أي رد للجهاد الإسلامي قد يفتح جبهة معطيات تربك المسار الإسرائيلي الحالي، لذلك فإن إسرائيل تريد أن تستمر في تحصين ذاتها في عواصمنا، وليس من مصلحتها أي مواجهة قد تخلق معطيات أخرى ..
ما لا ينكره أحد أن الإسرائيلي جاء إلى فلسطين بدوافع عقائدية تاريخية وأخرى اقتصادية، بعد عشرات السنوات من إقامة إسرائيل أصبح الرابط الأيديولوجي مع الأرض مختلف عليه بين الإسرائيليين.
الانسحابات الإسرائيلية من عدة مناطق خاصة في 2005 خلق فجوة بين العقيدة والسلوك السياسي ووضع الإسرائيلي أمام ارتباك فكري، أمر آخر وضع الإسرائيلي أمام هذا الارتباك، هو الدراسات التي يقوم بها علماء على مستوى العالم ومنهم إسرائيليين وأثبتت عجز الرواية التاريخية الإسرائيلية على مواجهة العلم؛ الأمر الذي وصفه كيث وايتلام بانتصار العلم على الأسطورة.
وأضحت الرواية الإسرائيلية أكبر ظاهرة معرفية ميثيولوجية في العالم، لكن الإسرائيلي ورغم هذه الزلزلة المعنوية لا يمكن أن يتخلى عن الأرض التي صنع فيها حاضره ومستقبله وأصبحت العلاقة المادية مع الأرض هي سر تمسك الإسرائيلي بالأرض.
العلاقة المادية علاقة تخضع للكثير من المتغيرات، أهم هذه المتغيرات هو الحالة الأمنية، الحرب والمعارك تضعف هذه العلاقة بما تفرزه من نتائج، الأمر الذي يمكن تفسيره من خلال انخفاض نسبة المهاجرين لإسرائيل خلال انتفاضة الأقصى الثانية وكذلك نسبة الإسرائيليين الذين هاجروا في ذروة العمل العسكري الفلسطيني.
مصيبة إسرائيل في المساحة، تنظيم فلسطيني صغير في غزة يستطيع أن يسيطر على نصف الجغرافيا "الإسرائيلية" ناريا، وعندما نتحدث عن جبهة داخلية ضعيفة في إسرائيل، فإننا نتحدث عن مجتمع مغترب عن روايته وعقيدته، وعن مدن وقرى ومؤسسات وشوارع تتحول لمناطق أشباح في أي مواجهة.
ورغم كل محاولات التعويض بالتكنولوجيا إلا أن العوامل الثابتة كالمساحة ومعطيات المحيط تبقى متفوقة على محاولات العقل الإسرائيلي، ولذلك وبكل قوة تسعى إسرائيل إلى تأمين جهاتها مع دول الجوار وفي الداخل، وهذا الأمر الذي يدفع إسرائيل إلى السعي وراء تكريس نفسها كحالة طبيعية في المحيط من خلال التطبيع، هذه الحالة تتطلب أن تخلق إسرائيل محيط غير متجانس يختفي فيه التمايز الإسرائيلي العربي وقد خلق هذا الواقع نسبيا.
بعد تفجير نفق السرايا سعت إسرائيل بكل قوة لتهدئة الأوضاع، إسرائيل الدولة التي قامت بالعنف ومن خلاله لا يمكن أن تتحول في لحظة من الزمن إلى دولة لا تسعى للعنف، ولكن إسرائيل قطعت شوطا كبيرا في خلق اللاتجانس في الواقع العربي بيدها وبأيدي العرب وخاصة في توقيت الربيع العربي.
وأسقطت من ذهنية الكثير من العرب صورة الجزار عن نفسها ولا تريد أن تعيدها لنفسها مرة أخرى، في ظل بناء رموز عنف جديدة في الإقليم، لا تريد أن تربك مسار خطتها، فمن مصلحتها أن تبقى إيران الخطر المشترك والعامل المشترك الذي يوحد المنطقة
وأن تبقى الدماء على الشاشة السورية واليمنية والليبية، لذلك نعم إسرائيل لا تسعى لمواجهة، جبهتها الداخلية لا يمكن أن تحافظ عليها من خلال الحرب فقط، بل قد تكون الحرب كاشفة لهذا الضعف،والحل قد يكون من خلال التطبيع الذي يعتبر أكبر عملية عسكرية أمنية ناعمة تقوم فيها إسرائيل، عملية تسعى من خلالها إسرائيل أن تصبح المواقف العربية قبتها الحديدية وصاروخها وألويتها الخاصة، العرب يتحولون لجبهة إسرائيل الداخلية شيئا فشيئا في زمن تآكل جبهتها الداخلية، وفي زمن خسارات الحروب والجبهات.