ألغت السلطة الفلسطينية بعض الأحكام القانونية التمييزية ضد النساء في مارس/آذار 2018 كخطوة أولى جيدة، من المفترض أن تتبعها خطوات أخرى باتجاه إلغاء أشكال التمييز الأخرى بالكامل، بما في ذلك التمييز في تسجيل المواليد، قوانين الأحوال الشخصية، والفجوات في المحاسبة على العنف الأسري. على فلسطين إجراء هذه الإصلاحات قبل الاستعراض الأول لسجلها بشأن حقوق المرأة أمام "لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" وهي الهيئة المسؤولة عن تنفيذ اتفاقية سيداو لحقوق المرأة، في جنيف، في يوليو/تموز.
وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في تقرير مفصل لها اليوم الخميس، أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وقّع في 14 مارس/آذار، القانون رقم 5 لسنة 2018، وينص على إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات لعام 1960 النافذ في الضفة الغربية. بناء على تقييم أجرته مديرة بيت آمن يقدم المساعدة للنساء، كان القانون يسمح للمغتصبين المزعومين بالإفلات من الملاحقة القضائية، وكان يسمح للمغتصبين المدانين بالإفلات من السجن إذا تزوجوا ضحاياهم. يعدل القانون الجديد أيضا المادة 99، إذ يحظر على القضاة تخفيف العقوبات على الجرائم الخطيرة، مثل قتل النساء والأطفال.
قالت روثنا بيغم، باحثة حقوق المرأة في الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "سدت السلطة الفلسطينية أخيرا ثغرات سيئة منذ عهد الاستعمار وثغرات قانونية أخرى كانت تسمح للمغتصبين بالإفلات من العقاب حال زواجهم من ضحاياهم، وتعامل قتل النساء كجريمة أخف من قتل الرجال. دول المنطقة الأخرى التي ما زالت بها نصوص قانونية تسمح للمغتصبين بالإفلات من العقاب عن طريق الزواج من الضحايا، وهي الجزائر والبحرين والعراق والكويت وليبيا وسوريا، عليها بدورها أن تلغي هذه النصوص".
وفي أبريل/نيسان، ناقشت هيومن رايتس ووتش حالة النساء مع ممثلين عن وزارة شؤون المرأة والنيابة العامة في فلسطين. كما قابلت هيومن رايتس ووتش 18 ممثلا عن منظمات نسائية متعددة ومنظمات حقوقية ومنظمات دولية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وتشمل الانتهاكات المنهجية المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي، الذي دام 50 عاما، إضفاء الطابع المؤسسي على التمييز، وهدم المنازل والتضييق على الحركة، بما يقوض فعليا حقوق النساء الفلسطينيات في الضفة الغربية وغزة. وثقت هيومن رايتس ووتش أثر هذه الممارسات في مذكرة قُدمت في سياق استعراض سجل إسرائيل أمام لجنة سيداو في أكتوبر/تشرين الأول 2017.
ولا تسري التعديلات الجديدة على القضايا التي لم تفصل فيها المحاكم بعد. وليس من الواضح عدد المغتصبين المزعومين أو المدانين الذين تمكنوا من الإفلات من الملاحقة القضائية أو الإدانة بموجب المادة 308. قالت إخلاص صوفان، وهي مديرة بيت آمن لضحايا العنف في نابلس، لـ هيومن رايتس ووتش، إن بين 2011 و2017 توقفت الملاحقات القضائية الخاصة بالاغتصاب في 60 قضية تخص نساء كان البيت الآمن يساعدهن، بعد أن وافق المغتصبون المزعومون على الزواج من الضحايا. في 15 من هذه القضايا، تم طلاق النساء فيما بعد من هؤلاء الرجال.
وحذرت صوفان و”مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي” من أن العائلات قد تستمر في إكراه النساء والفتيات اللواتي يحملن على الزواج من الرجال، بسبب معوقات استصدار شهادات ميلاد للأطفال خارج الزواج وتجريم الإجهاض.
