أدانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "بشدّة إصرار بريطانيا على عدم الاعتراف بالجريمة التي ارتكبتها بحق الشعب العربي الفلسطيني، من خلال إصدارها وعد بلفور، وتأكيد ذلك بعدم اعتذارها عنه وإلغائه، وإصرارها بكل صلف وعنجهية وعنصرية جلية على الاحتفال به، الذي يعني الاحتفال بالجريمة المرتكبة والمأساة الفلسطينية المستمرة".
وفي بيانٍ لها، بمناسبة ذكرى مرور 100 عام على الوعد المشؤوم، أكّدت الجبهة الشعبية على "أهمّية تكاتف جهود كل القوى والأحزاب والتجمعات والمؤسسات والشخصيات الوطنية الفلسطينية، في بلورة رأي وموقف موحد، نبني عليه عمل دائم ومستمر، ضد السياسة البريطانية المنحازة تمامًا للعدو الصهيوني، والداعمة له ولاحتلاله أرضنا ومخططاته بحق شعبنا وأمتنا
كما أكّدت على ضرورة أن "تعمّ الفعاليات والأنشطة الرافضة لهذا الوعد وما ترتب عليه، كل العواصم العربية والغربية، والدعوة من خلالها لرفض السياسة البريطانية العنصرية، وضرورة أن تعتذر بريطانيا وتلغي هذا الوعد المشؤوم، وأن تتحمل مسؤولية ما ترتب عنه من كارثة وطنية وإنسانية بحق الشعب الفلسطيني، وأن تعترف بحقوقه الكاملة في أرض وطنه وحقه في الاستقلال والدولة والعودة وتقرير مصيره بنفسه".
ودعت إلى "الضغط على الأمم المتحدة والمنظمات والهيئات الدولية والحقوقية والإنسانية لتحمل مسؤولياتها وواجباتها إزاء حقوق وآمال الشعب الفلسطيني الوطنية والإنسانية، وملاحقة ومحاسبة الجناة الذين ارتكبوا بحقه أبشع جريمة في القرن العشرين، من خلال التقرير بمصيره دون استشارته، مرورًا بارتكاب المجازر الوحشية بحقه، وصولًا إلى اغتصاب أرض وطنه وتمكين الصهيونية من إقامة كيانها الغاصب عليها".
النص الكامل لبيان الجبهة الشعبية في ذكرى وعد بلفور المشؤوم:
مع مرور مائة عام على منح بريطانيا الاستعمارية الحركة الصهيونية وعدَ بلفور، الذي نص على "إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين"، تصر بريطانيا من خلال رئيسة وزرائها تيريزا ماي على الاحتفال بذكرى الوعد المشؤوم، ورفض الاعتذار عنه. هذا الوعد الذي تأسس عليه تدمير البنية المادية والاجتماعية لشعب فلسطين وسرقة أرضه ومنحها ليهود العالم، لتؤكد بصلافة واستعلائية وعنصرية "الجنس الأبيض" أن المصالح والأهداف الاستعمارية الكولونيالية هي المحدد الرئيسي الذي جمع بين الصهيونية والاستعمار والإمبريالية، لتنفيذ هذه الجريمة المنظمة المستمرة، بالإضافة إلى التخلص مما يسمى "المسألة اليهودية" التي ولدتها العنصرية والعنجهية الأوروبية.
يعيدنا صلف واستعلائية وعنصرية تيريزا ماي إلى مانح هذا الوعد وزير خارجية بريطانيا آثر جيمس بلفور، حين قال في عام 1917 "إن مجرد رغبات 700 ألف عربي (في فلسطين)، لا أهمية لها بالمقارنة مع مصير حركة استعمارية أوروبية في جوهرها (أي الصهيونية)". وبهذا فقد أفصحت السياسة البريطانية عن مهمتها في فلسطين وأهداف استعمارها لها، وإصرارها على تحويل الوعد إلى وثيقة قانونية من خلال تضمين تنفيذه لبنود صك الانتداب الذي صدر عن عصبة الأمم في تموز 1922، وعملها على مدار ثلاثة عقود، على تعزيز الوجود اليهودي الصهيوني، وتسهيل إقامة البنية التحتية للدولة الصهيونية واستمرار الدعم والحماية لها، مقابل إضعاف وإنهاك وتفتيت الوجود العربي الفلسطيني، وتهيئة الأرضية لتهجيره عن أرضه، وعدم الاعتراف بحقوقه وأهدافه الوطنية.
لم يُسلّم الشعب العربي الفلسطيني، بالمخططات والأهداف الاستعمارية البريطانية - الصهيونية منذ أن وطأت أقدام هذا الاستعمار أرض وطنه، من خلال الانتفاضات والعصيان والإضرابات المتتالية والثورات السلمية والمسلحة، خاصة ثورة 1936-1939، التي كادت تطيح بالوجود البريطاني في فلسطين لولا تدخل الزعامات العربية من ملوك ورؤساء وأمراء، ودعوَتِهم لشعبنا الثائر "بالخلود للهدوء والسكينة" أمام الوعود البريطانية، بلمس آمالهم ومصالحهم في فلسطين، التي لم تكن أكثر من وعودٍ كاذبة، عبّرت عن أن السياسة البريطانية لم تكن تأبه أو تقيم وزنًا لهذه الزعامات الرجعية، الخائنة.
