يزور وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مقر ضيافة الرئيس محمود عباس في العاصمة عمّان بعد عودة الأخير من «رحلة غامضة» إلى السعودية على أمل سؤال سياسي بعنوان.. «ماذا فهمت منهم؟.. ماذا قالوا لك؟».
المشهد بدا مثيرًا للاستفسار بعد إعلان الخبر رسميًا حيث يلتقي ممثل الحكومة الأردنية مع رأس السلطة الفلسطينية على أرض العاصمة عمّان. الترجيح السياسي الوحيد لتقصّد إعلان الخبر بخصوص مباحثات رسمية بين الصفدي وعباس بهذه الطريقة، ولأن مثل هذه الزيارات لم تكن رسمية، هو أن عمّان شغوفة بالبحث عن معلومة عمّا يجري في السعودية وتريد أن تعرف – وهذا الأهم – لماذا دُعي عباس إلى الرياض التي أصبحت بمثابة «المقر السامي» لكل الدول الضعيفة.
تردَّد من يومين في كواليس الحكومة الأردنية أن مسألة تنظيم «زيارة ملكية» للسعودية طرحت للنقاش على أمل الاحتكاك وباسم مؤسسة رئاسة القمة العربية بالبرنامج السعودي. زيارة الصفدي لعباس هنا يمكن أن تندرج تحت لافتة «جس النبض» والبحث عن معلومات وتقديرات تساعد في إنضاج فكرة الزيارة أو التراجع عنها.
يبحث الأردن وهو «محتار» تمامًا عن خياراته وسط الفوضى العارمة التي تثيرها التحولات المهمة في السعودية. وكما أن طرفين قويين في لبنان تحديدًا بحثا عن «أي معلومة مفيدة» لدى الأردن، وطلبا من عمّان التحرك والتوسط لاحتواء أزمة متفاعلة بإيقاع سريع بين السعودية وتوليفة الحكم اللبناني.
الطرف الأول هو الرئيس ميشال عون، والثاني عائلة الحريري التي خاطبت الأردنيين على أمل تحصيل مساعدتهم في توضيح مصير ملف عميدها ورئيسها المستقيل سعد الحريري.. حتى فؤاد السنيورة اتصل باسم تيار المستقبل مع سياسيين أردنيين باحثًا عن معلومة ووساطة ورأيٍ.
للأردن علاقة مباشرة على نحو أو آخر بمسار الأحداث الغامض في السعودية، فبديل سعد الحريري المقترح لبنانيًا هو شقيقه الشيخ بهاء الحريري أحد أبرز أصدقاء الأردن والمستثمرين فيه، والعمليات الفنية والمهنية في شبكة الشيخ صالح كامل تدار أصلا بخبرات أردنية وبكادر فيه مئات الموظفين في الأردن.
عمّان كغيرها في المنطقة لا تتوفر لديها معلومات وافية عن المشهد السعودي العاصف، لكن لدى غرفة القرار فيها «تقديرات» وفي بعض الأحيان «تكهنات». إذ غياب الشروحات من الحليف السعودي الكبير أصبح عنصراً ضاغطاً على عصب الأردنيين الحيوي.
ثمة ثلاثة أدلة على ذلك تسهم هي الأخرى في إثارة البلبلة، فعلى الصعيد البرلماني يتهامس نواب وسياسيون كبار في الجزئية السياسية المتعلقة بتكلفة وفهم ردود الفعل المتوقعة سعوديًا على الانتخابات الداخلية التي يشهدها البرلمان الأردني صباح الأحد.
هنا حصريًا توثقت «القدس العربي» من أن التهامس يطفو على السطح في ترسيم حدود نتائج ترشيح شخصية برلمانية اشتهرت بتقديم نقد لاذع للسعودية لموقع الرجل الثاني في البرلمان حيث يترشح النائب أحمد الصفدي حصريًا للموقع.
الأخير كان قد اشتهر بمداخلة مصورة توجه نقداً لاذعاً للسعودية تحدّث عنها في مناسبات عدة السفير السعودي الناشط في عمّان الأمير خالد الفيصل.
السفير الأمير أسهم أيضاً في تشويش الالتقاط عندما كان نجمًا قبل يومين لحادثة جديدة تمامًا فقد «حرد» وانسحب من حفل افتتاح مشروع جامعي شمال المملكة موّلته بلاده بعد مداخلة قيل إنها «مزحة سمجة» من أحد نواب المنطقة حيث استفسر النائب بلغة غير دبلوماسية عن حملات الفساد وتسبب بإحراج السفير.
إعادة سفير السعودية للحفل الرسمي بعدما غادره تطلبت فيما يبدو اتصالاً هاتفيًا لتطييب الخاطر من رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي.
في الأثناء التقط المراقبون ما يمكن وصفه بالمرة النادرة التي تتسرب فيها عبارات نقدية مستغربة تسجل موقفاً ضد قرار واتجاه سعودي في صحيفة الغد اليومية عبر مقال للكاتب المقرب من السلطات فهد الخيطان يتحدث فيها عن تحول منطقة الشرق الأوسط إلى مستشفى مجانين فيه طبيب واحد فقط لا يستطيع القيام بواجبه وهو طبيب أردني كما قال الفانك.
صلات الكاتب بإعلام الدولة الأردنية دفعت في اتجاه توقع ملحوظته باعتبارها «رسالة» ضمنية تظهر الضيق الأردني من الوقائع التي تفرضها على الأرض الإيقاعات السعودية المتسارعة، من دون تشاور أو ترتيب، حيث كتب الخيطان يقول: «بلغ الأمر هذا الحد تصوروا ! أن يثور سؤال جدِّي ومشروع عما إذا كان رئيس وزراء دولة «يفترض» أنها ذات سيادة في الإقامة الجبرية لدى دولة ثانية.
يبدو الكلام هنا مشروعًا من قلم سياسي يحاول تحليل المشهد، لكن ما لا تعرفه السلطة الأردنية بعد، هو مقدار حساسية العهد السعودي تُجاه أية ملحوظة هذه الأيام، فقد نقل مسؤولون عن الرئيس محمود عباس في عمّان عبارة تراثية تقال في الأردن وفلسطين مضمونها: «الحديدة شكلها ساخنة».
طبعا ردّد عباس عبارته أمام سياسي أردني بارز. لكن تفاصيل السخونة لم تتضح بعد، وإن كانت قابلة للتوقع وتؤشر على ارتفاع حاد في الحساسية السعودية بعد الصاروخ الباليستي الأخير الذي ضرب مطار الرياض والذي بتقدير القيادة الفلسطينية أثار جملة عصبية غير مسبوقة في القيادة السعودية قررت جهة نافذة ما في الرياض بدورها الاستثمار فيها.