تشمت السعودية علناً بالاحتجاجات المعارضة للحكومة التي اجتاحت عدوها اللدود إيران.
على غرار التغريدات الانتهازية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وصف معلّقون سعوديون هذه الاضطرابات بـ"ضربة موجعة في قلب الخمينية"، موضحين أنَّ هذه الاحتجاجات وضعت إيران على صفيحٍ ساخنٍ كما لو كانت فوق "فوهة بركان"، وأنَّ الانهيار قادم لا محالة.
لكن السعودية، وفق تقرير مجلة Forbes الأميركية، ترتعش من الخوف سراً؛ إذ يُسيطر على صانعي القرار السياسي شعورٌ بأنَّ الاحتجاجات في إيران قد تُستنسَخ -ربما على نطاقٍ أوسع- داخل المملكة العربية السعودية.
كيف ذلك؟
لأنَّ المواطنين السعوديين يتعرضون الآن للعديد من المظالم ذاتها التي دفعت نظراءهم الإيرانيين للنزول إلى الشوارع.
تحديداً، رفعت كلتا الدولتين الدعم عن منتجات وخدمات الطاقة؛ وبدأت بمنح المواطنين مبالغ نقدية صغيرة بدلاً من خدمات الطاقة الرخيصة التي اعتادوا الحصول عليها.
يقول تقرير مجلة Forbes -كتبه جيم كرين، الباحث بمجال الطاقة في معهد بيكر بجامعة رايس في هيوستن بولاية تكساس- إن إيران فعلت ذلك عام 2010 بناءً على رغبة صندوق النقد الدولي وخبراء الاقتصاد بكلية شيكاغو للاقتصاد، وأبقت على الإعانات المدفوعة للعائلات التي تأثرت برفع الدعم عن الطاقة. انخفضت قيمة هذه الإعانات الشهرية منذ ذلك الحين؛ بسبب التضخم من نحو 40 دولاراً أميركياً إلى 13 دولاراً. وكانت الأخبار المتداولة عن تخفيض آخر في قيمة هذه الإعانات أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى الاحتجاجات.
إصلاحات تُشبه التي جرت في إيران
تُعد الإصلاحات التي أجرتها السعودية مؤخراً على دعم الطاقة، نسخةً طبق الأصل من الإصلاح الاقتصادي الإيراني.
ارتفعت أسعار الطاقة في السعودية بشكلٍ كبيرٍ بالنسبة لجميع فئات المواطنين. وبالمقابل، في 21 ديسمبر/كانون الأول 2017، حصلت العائلات السعودية على أول دعم نقدي لها من خلال برنامج "حساب المواطن". وتراوحت المدفوعات من 80 دولاراً أميركياً كحدٍ أدنى إلى 250 دولاراً كحدٍ أقصى، وحصل نحو نصف العائلات السعودية على هذا الدعم.
ورغم أنَّ رواتب السعوديين أعلى كثيراً من رواتب الإيرانيين، ما زال السعوديون يُبدون تذمُّرهم على تويتر بشأن هذه المدفوعات.
ولتزيد الأمر سوءاً، رفعت السعودية -في الأول من يناير/كانون الثاني 2018، وبعد أقل من أسبوعين من إرسال شيكات الدعم- أسعار البنزين مرةً أخرى بأكثر من الضعف بالنسبة لسعر الوقود الممتاز. وبعد أسبوعين من ذلك، فرضت المملكة ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% على كل السلع والخدمات المُبيعة فيها تقريباً.
وقفز سعر غالون البنزين الممتاز في "مملكة النفط" من 46 سنتاً عام 2015 إلى 92 سنتاً عام 2016، ليصبح الآن 2.04 دولار قبل فرض ضريبة القيمة المضافة.
وعلى النقيض، يبلغ سعر غالون البنزين الممتاز في إيران 1.36 دولار فقط.
وكان الرئيس الإيراني، حسن روحاني، يأمل رفع الأسعار إلى المستويات السعودية الحالية بحلول العام المقبل، ولكن الاضطرابات ألقت ظلالاً من الشك الآن على إمكانية تنفيذ هذه الخطة.