فالحقائق التاريخية وتأمُّل مدلولاتها يكتسب أهميته اليوم من استمرار الجريمة/المأساة والنتائج الكارثية التي ترتبت عليها بحق الشعب العربي الفلسطيني، واستمرار التحالف الصهيوني – الإمبريالي في استهداف حقوقه ووجوده وأمانيه وروايته التاريخية، ومحاولة فرض الهزيمة والاستسلام عليه، وصولًا إلى تصفية قضيته الوطنية وإنهاء مطالبه العادلة والمشروعة في الاستقلال والدولة والعودة وتقرير المصير. لذلك فإن المواجهة مع هذا التحالف ومخططاته وأهدافه تبدأ من استخلاص الدروس والعبر التي أبرزتها التجربة التاريخية، والاستفادة منها، وإدراك عبء المهمة والمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق الحركة الوطنية الفلسطينية أولًا وحركة التحرر العربية ثانيًا في ترابطهما الوثيق معًا، ومع كل الحركات والمنظمات والمؤسسات الأممية -التي تنحاز لقضايا التحرر والانعتاق من الاستعمار وتقف إلى جانب نضال الشعوب المضطهدة وحقها في تقرير مصيرها بنفسها- ثالثًا، انطلاقًا من قومية وأممية الصراع مع الاستعمار والصهيونية وكيانها والإمبريالية والرجعية العربية.
إن شروط المواجهة التاريخية وتعدد مستوياتها وأبعادها، في ضوء صعوبات وتعقيدات الواقع الراهن سواء على الصعيد الدولي أو الإقليمي أو العربي ومنه الفلسطيني، رهن بامتلاك الشروط الموضوعية لإدارة الصراع، التي تجعلنا نردم الفجوة الكبيرة في ميزان القوى بيننا وبين العدو الصهيوني، والتي تبدأ من الجهد الذاتي المطلوب فلسطينيًا قبل كل شيء، من خلال خلق قيادة تمتلك رؤية واضحة واستراتيجية شاملة وتتحلى بمسؤولية عالية، تُحدد حسابات الربح والخسارة بدقة، وتُراكم وتُعظّم عوامل القوة، وتُعزز التماسك والمنعة والوحدة، وتستثمر في طاقات وكفاءات شعبها، وتسير به نحو تحقيق أهدافه الوطنية.
إنّ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تعتبر أننا أمام فرصة سانحة لتحقيق ذلك، من خلال البناء على الاتفاق الموقع مؤخراً في القاهرة بين حركتي فتح وحماس، واستكمال خطواته وإجراءات تنفيذه في إطار اتفاق وطني شامل يشكل مدخلًا جديًا لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية الحقيقية، المرتكزة إلى استراتيجية وطنية متوافق عليها تحافظ على أهداف ومصالح وحقوق شعبنا الوطنية، وتنطلق من كوننا نعيش في مرحلة تحرر وطني وديمقراطي، تتطلب تعزيز وتحشيد وتعظيم كل عوامل القوة الفلسطينية. فمجابهة ومقاومة استحقاقات مرور مائة عام على إصدار وعد بلفور، واستمرار الجريمة/المأساة التي ارتكبت بحق شعبنا وأمتنا، والاستهداف الدائم لحقوق وطموحات شعبنا في الحرية والاستقلال والعودة، مرهون بتقوية العامل الذاتي الفلسطيني والتمسك بحقوقنا وثوابتنا الوطنية، والذود عنها بكل أشكال وأساليب المقاومة، واستعادة وهج ومكانة قضيتنا في كل المحافل الشعبية والرسمية العربية والإقليمية والأممية.
تأسيسًا على ما تقدم، فإن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تؤكد على التالي:
أولًا: إدانتها الشديدة لإصرار بريطانيا على عدم الاعتراف بالجريمة التي ارتكبتها بحق الشعب العربي الفلسطيني، من خلال إصدارها وعد بلفور، وتأكيد ذلك بعدم اعتذارها عنه، وإلغائه، وإصرارها بكل صلف وعنجهية وعنصرية جلية على الاحتفال به، الذي يعني الاحتفال بالجريمة المرتكبة والمأساة الفلسطينية المستمرة.
ثانيًا: أهمية تكاتف جهود كل القوى والأحزاب والتجمعات والمؤسسات والشخصيات الوطنية الفلسطينية، في بلورة رأي وموقف موحد، نبني عليه عمل دائم ومستمر، ضد السياسة البريطانية المنحازة تمامًا للعدو الصهيوني، والداعمة له ولاحتلاله أرضنا ومخططاته بحق شعبنا وأمتنا.
ثالثًا: ضرورة أن تعم الفعاليات والأنشطة الرافضة لهذا الوعد وما ترتب عليه، كل العواصم العربية والغربية، والدعوة من خلالها لرفض السياسة البريطانية العنصرية، وضرورة أن تعتذر بريطانيا وتلغي هذا الوعد المشؤوم، وأن تتحمل مسؤولية ما ترتب عنه من كارثة وطنية وإنسانية بحق الشعب الفلسطيني، وأن تعترف بحقوقه الكاملة في أرض وطنه وحقه في الاستقلال والدولة والعودة وتقرير مصيره بنفسه.
رابعًا: الضغط على الأمم المتحدة والمنظمات والهيئات الدولية والحقوقية والإنسانية لتحمل مسؤولياتها وواجباتها إزاء حقوق وآمال الشعب الفلسطيني الوطنية والإنسانية، وملاحقة ومحاسبة الجناة الذين ارتكبوا بحقه أبشع جريمة في القرن العشرين، من خلال التقرير بمصيره دون استشارته، مرورًا بارتكاب المجازر الوحشية بحقه، وصولًا إلى اغتصاب أرض وطنه وتمكين الصهيونية من إقامة كيانها الغاصب عليها.