وورد في تقرير النيابة العامة السنوي لعام 2017 أن 11 من 14 جريمة قتل لنساء في عامي 2016 و2017 في الضفة الغربية – باستثناء المنطقة ج والقدس الشرقية حيث لا صلاحيات للسلطة الفلسطينية – ارتكبها قريب. من غير الواضح إن كان أي من القتلة المزعومين ادعوا أنهم ارتكبوا الجريمة لحماية “شرف” الأسرة.
قالت دارين صالحية، رئيسة نيابة حماية الأسرة من العنف، إنه في حين قدمت وحدتها تدريبا لمراعاة النوع الاجتماعي للشرطة والنيابة في الضفة الغربية، ممن يحققون في قضايا قتل النساء على يد أزواجهن أو أقاربهن ويحيلوها إلى المحكمة، فالقضاة عادة ما يخففون عقوبات المدعى عليهم الذين يتبين أنهم مذنبون. توصلت دراسة صدرت عن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة عام 2014 إلى أن القضاة بالمحاكم الابتدائية دأبوا على تخفيف العقوبات بدعوى أنها جرائم “شرف” في 29 من 37 حكما، وذلك بدراسة عينة عشوائية من القضايا بين عامي 1993 و2013.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن تدريب القضاة والمراقبة الدقيقة للإدانات والأحكام في قضايا العنف ضد المرأة ستكون مسألة مهمة لإنهاء الإفلات من العقاب.
في إصلاح هام آخر في 5 مارس/آذار، أعلن رئيس الوزراء رامي الحمد الله عن قرار الحكومة السماح للنساء الحاضنات لأطفالهن بفتح حسابات مصرفية لصالحهم، وبنقل الأطفال إلى مدارس أخرى، والاستحصال على جوازات سفر لهم.
لكن القانونين المنطبقين على المسلمين، قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم 16 لسنة 1976 النافذ في الضفة الغربية وقانون حقوق العائلة المصري رقم 303 لسنة 1954 النافذ في غزة، لا يعليان المصالح الفضلى للطفل عند تحديد أي من الوالدين هو الذي يجب أن يعيش معه الطفل وأي حقوق حضانة يجب أن تتاح لكل من الطرفين. بموجب هذين القانونين، يبقى للأب حقوق الحضانة حتى إذا كان الطفل يعيش رسميا مع الأم، يمكن إبعاد الطفل تلقائيا حال زواج الأم، لكن لا يسري الأمر نفسه على الأب.
كحاضن للطفل، يمكن للأب أن يسحب نقودًا من حساب مصرفي للطفل تفتحه الأم، حتى إذا كان الطفل يعيش مع الأم، لكن لا يمكن للأم فعل المثل إذا كان الطفل يعيش مع الأب. كما تحتاج الأم إلى إذن الأب للسفر إلى الخارج برفقة الطفل. القانونان يميزان ضد المرأة في الزواج والطلاق والميراث.
ليس في فلسطين قانون للعنف الأسري، ما يصعّب تأمين الحماية للناجيات من العنف الأسري وملاحقة الجناة. توصلت دراسة بيانية أجراها “الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني” عام 2011 على 5,811 أسرة بشأن العنف الجندري، إلى أن 37 بالمئة من النساء المتزوجات المشمولات بالدراسة تعرضن مرة واحدة على الأقل لأحد أشكال العنف على يد الأزواج.
منذ 2006، عندما كشفت هيومن رايتس ووتش عن عدم كفاية التعامل مع العنف الأسري في فلسطين، اتخذت السلطة الفلسطينية بعض الخطوات الإيجابية في الضفة الغربية؛ إذ أنشأت وحدات خاصة بحماية الأسرة في مراكز الشرطة، ووحدات بالنيابات لحماية الأسرة. لكن كان نقص الإطار القانوني اللازم للتصدي للعنف الأسري يعيق عمل هذه الوحدات. قالت دارين صالحية، رئيسة النيابة: “ليست لدينا أوامر حماية أو إجراءات وقائية” تساعد على حماية النساء.
