غموض واضح بات يحيط بما يسمى "صفقة القرن"، لكن متابعين للقضية الفلسطينية رأوا أن التحركات العسكرية المصرية في شبه جزيرة سيناء، بالإضافة إلى المساعدات الأميركية الإضافية للأردن توحي بأن هذه الصفقة بدأت بالفعل.
في هذا السياق قال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس خالد مشعل في ندوة سياسية، رداً على سؤال لمراسل "هاف بوست عربي"، إن الفلسطينيين وحدهم سيكونون في مواجهة صفقة القرن.
وأكد أن الطرف الأقوى الذي يعطل هذه الصفقة هو الرئيس الفلسطيني محمود عباس، موضحاً أن الموقفين القطري والتركي الممانع للصفقة أيضاً "لن يكون له تأثير قوي لإيقاف الصفقة مقارنة بموقف الدول العربية الداعم للصفقة خصوصاً مصر والإمارات والسعودية".
ولم نتمكن من العثور على مواقف رسمية تركية أو قطرية قوية معارضة لصفقة القرن، فيما يضعف تأثيرهم على تعطيل مسار الصفقة، باستثناء موقف الرئيس التركي أردوغان الحاسم لرفض قرار ترامب حول القدس، وقد يضع الموقف القطري الضعيف تساؤلات حول أسباب الأزمة القطرية الخليجية والدعوة لمحاصرة قطر.
وأضاف مشعل: "بالرغم من العقوبات التي يفرضها عباس على غزة وحماس، إلا أن أنسب الحلول هو دعم موقفه الرافض للصفقة والوقوف في صفه".
وقال "لن تمر الصفقة ما دام الفلسطينيون لا يريدونها بأي حال من الأحوال، وموقف الصمت الذي تلتزمه الدول العربية الموافقة عليها يجب كشفه".
وكشف مشعل في سياق حديثه، أن صفقة القرن قدمها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للإدارة الأميركية، نقلاً عن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان.
يذكر أن الجيش المصري يقوم الآن بحملة أمنية واسعة في سيناء، تتضمن إقامة منطقة آمنة حول مطار العريش، تشمل 25 كيلومتراً مربعاً. وطبقاً لما ذكره الإعلامي المصري يسري فودة على قناة دويتشه فيله، فإن هذه المنطقة ستلتئم مع امتدادات المنطقة العازلة على حدود غزة في عام 2014، بطول 13 كيلومتراً وعمق 1500 متر، لإيجاد مساحة 600 كم فارغةلبناء مدن فلسطينية وإقامة ميناء بحري ومطار دولي.
وقالت جيلا جملئيل وزيرة الشئون الاجتماعية وحقوق الإنسان الإسرائيلية، بحسب التلفزيون الاسرائيلي يوم 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، إن سيناء ستكون وطنًا للفلسطينيين لإحلال السلام بالشرق الأوسط، فهي الموقع الأفضل للفلسطينيين ليقيموا فيه دولتهم المستقبلية.
وكان الوزير الإسرائيلي أيوب قرا، قد زعم في شهر فبراير/ شباط 2017، أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اقترح إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة وسيناء، مع ترك الضفة الغربية لإسرائيل. وقال إن ترامب ونتنياهو سيوافقان على خطة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإقامة دولة فلسطينية بغزة وسيناء، ليكون ذلك هو السبيل الذي سيمهد الطريق إلى السلام، وتحالف مع المجتمع السني.
هل تُرك الفلسطينيون وحدهم؟
في الوقت الذي يبدو فيه الموقف الفلسطيني من الطرفين فتح وحماس رافضاً لصفقة القرن، إلا أن الانقسام الفلسطيني المتزايد بينهما، وإصرار عباس على نزع سلاح المقاومة في غزة، يضعف الموقف الفلسطيني الموحد ضد الصفقة، فيما بدا الموقف العربي مؤيداً للصفقة.
وعن موافقة السعودية على الصفقة، كشف عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني في مقابلة مع تلفزيون فلسطين الرسمي، أن صفقة القرن نقلت للجانب الفلسطيني عن طريق السعودية في اجتماع عباس مع ولي العهد محمد بن سلمان.
إلا أن السلطة تنصلت لتصريحات مجدلاني، قائلة في بيان لها إنها لا تمثل الموقف الرسمي الفلسطيني، في دلالة واضحة عن منع الحديث عن تفاصيل الصفقة من المستوى الرسمي الدولي والعرب.