في كل من إيران والسعودية، كان الدعم يشجع استهلاك النفط وتخفيض الصادرات الرئيسية، في حين يزيد من تلوث الهواء والازدحام المروري وانبعاثات الكربون.
يدرك العديد من المواطنين السعوديين أن المصلحة الوطنية تقتضي رفع الدعم عن الطاقة. ومع ذلك، لا تحظى هذه الأساليب لإعادة ترتيب العقد الاجتماعي بشعبيةٍ داخل المملكة.
يُوصف فرض الضرائب، على وجه الخصوص، بأنه "غير شرعي" بواسطة علماء الدين في نظر مواطني دولةٍ نفطية استبدادية. ويُفترض أن يتمتع المواطنون بدعمٍ مدى الحياة ورواتب معُفاة من الضرائب في مقابل تأييد الحاكم المطلق.
وتجري مراجعة تلك القيود التي تواجه فرض ضرائب جديدة وتقليل الدعم، لكنَّها تظل شديدة الحساسية. وثلث المواطنين الخليجيين يعارضون أي شكلٍ من أشكال الزيادة في أسعار الطاقة لأي سبب، حتى وإن حصلوا على تعويضٍ ما.
السعودية تتخذ الحيطة
وفي خطوةٍ ربما تُعد بمثابة إدراك أن اضطرابات إيران قد تحدث بالمملكة، كشف عنوان رئيسي تصدَّر موقع قناة "العربية" الأسبوع الماضي، عن إيداع الحكومة السعودية ملياري ريال سعودي في برنامج "حساب المواطن"؛ استعداداً لدفعة شهر يناير/كانون الثاني من الإعانات النقدية.
في إيران، كان أحد العوامل المحفزة للاضطرابات هو إصدار ميزانية أكثر شفافية من المعتاد، أظهرت انخفاضاً بقيمة 5.3 مليار دولار أميركي في خطة الدعم المستهدف التي يحصل 96% من الإيرانيين بموجبها على إعاناتٍ نقدية شهرياً.
تناقضت هذه الخسائر مع الزيادات الكبيرة في المدفوعات للمنظمات الدينية ذات الصلة الوثيقة والمرتبطة بالأجزاء الدينية في النظام الإيراني (قد تتمثل خطوةٌ سعودية مشابهة في زيادةٍ كبيرة بأرباح النفط المخصصة للعائلة الملكية). بطبيعة الحال، لم يكن الإيرانيون راضين عن ذلك، وأبدى العديد منهم استياء في الشوارع والميادين العامة.
سجِّلوا ملاحظاتكم لما يجري بإيران
وبدلاً من التهليل لهذه الاحتجاجات، ينبغي للمسؤولين في السعودية والممالك الخليجية الخمس الأخرى أن يسجلوا ملاحظاتهم؛ فهم سيواجهون المصير ذاته إذا أجروا مثل هذه التغييرات.
وتُعد السلطات السعودية في خضم إعادة هيكلة مهمة للاقتصاد بمواجهة عجز الميزانية المتزايد في بيئةٍ تعاني انخفاض أسعار النفط. وبجانب رفع الدعم، تنوي الرياض بيع حصةٍ من أسهم شركة أرامكو (شركة النفط الوطنية السعودية) ودفع المواطنين العاطلين للعمل في القطاع الخاص.
في الماضي وفق Forbes، قاد تقليل الدعم في إيران الطريق للإصلاحات السعودية. لم تحقق إيران نجاحاً كاملاً، ولكنَّ الجمهورية الإسلامية قللت حصة الدعم في الناتج المحلي الإجمالي من 25% عام 2010 إلى أقل من 4% العام الماضي، وهو ما يعد إنجازاً كبيراً.
ولا بد من الاعتراف بنجاح السعودية في فهم مزايا الإصلاحات الاقتصادية بإيران وامتلاك الشجاعة لتطبيقها، رغم شعورها بالحرج في استقاء أفكارٍ سياسية من خصمها.
يجب أن تُمثل الاحتجاجات الإيرانية تحذيراً للرياض بضرورة إجراء تلك الإصلاحات بحكمةٍ وتدريجياً؛ فالعلاج بالصدمة لن يُجدي نفعاً في دولةٍ مستبدة، والشماتة لن تساعد.