تنظر السلطات الفلسطينية في أمر مشروع قانون لحماية الأسرة يعوض هذه النواقص، إذا تم تعديله بحيث يتسق مع المعايير الدولية. من شأن مثل هذا القانون أن يحدد التزامات الحكومة الأساسية على مسار منع العنف وحماية الناجيات وملاحقة الجناة قضائيا، على حد قول هيومن رايتس ووتش. يجب أن يجرم الاغتصاب الزوجي وأن يراجع تعريف “الأسرة” بحيث يضم الشركاء غير المتزوجين، وأن يتيح التمويل لإنفاذ القانون.
قالت بيغم: “أمام السلطات الفلسطينية فرصة هامة لتبني إصلاحات قبل تدقيق الخبراء الدوليين في سجلها الخاص بحقوق المرأة في يوليو/تموز. لا غنى عن قانون متكامل للعنف الأسري وإصلاح قوانين الأحوال الشخصية لإظهار الالتزام بالمساواة للمرأة وحمايتها”.
القوانين في فلسطين ويد السلطة الفلسطينية المغلولة
تضم القوانين في الضفة الغربية وغزة مزيجا من القوانين الموحدة التي وضعها المجلس التشريعي الفلسطيني وصدق عليها الرئيس. إذا لم يكن قد صدر قانون موحد، تبقى القوانين الأردنية والمصرية وقوانين الانتداب البريطانية سارية.
يسري في الضفة الغربية كل من قانون العقوبات الأردني، رقم 16 لسنة 1960، وقانون الأحوال الشخصية الأردني، رقم 16 لسنة 1976، في حين يسري قانون العقوبات الصادر في عهد الانتداب البريطاني، رقم 74 لسنة 1936 وقانون العائلة المصري رقم 303 لسنة 1954 في غزة. وفي القدس الشرقية، التي ضمتها إسرائيل بشكل غير قانوني في 1967، طبقت إسرائيل القانون المدني الإسرائيلي، وإن ظلت القدس الشرقية أراضٍ محتلة بموجب القانون الدولي.
المادة 9 من القانون الأساسي الفلسطيني الصادر عام 2003 والمعدل في 2005 تنص على المساواة أمام القانون دون تمييز بناء على الجنس. لم ينعقد المجلس التشريعي الفلسطيني كاملا منذ 2006، لكن المادة 43 من القانون الأساسي تسمح للرئيس الفلسطيني بإصدار قرارات رئاسية إلى أن يعاود المجلس الانعقاد ويراجع التشريعات الصادرة عنه. ضمت بعض القرارات الرئاسية تعديلات لقوانين غزة، لكن “حماس” – السلطة الفعلية هناك – لم تطبق هذه القرارات وأصدرت بدلا عنها قرارات منفصلة.
نطاق إنفاذ قوانين السلطة الفلسطينية محدود، إذ لا يمكنها إنفاذ قوانينها في المنطقة ج، التي تمثل 60 بالمئة من الضفة الغربية، حيث للجيش الإسرائيلي سيطرة حصرية، أو في القدس الشرقية، التي تطبق فيها إسرائيل قانونها المدني، وإن ظلت أراض محتلة حسب القانون الدولي. لا يمكن للسلطة الفلسطينية إنفاذ قوانينها في غزة الخاضعة لسيطرة حماس. قالت منظمات معنية بحقوق المرأة ومسؤولون حكوميون لـ هيومن رايتس ووتش إن بعض الرجال الذين يرتكبون جرائم عنف ضد النساء يفرون إلى المنطقة ج أو القدس الشرقية أو إسرائيل، فرارا من الملاحقة القضائية.
