استدعى مسؤولون أمنيون إسرائيليّون رفيعون، مؤخرًا، صحافيين عسكريين في أبرز الصحف الأميركيّة "نيو يورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"وول ستريت جورنال"، لإطلاعهم على تفاصيل عمليّة الموساد في طهران، مطلع العام الجاري، من أجل الحصول على وثائق عن البرنامج النووي الإيراني، عرضها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لاحقًا، في مؤتمر استعراضيّ.
وليس مؤتمر نتنياهو الاستعراضي فقط، إنّما العرض الذي قدّمه الموساد للصحافيين الأميركيين، مؤخرًا، مع التشديد على "دقّة مواعيد" عملاء الموساد، عبر إخبارهم بأن الوقت المخصّص لهم هو ٦ ساعات و٢٩ دقيقة، دون ذكر الطريقة التي دخل بها الوكلاء طهران، أو إن كانوا إسرائيليين أم لا، علمًا بأن جزءًا من هذه المعلومات تم كشفها بالفعل للصحافة الأجنبيّة، بالإضافة إلى حقيقة أن الملفات التي حصل عليها نتنياهو لم تأتِ بجديد، إنّما تؤكّد فقط، معلومات سابقة دون أي تأكيد بأن إيران خرقت الاتفاق النووي مع الدول الكبرى.
العمليّة نفسها (أو طريقة إخراجها)، بإقرار المسؤول الإسرائيلي الرفيع، جاءَت في محاكاة للفيلم الأميركي الشّهير Ocean’s Eleven، الذي يتحدّث عن سطو مسلّح لخزنات في كازينو أميركي.
ففي ليل ٣١ كانون ثانٍ/ يناير الماضي، اخترق وكلاء الموساد مخزنًا في المنطقة الصناعية للعاصمة الإيرانيّة، طهران، وكان الوقت لديهم محدودًا: ستّ ساعات و٢٩ دقيقة، قبل أن يعود أمن الحراسة الصباحي للعمل، بعد تعطيلهم صافرات الإنذار الأمنيّة واختراقهم بابين ومن ثم اختراق عشرات الخزنات، ولاحقًا نقل نصف طن من "المواد السريّة" حول البرنامج النووي الإيراني.
بداية التخطيط للعملية كانت في العام ٢٠١٦، مع وصول معلومات استخباراتيّة للموساد تفيد بأن إيران بدأت بنقل الأرشيف العسكري لمشروع "أماد" إلى مكان سرّي في العاصمة طهران، لإخفائه عن مفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذين سمح لهم الاتفاق النووي المبرم بين إيران والدول الكبرى بتفتيش المنشآت النووية الإيرانيّة.
لاحقًا، حصل الموساد على معلومات تفيد بأن المنشأة السريّة هي إحدى المخازن وسط عشرات المخازن الصّناعيّة، دون أي حراسة أمنية تذكر، في منطقة "شورى آباد" بريف طهران.
ولم يحصل الموساد على معلوماتٍ حول مكان وجود المبنى فقط، إنّما حول المبنى الداخلي ووجود ٣٢ خزنة داخله وقدرته الاستيعابيّة عامّةً، بل وحتى حصل على معلومات أنّ الملفّات السوداء هي المهمّة!
ورغم هذه المعلومات التفصيليّة، إلا أن نقاشاتٍ دارت في قيادة الموساد حول طريقة الحصول على الوثائق، تصويرها أو نقلها بالكامل إلى البلاد، قبل أن يقع الاختيار على الخيار الثاني، لعدّة أسباب، وفق الصحيفة، أوّلها: الاحتفاظ بالتسجيلات والملفّات في خزنات من الصعب إعادة الملفات إليها دون أن يبدو عليها أي أثر. ثانيها: تصوير الملفّات سيجبر وكلاء الموساد على البقاء داخل غرفة الخزنات لمدد زمنية متواصلة، ما سيزيد من احتمال كشفهم. ثالثها: "إبراز الإنجاز الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي، بصورة غير قابلة للتشكيك إيرانيًا".
في البداية، كانت الأوامر لوكلاء الموساد بنقل كل ما تحويه الخزنات، قبل أن يكتشفوا أن ذلك شبه مستحيل، لأن كمية الملفات كبيرة جدًا، وهو ما حدا بالوكلاء إلى الاستيلاء على الملفات السوداء فقط، التي عرفوا أنّها تحوي معلوماتٍ عن برنامج "أماد" النووي.
ومن أجل اختراق هذه الخزنات، واستنادًا إلى المعلومات التي حصل عليها الموساد، نقل وكلاء الموساد معهم أجهزة صهر تصل حرارتها إلى ٢٠٠٠ درجة مئويّة، لصهر الخزنات السميكة التي تتواجد بها الملفّات.