طفت التساؤلات حول أدوار الجماعات المسلحة بسيناء وتقسيماتها ومصادر تسليحها على السطح من جديد، في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي تعرض له مسجد بسيناء، شمال شرقي مصر، يوم الجمعة الماضي، في ظل السياسة الأمنية التي اتبعها الجيش المصري بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، في أعقاب الانقلاب العسكري في حزيران/ يونيو 2013.
وأسفر هجوم على مسجد الروضة بمنطقة بئر العبد، غربي العريش، بمحافظة شمال سيناء، يوم الجمعة، عن مقتل 305 أشخاص، وإصابة 128 آخرين، وفق آخر حصيلة رسمية، من دون إعلان أي تنظيمات مسلحة عن مسؤوليتها وإن كانت المؤشرات الرسمية تشير إلى تنظيم "داعش" الذي ظهر في 2014، وفق بيان للنيابة العامة.
ولا توجد تقارير رسمية توضح مصادر تسليح المتشددين في سيناء، أو تقسيم مناطق نفوذهم، بخلاف تقديرات لمحللين أمنيين تشير إلى أن تعدادهم يتراوح ما بين الـ 1000 و2000 مسلح.
وتتفق مصادر قبلية على عدم تورط القبائل في إمداد المتشددين بالسلاح، أو تسهيل أعمالهم، مع التأكيد على وجود بعض الحالات الفردية الشاذة، فيما اختلفت حول مصادر التسليح المنتشرة هناك.
وفي ما يلي عرض لخريطة الجماعات المسلحة في سيناء، نستعرض من خلالها تقسيم الجماعات المسلحة، مناطق نفوذها، وقنوات التسليح:
أولا: تقسيم الجماعات المسلحة
الجماعات المسلحة في سيناء، كانت حتى وقت قريب منقسمة فيما بينها، لكن خلال الفترة الأخيرة، تعد جماعة "أنصار بيت المقدس" التي بايعت "داعش" في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 وغيرت اسمها إلى "ولاية سيناء"، حاليًا اللاعب الرئيس بسيناء.
وفي ظل تقديرات لمحللين أمنيين، فإن تعداد العناصر المسلحة في سيناء يتراوح ما بين 1000 و2000 عنصر أجنبي ومصري.
1) ولاية سيناء
تنشط "ولاية سيناء" في المثلث الجغرافي بين مدن رفح والشيخ زويد والعريش، الواقعة على الحدود مع قطاع غزة الفلسطيني وإسرائيل، أقصى الشمال الشرقي بسيناء.
وخلال العام الجاري، تنوَّعت عمليات "داعش" على عدة محاور، أبرزها استهداف الارتكازات الأمنية والعسكرية، وتنفيذ اغتيالات للقيادات البارزة واستهداف وإجبار المسيحيين على النزوح من شمال سيناء.
2) جند الإسلام
في وقت سابق من الشهر الجاري، قالت جماعة غير معروفة تدعى "جند الإسلام"، في مقطع صوتي متداول عبر تطبيق "إنستغرام" إنها نفذت عملية ضد عناصر تابعين لـ"ولاية سيناء".
والتسجيل فسَّر سبب الهجوم المزعوم على عناصر موالية لـ"داعش"، إلى قيامهم بـ"اعتداءات متكررة بحق المسلمين في سيناء ومحاصرتهم قطاع غزة".
لكنَّ الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، ماهر فرغلي، قال إن "ظهور هذه الجماعة في هذا التوقيت غريب في ظل عدم التأكد من صدقية بيانها".
ووضع فرغلي احتمالين للتسجيل الصوتي المزعوم، أحدهما "قد يكون هناك فعلا جماعة موجودة تحاول منافسة ولاية سيناء ومختلفة معها فكريًا".
والاحتمال الثاني، بحسب فرغلي، هو "أن مجموعة من بدو وقبائل سيناء، هم من هاجموا ولاية سيناء وقالوا إنهم جند الإسلام حتى لا يتعرف عليهم داعش".
وأوضح فرغلي أن "جماعة جند الإسلام التي تبنت تفجير مبنى المخابرات الحربية في سيناء قبل نحو 4 سنوات، اختفت تمامًا".
وشدَّد على أن "كل الجماعات الجهادية التي كانت ناشطة في سيناء انضوت تحت تنظيم ولاية سيناء، ومن لهم أفكار مختلفة مع داعش تم طردهم من سيناء وخاصة المرتبطين بتنظيم القاعدة".