أشارت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء في تقريرها لعام 2017 إلى أن “الاحتلال عقبة حقيقية على مسار ممارسة [فلسطين] العناية الواجبة نحو تجنب العنف ضد النساء في المناطق التي ليست لها عليها ولاية كاملة، بسبب تجزّؤ المناطق الخاضعة لسيطرة مختلف الأطراف وبسبب الانقسام السياسي بين سلطة غزة الفعلية وحكومة الدولة الفلسطينية”.
كما أن النساء المعرضات للعنف الأسري في القدس الشرقية يواجهن معوقات خاصة. قالت أهيلة شومر، مديرة جمعية “سوا” – وهي منظمة غير حكومية تدعم الناجيات من العنف الأسري والجنسي – إن: “الكثير من الفلسطينيات لا يردن التعاون ويخشين ما سيجري لهن وكيف قد تستغل الشرطة [الإسرائيلية] الموقف للإضرار بالأسرة إذا تقدمن بشكاوى. إذا حاولت امرأة الذهاب للشرطة [الإسرائيلية] تصمها الأسرة والمجتمع باللجوء للاحتلال والإضرار بأسرتها”.
الأطفال المولودون خارج الزواج
تطالب السلطات الفلسطينية بالاطلاع على شهادة الزواج قبل إصدار شهادات الميلاد. في الضفة الغربية، يمكن للأمهات استصدار شهادات الميلاد لأطفالهن المولودين خارج الزواج، لكن لا يمكن أن يحمل هؤلاء الأطفال اسم أسرة، ما يعرضهم للوصم. حتى إذا تم تبني هؤلاء الأطفال، فالعائلة التي تتبنى الطفل لا يمكنها منحه اسم الأسرة. قال مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي (مركز المرأة) أنه يعرف بـ 27 طفلا بهذه الحالة في عناية وزارة التنمية الاجتماعية.
حذرت رندة سنيورة، مديرة مركز المرأة، من أن العائلات قد تحاول إجبار النساء والفتيات على الزواج من المغتصبين المزعومين، أو من رجال دخلن في علاقات دون زواج معهن “ما لم توفر السلطات الإجهاض الآمن والقانوني وتتيح تسجيل الأطفال المولودين خارج الزواج”.
قالت مديرة بيت آمن لضحايا العنف إن المؤسسة نصحت امرأة عمرها 22 عاما جاءت إليهم وهي حامل في الشهر السادس بالزواج من أب الطفل للمساعدة في تسجيل الطفل باسم الأب. فعلت هذا ثم تطلقت منه بعد أسبوع.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات الفلسطينية الكف عن طلب شهادات الزواج لتسجيل المواليد. عليها أن تسمح للنساء بتسجيل الأطفال باسم الأسرة الذي يخترنه، وأن تضمن عدم تعرض الأطفال للتمييز بسبب الوضع العائلي للأب أو الأم.
تجريم الإجهاض
يجرم الإجهاضَ كل من قانون العقوبات لعام 1960 المعمول به في الضفة الغربية وقانون العقوبات لعام 1936 المطبق في غزة. يمكن للنساء نيل عقوبات مخففة للإجهاض غير القانوني بموجب قانون العقوبات لعام 1960 إذا ما كان بحجة “الشرف”.
عمليا، قد تسمح السلطات بالإجهاض في الأشهر الأربعة الأولى من الحمل في حالات الاغتصاب أو سفاح القربى، أو إذا كانت الأم تعاني من إعاقة أو تعرضت حياتها للخطر. ومع ذلك، تقول صوفان، مديرة البيت الآمن في نابلس، “إنه أمر صعب، فيجب أن يتفق كل من المفتي والمستشفى والمحكمة على السماح بالإجهاض”. قال صالحية، رئيسة النيابة العامة، إن النيابة حصلت على الإذن لسبع نساء لإجراء عمليات إجهاض عام 2017، وكانت كلها حالات قالت فيها النساء إن الحمل كان نتيجة للاغتصاب أو سفاح القربى، وكنّ في المراحل الأولى من الحمل.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات الفلسطينية إلغاء تجريم الإجهاض.
