرنا تدرك أن أحلى الخيارين مُر.

برغم أننا نعتقد بأن الأمر لم يكن محصورًا فقط بذانك الخيارين، فلا زال أمامها خيار استمرار الحراك الشعبي بضوابط عدم الانجرار للتصعيد والتمسك بإنجاح مسار المصالحة. وإن الذهاب إلى التفاوض قبل أن نكون قد امتلكنا من القوة ما نستطيع أن نفرض على عدونا أن يغيّر مضطرًا من مواقفه، سيقود حتمًا إلى نتائج غير مرضية لنا، وسنكشف أنفسنا لنوع من الابتزاز، وهذا ما عبر عنه ليبرمان في أحد لقاءاته بالقول "هذا هو الوقت المناسب لابتزازهم".

وبتقديرنا فإن الابتزاز يحدث هنا على مساريْن، الأول: مسار القبول لأول مرة بهدنة طويلة الأمد على خلاف ما جرى سابقًا واصطلح عليه بمفهوم التهدئة، والفرق كبير بين المصطلحيْن من حيث الالتزامات والتأثيرات والسياقات والمغازي السياسية، فالتهدئة هي وقف للتدهور وللعدوان غير مرتبط بسقف زمني أو بالتزامات، ولا يؤثر على مسار الصراع وترابط ساحاته، بينما الهدنة الطويلة - والتي يُقال بأن حدّها الأدنى خمس سنوات، وقد تصل لأكثر من ذلك - يترتب عليها الكثير من الالتزامات، وترتبط بها التسهيلات وأشكال وإجراءات رفع الحصار، فضلًا عن الضمانات الأمنية المختلفة. وإلى جانب ذلك، تؤدي عمليًا لتحييد القطاع ومقاومته عن الصراع، حيث سنكون ملتزمين بهدنة ملزمة ولا نستطيع أن نقدم شيئًا ضد الاستيطان والتهويد مثلًا، لا بالتهديد ولا حتى بالاشتباك السلمي على الأطراف الشرقية للقطاع، والهدنة بهذا الشكل تعني أيضًا تعزيز نهج فصل القطاع، وحل إسرائيل لصراعها مع الفلسطينيين بالتجزئة؛ هدنة لهذا التجمع وتسهيلات لذاك التجمع.

إن الهدنة طويلة الأمد، المترافقة مع التخفيف الإسرائيلي الجزئي للحصار، وتدوير رفعه بالمشاركة العربية، في ظل الانقسام - حسب ما نُشر من تسريبات - تحملُ الكثير من المخاطر الوطنية، ولا تحملُ أيّ ضمانات حقيقية برفع الحصار.