ويذكر أن خلافاً وقع وفق مصادر مختلفة بين الرئيس عباس وولي العهد السعودي على صفقة القرن، فيما رفض الأخير تمرير الصفقة.
وأشارت تقارير أن الرياض طلبت من عباس الموافقة على الصفقة مقابل زيادة الدعم المالي للسلطة شهرياً، إلا أن الأخير رفض.
أما الموقف المصري فلم يبدو واضحاً من الصفقة، إلا أن الحملة الأمنية في سيناء تأتي في سياق التوسعات التي بمقتضاها تمضي مصر نحو توسيع قطاع غزة لثلاثة أضعاف مساحته في سيناء، مقابل دولة فلسطينية في غزة وسيناء، ومشاريع اقتصادية وتنموية في البحر الأحمر وبورسعيد.
ويظهر الموقف المصري من خلال تصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الجديدة حول العلاقة مع إسرائيل ودعوة الفلسطينيين للتعايش واستغلال الفرصة التي تدعو لها إدارة ترامب، في إشارة لصفقة سياسية قادمة.
أردنياً، استخدمت الولايات المتحدة الأميركية المساعدات الدولية للضغط على الملك عبدالله الثاني، الرافض للصفقة، متخوفاً من ضياع وصاية الأردن على القدس، وتكلفة الأردن الباهظة نتيجة توطين الفلسطينيين فيها بتمرير صفقة القرن.
فقد كشفت الموازنة التأشيرية للكونغرس الأميركي للعام الحالي عن تخصيص حوالي 1.275 مليار دولار كمساعدات أميركية للأردن، بدلاً من مليار دولار في المعتاد.
والجدير ذكره أن نائب الرئيس الأميركي مايك بنس زار في نهاية يناير/كانون الثاني 2018،زار كلاً من القاهرة وعمان لمحاولة تسويق صفقة القرن، وتضمنت تطمينات أميركية بخصوص المساعدات الدولية لمصر والأردن.
ماذا تتضمن الصفقة؟
أهم بنود صفقة القرن وفق ما كشفه رئيس طاقم المفاوضات في السلطة الفلسطينية صائب عريقات، أن تكون القدس هي عاصمة إسرائيل، ويقيم الفلسطينيون عاصمة دولتهم في قرية أبو ديس القريبة من القدس، ودولة فلسطينية في قطاع غزة مع المساحة المقتطعة من سيناء حتى مطار العريش، إضافة لمناطق "أ" و"ب" في الضفة المحتلة، فيما يعرف بالحكم الذاتي.
وتكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح بالكامل مع قوة شرطية قوية، وإيجاد تعاون أمني ثنائي وإقليمي ودولي مشترك مع مصر والأردن وواشنطن، بالإضافة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، وتهجيرهم من لبنان بتسهيلات منحهم حق اللجوء في العديد من دول العالم.
وفي سياق متصل قال الخبير في الشأن الإسرائيلي عدنان أبو عامر لـ"هاف بوست عربي"، إن الجهد الأميركي الإسرائيلي لتمرير الصفقة سينجح إن لم يتوحد الفلسطينيون تحت إطار واحد لمواجهتها، فهم أصحاب المصلحة الأولى، وأبو مازن يعلن رفضه سراً وعلناً للصفقة".
وأشار أبو عامر، أن إسرائيل تراهن على الانقسام الفلسطيني لتسهيل إمرار الصفقة، إذ إن غياب الموقف الرافض الموحد فلسطينياً، يعني تمرير الصفقة بالقوة.
وأضاف: "يجب التفاهم مؤقتاً بين فتح وحماس وإرجاء القضايا الخلافية الداخلية حتى تمر زوبعة الصفقة كما مرَّت من قبلها المخططات التي تشبهها".
وقال وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني في تصريح لإذاعة صوت فلسطين الرسمية، إن "الإدارة الأميركية بدأت فعلياً تطبيق صفقة القرن من خلال الإجراءات التي اتخذتها"، لافتاً إلى أن رفض القيادة الفلسطينية بقاء واشنطن وسيطاً لعملية السلام، يعني أنها دخلت في مواجهة مباشرة مع الإدارة الأميركية.
