أبو جابر الخليلي والقدس «توفيق فياض»..عادل الأسطة

الأحد 15 أبريل 2018 09:53 ص / بتوقيت القدس +2GMT



أنفقت في الأسبوع الماضي ثلاث محاضرات ناقشت فيها صورة القدس في قصة توفيق فياض "أبو جابر الخليلي" من مجموعته القصصية "البهلول" 1978.
وكنت من قبل درستها وقدمت ورقة علمية لمؤتمر عقدته جامعة القدس عن مدينة القدس، وتناولت في دراستي أربعة كتاب قصة قصيرة كتبوا عن المدينة هم: خليل السواحري ومحمود شقير وتوفيق فياض وأكرم هنية.
في المحاضرة قلت كلاما لم أكتبه وخطرت ببالي مقولات نظرية التلقي الألمانية الذاهبة إلى أن قراءة نص واحد من قارئين مختلفين تؤدي إلى قراءتين مختلفتين، بل إن قراءة النص الواحد من القارئ نفسه في زمنين مختلفين تؤدي إلى قراءتين مختلفتين. 
وكنت فعلت هذا من قبل وأنا أدرس أشعار مظفر النواب حيث تناولت قصيدة "بحار البحاربن" في 1978/ 79 وفي 1999 ولاحظت اختلاف كتابتي اختلافا كبيرا ولذلك أسباب عديدة أهمها اختلاف ثقافة الناقد واتساع مداركه وتجاربه و...و....
في المحاضرة وأنا أدرس القصة التفت إلى أشياء جديدة منها التعدد اللساني لتعدد الشخوص واختلافهم. 
هل يمكن أن يلتفت إلى هذا التعدد اللساني شخص لم يصغ إلى اللهجات المحكية في مدينة القدس؟ 
قبل عام تقريبا شاركت في مؤتمر المدينة في الأدب الفلسطيني الذي عقد في كلية القاسمي في باقة الغربية  وتناولت روايتين لكاتبين فلسطينيين أحدهما يقيم في القدس هو عارف الحسيني "كافر سبت" وثانيهما لم ير القدس إلا في الكتب ومن خلال الإصغاء إلى الآخرين ممن يعرفون المدينة وهو حسن حميد "مدينة الله" والتفت إلى الجانب اللغوي. 
حين زارنا عارف الحسيني ليتحدث عن روايته "حرام نسبي" أتى على أجواء المدينة وأماكنها وصلته بها، بل وتحدث عن احتفاله بالمكان قبل أن يكتب عنه. وفيما يخص اللغة فقد قال إن هناك لغة خاصة بالمقدسيين - يعني مفردات هي من ابتكار المقدسيين مثل مفردة "الوشتي" وهو محق في ذلك. 
في المحاضرة أتيت على اختلاف لهجات الفلسطينيين حسب مدنهم وكنت ألاحظ هذا على أبناء المخيم الذي أقمت فيه من 1954 حتى آذار 1978. لهجة أهل اللد ولهجة أهل يافا ولهجة أهل حيفا ولهجة الجماسين ولهجة عرب أبو كشك ولهجة أهل الطيرة  و...و...و.... .
لقد تحدثت للطلاب والطالبات عن التعدد اللساني ولم يغب عن ذهني كتابات (ميخائيل باختين) الذي أفاض في الكتابة عن لغة الشعر ولغة الرواية. 
يتعدد الشخوص في الرواية ويتعدد مستواهم الثقافي فيتعدد خطابهم وتتعدد مستويات لغتهم. 
قلت للطلاب لنقارن بين قصة توفيق فياض "أبو جابر الخليلي" ولغة روائي مثل حسن حميد ولنر. 
ولأنني كتبت عن اللغة في رواية حسن حميد فإنني أرى أن لا ضرورة للتكرار. 
لأعد إلى قصة "أبو جابر الخليلي. 
يتعدد الشخوص في مدينة القدس وتتعدد ألسنتهم؛ مقدسيون أصليون ومقدسيون من الخليل وسياح أجانب ويهود كبار وصغار و..و...
أبو جابر الخليلي من الخليل أصلاً وهو غير متعلم أو مثقف لتصقل الثقافة والتعليم لغته وليحسنا من الأداء اللغوي لديه. وهكذا يتكلم اللغة العربية المقبولة روائيا. 
ولكن أبا جابر ليس القصة كلها، فهناك شخوص آخرون، ولما سبق فإن الرجل يصغي إلى آخرين جاؤوا من أماكن مختلفة.
يلتقي أبو جابر الخليلي الذي يعمل حارسا ليليا يلتقي بشخصيات يهودية تتكلم العربية المكسرة التي تستبدل فيها حروف بأخرى، ويتضح ما سبق من خلال الفقرات الآتية: 
"ايش خادا أبو جابغ!. خادا اسم يعني "خغى ".أنت لازم يسمي مثل اخنا يهود، أبو غابي..." ص78 
 - أنت بشوف أبو غابي كيف أنتو كثير مليون، واخنا مش كثير يهود، بس اخنا بغلب..اخنا تساهال زغير، بس بعطيك خازوك كبير أنتو" ص 83. 
-بس أنتو فلستيني بعد بعمل خرب. وبخط بمبا من شان اخنا يهود يموت، لازم انتو بروخ من يروشلايم تبع اخنا يهود بس". 
وواضح ركاكة اللغة وعدم نطق الحروف نطقا صحيحا، عدا الخطاب السياسي الصهيوني. 
إن توفيق فياض ومثله عارف الحسيني ومن قبل خليل السواحري وهناك مقدسيون آخرون وظفوا اللهجات المحكية في القدس في نصوصهم ليسبغوا على القصة جوا واقعيا ولتتسم قصصهم بالصدق الفني. 
هل نعثر في أدبيات المنفى التي كتبها فلسطينيون أو عرب على مثل هذا التعدد اللساني الذي يبدو في قصص من ولد في القدس أو من عاش فيها لفترة طويلة؟
خطر ببالي كل ما سبق وأنا أدرس يوم الخميس قصة توفيق فياض الوارد ذكرها.
لعل الموضوع يحتاج إلى حفر أكثر.