الأحكام المخففة لما يسمى بـ “جرائم الشرف”
تتعلق هذه الجرائم بحالات يقتل فيها أحد أفراد العائلة قريبته بسبب تجاوز يدّعي أنه ينتهك “شرف” العائلة. وثق مركز المرأة 23 عملية قتل طالت نساء وفتيات فلسطينيات في 2016 في أنحاء الأراضي الفلسطينية، كانت العديد منها متعلقة بـ”الشرف”، أو ادعى القاتل أنها كذلك. قالت “تنمية وإعلام المرأة (تام)” فيتقريرها لعام 2016 إن عمليات القتل تتعلق في الواقع بالميراث أو الانتقام أو غير ذلك من الأسباب، بينما القتلة يقولون إنها متعلقة بـ”شرف العائلة” لنيل عقوبة أخف.
عام 2011، أصدر الرئيس عباس مرسوما يلغي المادة 340 من قانون العقوبات لعام 1960، التي تسمح بتخفيض العقوبة ضد رجل يدان بتهمة قتل أو مهاجمة زوجته أو قريبته الأنثى إذا ادعى أنه وجدها في حالة زنا أو تمارس الجنس خارج الزواج. وعام 2014، أصدر الرئيس مرسوما يعدل المادة 98 من قانون العقوبات لعام 1960، الذي يسمح بتخفيض عقوبات مرتكبي الجريمة جراء “سورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه”. ومنع التعديل استخدام هذا الدفاع “إذا وقع الفعل على أنثى بدواعي الشرف”. كما عدّل المرسوم المادة 18 من قانون العقوبات لعام 1936 الذي يُعمل به في غزة.
ولكن، كما أشارت النيابة العامة في تقرير عام 2014، فإن القضاة في الضفة الغربية غالبا ما يستندون إلى المادة 99 من قانون العقوبات لعام 1960 لتخفيض مدة الأحكام إلى النصف في حالات تتنازل فيها عائلة الضحية – وفي بعض الحالات مثل جرائم “الشرف”، عائلة القاتل أيضا – عن حقها في التماس الملاحقة القضائية. وتنص المادة 99 على عقوبات مخففة في ظروف معينة، ولكنها لا تحدد ما هي. عمليا، تعتبر المحاكم أن للضحايا وأسرهن الحق في التنازل عن المقاضاة كعامل مخفف. وتوصلت دراسة لـ “مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان” عام 2014 إلى أنه في 14 من أصل 37 حكما، في عينة من القضايا اختيرت عشوائيا ما بين 1993 و2014، استند القضاة في أحكامهم الابتدائية إلى المادة 99 لتخفيف الأحكام لقتل نساء تخلت عائلاتهن عن حق الملاحقة القضائية.
يسد القانون رقم (5) لعام 2018 هذه الثغرة بتعديل المادة 99، بحيث تمنع إصدار الأحكام المخففة في الجرائم الخطيرة ضد النساء والأطفال. لكن هذا التعديل لن ينطبق على الحالات الجاري البت فيها عند اعتماده. وتقول صالحية إن النيابة العامة كانت تطالب بشكل روتيني باستئناف القضايا التي تخفف فيها المحاكم العقوبات لقتل النساء. وأشار تقرير النيابة العامة لعام 2014 إلى أنه في 90 بالمئة من قضايا العنف الجندري في المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، استأنفت النيابة العامة الأحكام المخففة بدعوى “سورة الغضب”، أو ظروف تخفيفية لم تكن منطقية، أو اعتمدت على تنازل عائلة الضحية عن المتابعة القضائية.