وسبق أن تبنت "جند الإسلام"، في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، تفجير مبنى المخابرات الحربية بمدينة رفح والذي وقع في 11 أيلول/ سبتمبر من العام نفسه وأسفر وقتها عن مقتل 6 جنود وإصابة 17 آخرين، وفق حصيلة رسمية آنذاك.
3) المرابطون
منذ الإعلان عن نفسها عام 2015، لم تشن أية هجمات مؤثرة، وتشير تقارير صحفية محلية إلى أنها مرتبطة بتنظيم القاعدة.
وهي مجموعة من المتشددين كانوا ضمن جماعة "أنصار بيت المقدس (ولاية سيناء حاليًا)" قبل أن تنفصل عنها عقب مبايعة تنظيم داعش، ويقدر عددهم بالعشرات.
وحسب تقارير محلية، يقود تنظيم "المرابطون" ضابط متقاعد بقوات الصاعقة (سلاح النخبة بالجيش المصري) هشام عشماوي، الذي يتهمه الأمن بالمشاركة في تنفيذ محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري السابق، اللواء محمد إبراهيم (أيلول 2013)، والضلوع في اغتيال النائب العام السابق، هشام بركات (حزيران 2015)، وهجوم الفرافرة (غرب)، في تموز/ يوليو 2014، وهجمات أخرى.
4) أكناف بيت المقدس
تنظيم ينتمي إلى "السلفية الجهادية"، وهو خليط من سلفيي غزة، الذين طردتهم حركة حماس من القطاع؛ لغلوهم وتطرفهم، وسيناويين يعتنقون الفكر ذاته، كان هدفهم الأساسي استهداف إسرائيل وتفجير خطوط الغاز الممتدة ما بين مصر وإسرائيل، لكن حاليًا لم يعد لهم وجود يذكر.
5) روافد أخرى
ظهرت روافد مسلحة غير تنظيمية، خلال السنوات الأخيرة، كرد فعل لعمليات الأمن المصري، التي طالت في أحيان كثيرة، وفق تقارير حقوقية محلية ودولية، مدنيي سيناء، تسعى فقط إلى مواجهة النظام المصري دون أن تحمل نوايا تطبيق أفكار تكفيرية أو متشددة حيال الأمن أو أهالي سيناء، رغم أن السلطات المصرية تنفي استهدافها المدنيين بسيناء.
ثانيا: مصادر التسليح
رغم ندرة المعلومات في هذا الملف، وعدم إعلان التنظيمات الإرهابية مصادر تسليحها أو تمويلها؛ لأهداف عديدة، غير أن تقارير غير رسمية ومصادر قبلية، تشير إلى احتمالات عديدة لمصادر التمويل والتسليح هي:
1) ليبيا
شهدت فترة الغياب الأمني في مصر، التي أعقبت ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، تخزينًا غير مسبوق للأسلحة، كان مصدرها الرئيس ما تم تهريبه من ليبيا، التي شهدت هي الأخرى غيابًا أمنيًا ملحوظًا منذ سقوط نظام معمر القذافي.
وكان يمر السلاح، الذي شمل أسلحة ثقيلة إلى سيناء عبر قناة السويس.
والسلاح الليبي، وفق المصادر القبلية، كان يدخل سيناء بدافع وطني وقومي بدعوى دعم المقاومة الفلسطينية، حيث كانت الحدود في ذلك الوقت مع دول الجوار مفتوحة، لكنه كان يقع في أيدي عناصر متطرفة، توجهت لاحقًا لتنفيذ هجمات ضد الأمن المصري.
2) الحاضنات المتطرفة
دفعت الحاضنات المتطرفة لتنظيم "داعش" الإرهابي، عناصرها إلى شبه جزيرة سيناء، عبر الحدود المصرية المحاذية لقطاع غزة وإسرائيل، بجانب العناصر الأخرى المبايعة لتنظيم "القاعدة" والتي تهاجم من آن لآخر العمق الغربي المصري.
3) سلاح القبائل
عادة ما تحمل القبائل السيناوية السلاح الذي يتنوع بين خفيف ومتوسط ومتعدد الأغراض، لاستخدامه في صراعات قبيلة أو مع الأمن أو حتى مع عناصر إجرامية، وتقوم التنظيمات المتطرفة بالاستيلاء عليه عنوة أو بالاتفاق.
4) الأسلحة النظامية
خلال عمليات استهداف قوات الجيش والشرطة، يستولي مسلحون على أسلحة نظامية تتنوع بين الخفيف والمتوسط والثقيل.
