"هآرتس"/ بقلم: تسفي برئيل :- من اجل نجاح إستراتيجية الردع يجب أن يكون لدى الطرف الآخر ما يخسره، وهذه الإستراتيجية لا تنطبق في الوقت الحالي على قطاع غزة لأنه لا يوجد لحماس ما تخسره.
يوجد للجيش يد حرة للعمل ضد الإرهاب، وبإمكانه أن يهاجم أيضا أهداف في سوريا أو سيناء، المسؤولية ملقاة على الجيش لتقديم تقديرات حول التهديدات والفرص وعليه اقتراح طرق للعمل أو وقف المبادرات الحكومية التي تعرض "إسرائيل" للخطر مثل مهاجمة إيران.
ولكن الجيش غير مسموح له شن حرب دون مصادقة الحكومة، وبالطبع يحظر عليه إجراء مفاوضات للتوصل إلى سلام حتى لو أن السلام هو جزء لا يتجزأ عن أمن الدولة.
ولكن هل مسموح للجيش منح الشرعية لسياسة غير أخلاقية بغطاء حرب ضد الإرهاب؟ أو سياسة مغلفة بالحفاظ عن أمن "إسرائيل"؟ هل الجيش لديه الصلاحية لمنع حرب تنبع من هذه السياسة؟ الحالة الفاحصة في هذه اللحظة هي الأزمة الصعبة في قطاع غزة، التي حسب أقوال رئيس الأركان "آيزنكوت" من شأنها أن تؤدي إلى انهيار تام يفضي إلى مواجهة عنيفة قريبا. وزير الجيش"افيغدور ليبرمان" نفى أقوال رئيس الأركان بشكل تام وقال إنه ليس هناك أي كارثة إنسانية في قطاع غزة، ولا يضر إذا كانت حماس واقعة في ذعر طفيف.
ولكن يجب الحذر، إن تحذير "آيزنكوت" لا ينبع بالضرورة من قلق إنساني. هذا تقدير وضع عسكري مهني، مقدم للحكومة. هذا التقدير يستند إلى الاعتراف بأن الجيش الإسرائيلي قام ببناء ميزان ردع أمام حماس، ولكن هذا الردع ناجع شريطة أن يكون لدى الطرف الآخر ما يخسره. وبذلك يشبه بدرجة كبيرة صيغة الردع أمام حزب الله. هذه صيغة سهلة الفهم، تمت صياغتها وتعلمها في أماكن مختلفة في العالم، طالما أن نظام الحكم المحلي يخاف على بقائه وطالما أن ضعفه العسكري يملي ذلك فانه سيمتنع عن شن الحرب.
ولكن عندما يكون حبل النجاة الوحيد له هو هجوم عسكري، لأن السيطرة سحبت من يديه بسبب عدم القدرة على توفير الاحتياجات السكانية للسكان الذين يحكمهم فانه سيهاجم أو سيحاول الوصول إلى المصالحة مع العدو.
خيار المصالحة لا يوجد في قطاع غزة، مثلما هي غائبة في لبنان، والفرق بينهما هو أنه في لبنان ما زالت تعمل قوات كابحة لأن قوة حزب الله السياسية مرتبطة بالتعاون مع أحزاب معادية وهو يخضع لاعتبارات إقليمية وحتى دولية، يتم إملاءها من قبل المصالح الإيرانية والسورية.
وفي غزة لا توجد قوة محلية يمكنها أن تملي على حماس خطواتها. وأيضا مصالحتها مع مصر لم تثمر حتى الآن نتائج تعزز مكانتها، طالما أن معبر رفح لم يفتح بصورة منظمة ومستمرة.
النتيجة هي أن إستراتيجية الحصار التي استهدفت انهيار حماس، أفلست لأنه لم يبق "لإسرائيل" أدوات ضغط مدنية ناجعة على قطاع غزة. الجيش الإسرائيلي والشباك هما أول من أدرك أن حماس يمكنها أن تستخدم كوسيلة مساعدة ضرورية في كبح عمليات إطلاق النار ضد "إسرائيل"، شريطة أن تتمكن من البقاء. في الموازنة بين التهديد الذي تشكله حماس قوية وبين الفائدة التي يمكن جنيها من قوتها، توصل الجيش الإسرائيلي إلى استنتاج هو أنه في الظروف السياسية الحالية يجب تفضيل حكم حماس. هذا ليس خيانة إستراتيجية لصيغة الردع، بل بالذات دعم لها. طالما أن قطاع غزة يتطور اقتصاديا فسيكون لحماس الكثير مما تخسره، هذا برهان عسكري خالص لا يتطلب التفاوض مع حماس حول السلام أو الانسحاب من المناطق.
إن هذه الرؤية تعطي معنى لتهديدات "إسرائيل". لأنه في ظل عدم وجود بني مدنية واقتصاد مزدهر، فليس هناك ما يوجه إليه التهديد. ولكن من اجل تطبيقها فان رئيس الأركان لا يستطيع الاكتفاء فقط بالتحذير أو تقدير وضع. عليه أن يحدد بأن السياسة الحالية هي تهديد "لإسرائيل"، وهي العامل الذي يمكن أن يقود "إسرائيل إلى حرب.
وإذا شعر أنه لا ينجح في اختراق سور غباء الحكومة، الذي يهدد الدولة، فيجب عليه استخلاص الدروس. أي رئيس أركان مستقيم وعقلاني وحكيم وذكي لا يمكنه أن يكون شريكا في مؤامرة غبية تحيكها الحكومة ضد الدولة.