أخبرت صالحية ورندة سنيورة من مركز المرأة هيومن رايتس ووتش عن قضية سهى الديك التي ينظر فيها القضاء حاليا، حيث يُزعم أنها تعرضت للطعن 25 مرة على يد زوجها ما أدى إلى مقتلها أمام طفليهما في يناير/كانون الثاني 2014. وفي 2016، حكمت عليه المحكمة الابتدائية في نابلس أول الأمر بتهمة القتل العمد، لكنها استخدمت المادتين 97 و98 لتخفيف عقوبته إلى سنتين ونصف سجنا. استأنفت النيابة العامة، وأدانته محكمة الاستئناف بتهمة القتل بسبق الإصرار والترصد وحكمت عليه بالسجن 25 عاما في 2017، لكنها استندت إلى المادة 99 والمدة المقضية في السجن لتخفيفها إلى 10 سنوات.
طعن محاميه في القضية أمام محكمة الاستئناف، التي خففت تهمته إلى القتل العمد، ثم عرض الملف على محكمة الاستئناف من جديد، فحكمت عليه بالسجن 15 سنة، واستندت إلى المادة 99 مرة أخرى لتخفيض عقوبته إلى النصف. قالت صالحية: “نحن بصدد استئناف القضية مرة أخرى أمام محكمة النقض”.
قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد المرأة في تقريرها لعام 2017 إنها أُبلغت بأن الجناة يستخدمون أيضا المادة 62 من قانون العقوبات لعام 1960، الذي يسمح لأولياء الأمور “بتأديب” أطفالهم من خلال العرف العام، كدفاع ضد الاتهامات الموجهة إليهم بأنهم أساؤوا إلى بناتهم أو قتلوهن.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات الفلسطينية أن تراقب الإدانات والأحكام في قضايا العنف الجندري، بما في ذلك جرائم القتل، لضمان عدم استخدام القضاة أحكام قانونية أخرى لتخفيض العقوبات فيها. كما ينبغي أن تستثمر في تدريب القضاة لمراعاة النوع الاجتماعي، لا سيما فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة.
التمييز في الزواج والطلاق والقرارات المتعلقة بالأطفال
قرار مجلس الوزراء بمنح النساء حضانة أطفالهن، وفتح حسابات بنكية لهم، ونقلهم إلى مدارس مختلفة، والاستحصال على جوازات سفر لهم هو تقدم هام، لكن المرأة لا تزال تحظى بمكانة أدنى في القانون. قالت صباح سلامة، المنسقة لدى “منتدى مناهضة العنف ضد المرأة”، الذي يمثل ائتلافا من 17 منظمة غير حكومية، لـ هيومن رايتس ووتش إن “تلك الإصلاحات مجرد إجراءات إدارية وهي غير كافية”. وقالت إن الآباء هم الأوصياء الرسميون على الأطفال في قانون الأحوال الشخصية، بغض النظر عما إذا كانت لديهم الحضانة، مما يمكّنهم من سحب المال من حساب أطفالهم البنكي حتى إن كانت الأم من فتحه.
ينص قانون الطفل الفلسطيني لعام 2004 على أنه ينبغي للدولة، بما فيها المحاكم، أن تأخذ مصالح الطفل الفضلى بعين الاعتبار في جميع إجراءاتها. لكن قوانين الأحوال الشخصية تميز ضد المرأة من خلال السماح للرجال بالاحتفاظ بحقوق الوصاية حتى إن كان الأطفال يعيشون مع أمهم، والموافقة على فقدان الأم الوصاية إذا تزوجت من جديد.
وبموجب قانون الأحوال الشخصية الخاص بالمسلمين، يمكن أن يتخذ الرجال 4 زوجات، في حين لا يمكن للمرأة أن تتزوج دون إذن ولي الأمر، إلا إن كانت قد تزوجت من قبل، أو حصلت على موافقة محكمة على زواجها بدون إذن من ولي الأمر أو رغم رفضه. كما تطالب القوانين الزوجات بطاعة أزواجهن – بما في ذلك عندما يغير الأزواج محل الإقامة أو يمنعونهن من العمل. وينفرد الرجال بحق الطلاق، في حين يجب على النساء تقديم طلبات الطلاق إلى المحاكم لأسباب محددة.
