كادت أمٌ أن تقتل ولدها خلال محاولاتها اليائسة لمنعه من السفر وكذلك تفادي إجبارها على الذهاب إلى سوريا رفقة زوجها "المتطرف" والالتحاق بمناطق تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وأعطت الأم ابنها عقاقير مضادة للذهان وسُمَّاً عدة مراتٍ، وذلك لظنها أن بقاءه في المرض سيبقيه بجانبها وسيمنع توجهه إلى المناطق الخطيرة في سوريا، بحسب ما ذكرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، الجمعة 15 ديسمبر/كانون الأول 2017.
وأشارت الصحيفة إلى أن أن المرأة البالغة من العمر 27 عاماً تعمَّدت إعطاء الصبي الدواء لإمراضه على مدار ستة أسابيع بين شهري أغسطس/آب وأكتوبر/تشرين الأول من عام 2015، ولم تذكر الصحيفة اسم المرأة لأسباب قانونية.
الخشية على الابن دفعت الأم إلى تلويث الأنابيب الوريدية المستخدمة لحقن المضادات الحيوية عدة مرات بمادةٍ ضارة مجهولة يُعتَقَد أنَّها برازٌ أو مُنظِّف بالوعات، وتم ذلك عندما كان ابنها يتلقى العلاج في المستشفى.
وقِيل أمام محكمة التاج بمدينة كينغستون الإنكليزية إنَّ المرأة التي تعيش في العاصمة البريطانية لندن، كانت تسعى لإبقاء الفتى الصغير في المستشفى اعتقاداً منها أنَّه سيكون أكثر أماناً هناك.
وحُكِم على المرأة يوم أمس الجمعة، بالسجن لمدة أربعة أعوامٍ وستة أشهر بعد اعترافها بالذنب في ثماني تهم، من بينها إعطاء مادةٍ ضارة بهدف تعريض الحياة للخطر.
ونقلت "الغارديان" عن المحامية كيت أوراغاليغ أنَّ المرأة تعمَّدت إصابة ابنها بوعكةٍ صحية بعدما قضى بعض الوقت في المستشفى بسبب مرضٍ آخر.
وأضافت أنَّ المرأة كانت في "حالة ذُعرٍ كامل" وتحت ضغوطٍ من زوجها السابق لنقل ابنها إلى مناطق سورية خاضعة لسيطرة (داعش). وأشارت كيت إلى أنه "من هنا جاءت الفكرة، فقد بدأت (الأم) تُدرك أنَّها إذا أمرضته، سيضطر المستشفى لإبقائه. وكان ذلك خاطئاً، تماماً مثلما كانت الفكرة نفسها".
وكان الصبي الذي دخل المستشفى عدة مراتٍ في المدة ما بين 23 أغسطس/آب و29 أكتوبر/تشرين الأول يعاني أعراضاً عصبية وعدوى بكتيرية حادة، وأُصيب بغيبوبةٍ في إحدى المرات.
ووُجِدَت البكتيريا -التي اكتُشِفَت في دم الصبي عن طريق التحاليل- كذلك في أمعائه وبالوعات المستشفى ومصارفه.
كيف اكتشفوا أمر الأم؟
كان التخبط في الحالة الصحية للصبي هو ما أثار انتباه موظفي المشفى، حيث لاحظوا أنَّ حالة الصبي تتحسن في النهار وتسوء مرةً أخرى في المساء حين تكون والدته موجودة بجانبه.
ثم توقَّف تجدد مرضه الغامض حين صارت عملية التمريض تجري طوال اليوم. وقال قاضي محكمة التاج بيتر لودر للمرأة المتهمة: "لقد كان ذلك سلوكاً متكرراً، وليس لمرةٍ واحدةٍ وحسب".
وأضاف: "كنتِ تعلمين أنَّ ابنك سيضطر إلى الخضوع لإجراءاتٍ جراحية مؤلمة، وكان من المحتمل أن تُسفر الجرعة التي أعطيتها لابنك في يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول عن وفاته".
وأقرَّ بأنَّ المرأة قررت اتِّباع مسارٍ جامح من أجل تفادي ما كانت تعتبره الضرر الأكبر المتمثل في السفر إلى سوريا، لكن قال إنَّه كان بمقدورها مشاركة مخاوفها مع موظفي المستشفى بدلاً من الاستمرار في إمراض ابنها.
وقال لودر: "أدَّى ما أصبتِ طفلَك به إلى تهديد حياته التي تدَّعين أنَّك كنتِ تسعين لحمايتها تهديداً كبيراً، ويجب أن يكون ذلك واضحاً لكِ".
وذكرت صحيفة "الغارديان" أنَّ الصبي تعافى تماماً منذ ذلك الحين.
المقاتلون الأجانب مصدر قلق
وخلال السنوات الثلاث الماضية انتقلت عائلات بأكملها، أو أفراد منها إلى سوريا والعراق، وأعلنت ولاءها لتنظيم "داعش" الذي كان يستهدف الأوروبيين عبر شبكة الإنترنت.
ولا تمتلك الحكومات الأوروبية التفاصيل الكاملة والعدد الحقيقي عن عدد العائلات الموجودة في سوريا، إلا أنه مع خسارة "داعش" لمعاقله الرئيسية في العراق بشكل كامل، وفي سوريا حيث لم يعد له سوى جيوب صغيرة، فإنه بحسب تقارير صحفية عاد مقاتلون أجانب كانوا مع التنظيم إلى بلدانهم الأوروبية.
وكانت صحيفة "الغارديان" قد أشارت في تقرير سابق، عن المشكلات التي يواجهها أبناء المقاتلين الأجانب في سوريا، حيث ترفض الدول التي ينحدرون منها استقبالهم.
ويقول المنسق الوطني للاستخبارات الفرنسية ديديه لو بري إن المقاتلين الأجانب يغادرون التنظيم، لأنهم يشعرون بأن العد العكسي قد بدأ. وأشار في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية: "كثيرون بدأوا يوجهون لنا رسائل ليعرفوا كيف يمكنهم العودة، لم تعد الخلافة المظفرة في طور التوسع، ونعرف أن بعضهم يتعرض للقتل عندما يحاول الهرب".
ويضيف لو بري "نظراً لهوس وارتياب أجهزة الأمن لدى تنظيم الدولة الإسلامية، فإننا نشعر بالقلق عندما نساعد أحدهم، إذ كيف نعرف إن كان صادقاً أم في مهمة؟"
ولدى هؤلاء دوافع عدة أهمها الخوف من الغارات وخيبة أملهم مقارنة مع ما كانوا يتوقعونه وفساد قادة التنظيم في القطاعات التي ينتشرون فيها والتجاوزات بحق مسلمين سنة، أو حتى بسبب السأم ليس إلا، وفق ما جاء في دراسة شملت نحو ستين من هؤلاء أجراها المركز الدولي لدراسة التطرف في جامعة "كنغز كولدج" في لندن.
يشار إلى أن مسؤولين أميركيين قدروا عدد الأجانب الذين التحقوا بالتنظيم خلال السنوات الماضية بنحو 40 ألفاً، انتشروا في المناطق التي كان "داعش" يسيطر عليها، والتي تساوت مساحتها حين كان التنظيم في أوج قوته مساحة بريطانيا.