الصفقة بدأت والمصالحة انتهت
بدون موعد مسبق دعا جهاز المخابرات المصرية حركة حماس للحضور الفوري إلى القاهرة، يوم 9 فبراير/شباط بوفد رفيع المستوى، تزامناً مع العملية الأمنية التي ابتدأها الجيش المصري في سيناء ضد الجماعات المسلحة، محاولاً إسناد القبائل فيها.
وأغلق معبر رفح فوراً بعد أن افتتح ليوم واحد مر خلاله وفد حماس للقاهرة، وتوزع الفلسطينيون العائدون لقطاع غزة بين العريش ومطار القاهرة، وهم حتى الآن ممنوعون من الدخول لغزة.
وتضاربت التصريحات بشأن نتائج لقاء المخابرات المصرية مع وفد حماس، خصوصاً في موضوع المصالحة الفلسطينية، ففي الوقت الذي أعلن فيه عزام الأحمد أنه لا ترتيبات لحوارات مع حركة حماس بشأن المصالحة الفلسطينية، أشار عضو الوفد المشارك في اجتماعات القاهرة عن حماس، خليل الحية، أن لقاء المخابرات العامة المصرية بحضور الوزير عباس كامل ناقش ملفات مهمة، منها قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن القدس، وملف المصالحة الفلسطينية، وأزمات قطاع غزة، ومعبر رفح.
وعلم مراسل "هاف بوست عربي" من مصدر خاص، أن النقطة المركزية التي دار حولها حوار القاهرة بين المخابرات المصرية وحركة حماس هي الملف الأمني وتأمين حدود غزة، لمنع دخول أفراد الجماعات المسلحة المتطرفة في سيناء لغزة.
وفي سياق متصل أثارت تصريحات القيادي في حماس موسى أبو مرزوق الأخيرة، على صفحته عبر تويتر الرأي الفلسطيني العام، إذ قال: "هناك من غضب لوصفي واقع المصالحة كما هو، فانظروا ماذا قال أبو مازن للأستاذ فريح أبومدين –رئيس سلطة الأراضي السابق في عهد الرئيس عرفات- على حماس أن تفهم ما يلي: إن أرادت المصالحة أن تتخلى بالمطلق عن حكم غزة، وأن تتمكن الحكومة من السيطرة على كل شيء من المال، حتى السلاح، وأن يعاد ترتيب أوضاع غزة من جديد. إذن القضية ليست تمكين الحكومة".
وفي الوقت الذي تمر فيه القضية الفلسطينية على مفترق طرق هام يستدعي توحد حماس وفتح ضد مشروع التصفية الذي يطال قضايا الحل النهائي من القدس واللاجئين والحدود، تكثر الخلافات بين الطرفين، ما يضعف الموقف الموحد لمواجهة التحديات.
ويطرح هنا تساؤل مهم حول جدية مصر في إتمام المصالحة الفلسطينية من عدمها، فهي تركز على البعد الأمني للحدود مع غزة، وتغلق معبر رفح، وغير راغبة في الضغط على السلطة لإتمام المصالحة، مع أنها أقرت من قبل بمرونة حماس في المصالحة ومساعيها الكاملة لتمكين عمل الحكومة في غزة.
وأشار الباحث في العلاقات الإقليمية والدولية الفلسطينية محمد أبو سعدة، أن حركة فتح وحماس تعلمان بوجود أنظمة عربية مؤيدة لصفقة القرن، وتخشى من حدوث خلافات معهما، في حين أن صفقة القرن نافذة بغض النظر عن الموقف الفلسطيني منها.
وقال أبو سعدة لـ"هاف بوست عربي"، إن غياب الثقة بين حركتي حماس وفتح جراء استمرار الانقسام الفلسطيني لفترة زمنية طويلة، جعلت كل طرف منهما يسعى لتقديم نفسه للمنظومة الإقليمية والدولية على أنه البديل عن الآخر، حتى وإن كان على حساب القضية الفلسطينية، وقد استغلت أميركا وإسرائيل هذا الخلاف جيداً.
وسيعود وفد حماس من القاهرة مع وفدٍ أمني مصري، قيل إنه لمراقبة الأوضاع في غزة ومتابعة المصالحة، في حين تتخذ فتح موقفاً مضاداً من استكمال المصالحة، وبالرغم من أن حماس وفتح متفقان على تعطيل صفقة القرن بأي شكل من الأشكال إلا أنهما مختلفان تماماً على أرض الواقع، ما يجعل الصفقة تمر على بساط خلافاتهما.