وقالت إخلاص صوفان، مديرة البيت الآمن في نابلس، لـ هيومن رايتس ووتش إن “قضايا الطلاق قد تطول سنتين أو ثلاث لأن الزوج يمكنه الادعاء بأنه يريد الصلح وهو في الحقيقة لا يريد ذلك”. ويتعلق هذا الأمر بالقضايا التي تطلب فيها النساء الطلاق لـ “الشقاق” بموجب المادة 132 من قانون الأحوال الشخصية في الضفة الغربية أو “للضرر” بموجب المادة 97 من قانون حقوق العائلة في غزة، شريطة خضوع الزوجين لعملية صلح إجبارية. وفي الضفة الغربية، تُطالب المحاكم بمحاولة الصلح حتى إن قالت الزوجة بتعرضها للعنف الأسري، وإحالة الملف على محكّمين يحاولون بدورهم التوصل إلى الصلح بين الزوجين قبل التوصية بالطلاق.
تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى “عائشة” (30 عاما)، التي غيرنا اسمها لضمان أمنها. طلبت عائشة الطلاق في نابلس عام 2016 بعد سنوات من العنف الأسري، حسب قولها. قالت إن القاضي لم يوافق بعد على الطلاق وحاول الإصلاح بين الزوجين. وقالت: “في آخر مرة ذهبنا إلى المحكمة في مارس/آذار (2018)، منحه القاضي مهلة شهر لتحسين سلوكه لعلنا نستطيع العيش معا من جديد، لكنني قلت: ´لا، لا أظن أن بإمكاننا التصالح بعد سنتين′”.
قال مسؤول من وزارة شؤون المرأة إن الحكومة أنشأت في مارس/آذار لجنة وزارية لمراجعة قوانين الأحوال الشخصية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات الفلسطينية أن تضمن تمتع النساء بحقوق متساوية مع الرجال فيما يتعلق بالزواج والطلاق والوصاية على الأطفال والميراث.
حماية غير كافية من العنف الأسري
أظهر مسح العنف في المجتمع الفلسطيني لعام 2011، الذي أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وشمل 5,811 أسرة معنية بالعنف الجندري، أن 30 بالمئة من النساء المتزوجات في الضفة الغربية و51 بالمئة في قطاع غزة تعرضن على الأقل لأحد أشكال العنف من قبل أزواجهن. وقالت أقل من 1 بالمئة منهن إنهن طلبن مساعدة الشرطة. قالت صوفان إن العنف الأسري مستمر لأنه “لا يوجد أي رادع قانوني أو اجتماعي”، ولأن المعتدي “يعرف أنه يستطيع الإفلات من العقاب”.
تضغط منظمات حقوق المرأة من أجل تبني قانون للعنف الأسري منذ عام 2007. وتقوم لجنة التنسيق الوزاري بمراجعة مشروع قانون حماية الأسرة الذي أوصت منظمات حقوق المرأة بتعديله. راجعت هيومن رايتس ووتش المسودة ووجدت عدة مقتضيات إيجابية، مثل إنشاء أوامر الحماية الطارئة (التي تُعرف أيضا باسم أوامر التقييد) لحظر الاتصال بين المتهم والضحية، بما في ذلك إخراج المتهم من المنزل؛ تجريم أشكال العنف بما فيها الزواج القسري؛ زيادة العقوبات على العنف الجسدي؛ وتحديد واجبات الشرطة ووحدات حماية الأسرة لقبول الشكاوى والتحقيق ومساعدة الناجيات وحمايتهن.