ويخزن مسلحو سيناء، ما يمتلكونه من أسلحة ثقيلة وخفيفة، في خنادق تحت الأرض بسيناء، بحسب المصادر القبلية، وعادة ما يعلن الجيش المصري دك مخازن أسلحة ومتفجرات وأنفاق حدودية.
ثالثا: مناطق السيطرة والنفوذ
تشير المصادر، إلى أن الجماعات المسلحة، تباينت وتنوعت مناطق نفوذها وسيطرتها خلال السنوات الأربع الماضية، وإن تراجعت خلال العام الأخير.
وحسب "الهيئة العامة للاستعلامات" (تابعة للرئاسة المصرية)، فإن الأجهزة الأمنية بمصر تمكنت من خفض معدلات العمليات الإرهابية خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة 21 ضعفًا مقارنة بنفس الفترة من عام 2015.
وأوضحت الهيئة، في تقرير لها منتصف آب/ أغسطس الماضي، أنه "خلال النصف الأول من عام 2017 جرى تنفيذ قرابة 25 عملية إرهابية على مستوى البلاد، منها 6 عمليات في سيناء، مقارنة بـ532 عملية إرهابية، منها 120 عملية في سيناء خلال النصف الأول من عام 2015".
1) البداية
انتشر المسلحون كتجمعات تنظيمية قبل 4 سنوات، في مثلث مناطق "العجرة والجميعي والجورة" جنوب مدينتي الشيخ زويد ورفح، وكونوا خلالها كياناتهم المسلحة.
2) الانطلاق
بعد أن تشكلت الكيانات المسلحة في شكل تنظيمات، بدأت التحرك ناحية مركز رفح وقراه ثم ناحية مركز الشيخ زويد، وتمددوا ناحية منطقة الطوّيل (شرق مدينة العريش) وما حول العريش، ثم التمركز بمدينة العريش، ليشكلوا بذلك "مثلث" العريش - رفح - الشيخ زويد.
3) التضييق الأمني
زادت حدة القبضة الأمنية بشمال سيناء، في الربع الأخير من عام 2013، والذي صاحبه أعمال عنف في عمومها، خاصة بمناطق رفح والشيخ زويد، ما دفع تلك العناصر والتنظيمات إلى التراجع ناحية منطقتي الجميعي (جنوب مدينة الشيخ زويد)، وجنوب رفح، والعجرة (جنوب غرب الشيخ زويد).
وتلك المناطق، تشير تقارير صحفية محلية إلى أنها مناطق تمركز ومعسكرات العناصر المتطرفة، خاصة للقادمين من محافظات مصرية خارج سيناء وآخرين أجانب.
4) التمدد جنوبًا والتوسع شمالاً وغربًا
وخلال الأعوام الثلاثة الماضية مع اشتداد الضربات الأمنية، تحركت الجماعات المسلحة، ناحية منطقة المثنى (بمركز الحسنة بوسط سيناء) وتمركزت ناحية منطقة الطوّيل (شرق العريش) ومع الضغط الأمني في رفح والشيخ زويد تمددوا في القرى المجاورة للعريش، وبعض أحياء جنوب وجنوب غرب العريش.
كما اتجهوا ناحية الغرب، وتحديدًا مناطق بئر العبد والروضة والميدان، وهم حاليًا في هذا الاتجاه وكذلك مناطق التياها والريشة بوسط سيناء.
رابعا: تجنيد المسلحين
يأتي موقعا "فيسبوك" و"تويتر"، على رأس وسائل تجنيد العناصر المسلحة القادمة من خارج سيناء، بجانب استقطاب الشباب دون سن الـ16 عامًا، خاصة من تعرض أو أهله لـ"تجاوزات" أمنية، كتوقيف أو مقتل أحد أفراد أسرته.
غير أن المصادر القبلية تشدد على أن غالبية من يقومون بمواجهات وعمليات ضد القبائل والأمن المصري، ليسوا من سيناء، بل أجانب ومصريين معبئين بالفكر التكفيري، قدموا من خارجها خلال فترة الغياب الأمني قبل سنوات.
يشار إلى أن تعداد سكان سيناء بمحافظتيها الشمالية والجنوبية، يتخطى نصف مليون نسمة، ما يزيد عن 90% منهم منتمين للقبائل (وفق مصادر قبلية)، من إجمالي نحو 104 ملايين نسمة هو عدد سكان مصر بالداخل والخارج، وفق تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، صادر في أيلول/ سبتمبر الماضي.