ومع ذلك، لا يحدد مشروع القانون بوضوح التزامات الحكومة الرئيسية لمنع العنف وحماية الناجيات ومقاضاة المعتدين. ينبغي على السلطات تعديل قانون العقوبات لتعريف الاغتصاب بصفته انتهاكا ذا طابع جنسي لأي جزء من جسد الضحية بجسم أو عضو جنسي، دون موافقة أو في ظل ظروف قسرية. يجب أن يشير القانون أيضا إلى أن الاعتداء الجنسي هو فئة أوسع ويشمل أشكالا أخرى من الاعتداء غير الولوج، وأن يجرّم الاغتصاب الزوجي بشكل صريح.
لا يشمل قانون العقوبات لعام 1960 في الضفة الغربية الاغتصاب الزوجي. قال صالحية: “إذا قالت امرأة متزوجة إنها تعرضت للاغتصاب، فهي ليست جريمة بحسب قانون العقوبات والمحاكم الشرعية. ولكن إذا كانت تحمل علامات اعتداء، فإننا نحقق في الأمر على أنه اعتداء جسدي وليس اغتصابا”. لكن العقوبات للتسبب في إصابات غير خطيرة أقل من عقوبات الاغتصاب.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات الفلسطينية أيضا مراجعة تعريف “الأسرة” في مشروع القانون ليشمل الشركاء غير الزوجيين وتمويل الإنفاذ. فقانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري في لبنان، ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل، يشمل ﺁﻟﻴﺔ ﻟﺘﻤﻮﻳﻞ ﻤﺴﺎﻋﺪة اﻟﻨﺎﺟﻴات وﺗﺪاﺑﻴﺮ ﻟلحماية من اﻟﻌﻨﻒ الأسري ومنعه، واﻟﻘﺎﻧﻮن المغربي 103-13 لمكافحة العنف ضد المرأة يشمل العنف الأسري من قبل خطيبها.
في السنوات الأخيرة، اعتمد تقريبا نصف الدول والمناطق ذاتية الحكم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شكلا من أشكال التشريعات أو التنظيمات المتعلقة بالعنف الأسري، منها الجزائر والبحرين وإقليم كردستان العراق وإسرائيل والأردن ولبنان والمغرب وتونس والسعودية. وتختلف هذه القوانين في درجة امتثالها للمعايير الدولية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات الفلسطينية تعديل قانون حماية الأسرة لضمان الحماية الكاملة للناجيات واعتماده بسرعة.
التزامات فلسطين بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان
انضمت فلسطين إلى اتفاقية سيداو في أبريل/نيسان 2014 بدون تحفظات أو بيانات، وهي الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي قامت بذلك. دعت منظمات حقوق المرأة السلطة الفلسطينية لنشر الاتفاقية في جريدتها الرسمية، لجعلها ملزمة بموجب القانون الأساسي الفلسطيني.
وتطالب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الدول الأطراف بـ”اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريع، ﻟﺘﻌﺪﻳﻞ أو إﻟﻐﺎء اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ و اﻷﻧﻈﻤﺔ واﻷﻋﺮاف واﻟﻤﻤﺎرسات اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ اﻟﺘﻲ تشكل تمييزا ﺿﺪ اﻟﻤﺮأة”.
تحدد اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، التي انضمت إليها فلسطين في أبريل/نيسان 2014 دون تحفظات، التزامات الدول بتسجيل الأطفال فور ولادتهم، وتفصّل حقهم في التسمية منذ الولادة. لا يمكن أن يقوض الحقَّ في تسجيل المواليد أيُّ تمييز من أي نوع، بما في ذلك جنس الطفل أو الوصي القانوني أو الأبوين، أو غير ذلك من الأوضاع الاجتماعية، بما فيها الحالة الزوجية. وهي تطالب الحكومة بضمان مراعاة مصالح الطفل الفضلى بشكل رئيسي في جميع الإجراءات المتعلقة بالأطفال.