الشهيد الشقاقي.. لنجدده في ذكراه !..تيسير الغوطي

الجمعة 27 أكتوبر 2017 03:48 م / بتوقيت القدس +2GMT
الشهيد الشقاقي.. لنجدده في ذكراه !..تيسير الغوطي



نعيش هذه الأيام الذكرى السنوية لاستشهاد المفكر والرسالي العظيم الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي ، وكما هو الحال في ذكرى الشهداء العظام، يتبارى الأتباع والمحبون والمريدون في استرجاع وتذكر الصفات الخالدة والمحطات العظيمة والمواقف المعجزة للشهداء العظام، اعترافا بفضلهم وسبقهم وأملا في أن يستمر الأتباع على ها النهج وهذه الصفات.

الاقتراب من العظام والرساليين ليس بالأمر السهل أو الهين، والاقتراب من الدكتور المعلم فكرا وثقافة ووعيا وثورة وانسانية أكثر رهبة وأعظم اجلالا لما تركه في الساحة الاسلامية عموما والفلسطينية خصوصا من ابداعات معجزة ومفخرة لكل الاسلاميين في مقدمتهم محبوه وحواريوه، فالشهيد الدكتور لم يكن مجرد قائد تاريخي لفصيل فلسطيني فقط، ولم يكن مجرد مثقف ومفكر اسلامي أثرى المكتبة الاسلامية بعدد من الكتب والمقالات ، ولم يكن مجرد منظر لمجموعة من الافكار والنظريات ، ولم يكن مجددا آخر على طريق تجديد الفكر الاسلامي وازالة ركام الجهل والتعصب والتقوقع عن مبادئه واطروحاته السمحاء ، كما لم يكن مجاهدا آخر على طريق التصدي للمشروع الصهيوني ضد الأمة وقلبها فلسطين، بل كان ذلك كله جزءا من الشهيد المفكر الدكتور، حيث يضاف إليه حضور البعد الانساني في حياة الشهيد الدكتور، حيث كان الانسان بآماله وآلامه وهمومه حاضرا لا يغادر الدكتور الشهيد الشقاقي ولا يغادره هو، وكان الأمل والثقة بإمكانية تجدد ذلك الجيل القرآني الفريد الذي رباه صلى الله عليه وسلم في مكة، حيث وجدنا فيه الصورة الأكثر صدقا وإقناعا بإمكانية استعادة ذلك النموذج الحرائي العظيم، والتي تشعرنا أن النصر ممكن رغم حراب بني صهيون ووحشية النمط والظلم الذي يحكم عالم اليوم، وتخاذل ابناء جلدتنا من قيادات وحكام واستلابهم لصالح الظلم والاستكبار العالمي.

لقد جاء المفكر الشهيد الدكتور إلى النور بمجموعة مبدعة من الافكار والمبادئ التي ميزت فكر حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين، ورفعتها إلى صدارة الحركات الاسلامية الجهادية المعاصرة، وجعلتها رؤية متجددة في العمل الاسلامي، واسهاما فاعلا ومؤثرا في تطوير العمل الاسلامي المعاصر والجهادي الممارس للجهاد ضد العدو المركزي للأمة الاسلامية ، وحاضنة يمكن أن تستوعب كل الاجتهادات الاخرى خاصة الاسلامية منها ، وحائدة في الوقت نفسه عن الصراعات الجانبية مع الاجتهادات المخالفة في بعض أطروحاتها ، والتي يمكن أن تحيد بالحركة الاسلامية بل والأمة بأسرها عن رسالتها السامية للعالم أجمع وعن هدفها الاساسي في التحدي والتصدي للمشروع الاستعماري ضد الأمة وبالتحديد ضد المشروع الصهيوني في فلسطين ، فما أروع التأمل في هذه المقولة المفخرة للشهيد الدكتور حيث يقول: »إن الاسلام هو خيار ألأمة وهويتها وهو القادر على بعثها واحيائها واخراجها من غابة النظام الدولي ، وهو القادر على تحقيق وحدتها واستقلالها ونهضتها، هذه هي المسألة الاساسية التي اجادل حولها، أما أخطاء الإسلاميين قلت أو كثرت ، اقترنت بهذا الفريق منهم أو لم تقترن، فهذه مسألة نضال مستمر في سياق عملية تاريخية لا تتوقف ، ونحن نعيش مخاضا عسيرا سينتهي بالتأكيد إلى خطاب إسلامي يقدم وعيا مطابقا للعالم يشخصه بدقة ويقدم إجابات مقنعة لأزمة المنطقة ، إن لم يكن لأزمة العالم».

ونحن في هذه السطور لسنا في مجال عرض وتعداد هذه الأفكار والاسهامات المبدعة التي لا تحدها ولا تستوعبها بكل تأكيد مجموعة من السطور والصفحات المكتوبة، لكن من الضروري في ذكرى رحيل الشهيد المبدع أن نتقرب من بعضها ونذكر أنفسنا بها ، محاولة متواضعة في نبش الركام _على طريق إزالته_ الذي تراكم عليها بفعل انحراف البعض وغفلة البعض الآخر من المحبين والمريدين.

لقد ركز الدكتور ضمن ما ركز عليه على أن فلسطين هي القضية المركزية للحركة الاسلامية التي يجب أن تتوجه كل الجهود صوبها ونحوها، وأن النقد والنقد الذاتي هو أحد الوسائل الهامة لتصويب مسيرة الحركة وضمان عدم انحرافها عن الاهداف والمبادئ التي قامت لأجلها، وأن قبول الآخر والالتقاء معه على طريق تحرير فلسطين والاستفادة من إمكانيات الجميع في هذا الطريق، هو أحد العوامل المساعدة في قرب النصر والتحرير، وأن الاهتمام بالجماهير وتحسس آلامها وآمالها والاهتمام بقضاياها هو أقصر الطرق لتحقيق خاصية جماهيرية الحركة الاسلامية، وجعل الجماهير حاضنة لمفردات وأفراد الحركة الاسلامية الجهادية ورافدة لها بالعناصر اللازمة والضرورية لاستمراريتها، وأن المزاوجة بين الجهاد وفلسطين والاسلام هو الطريق الأقصر لتحرير فلسطين فضلا عن تقديمه الاجابة الأمثل على تساؤلات ونهج الذين تصدوا للعمل من أجل فلسطين سواء كانوا إسلاميين أو وطنيين، حيث جاء ذلك ردا على طرحهم فلسطين بلا اسلام أو اسلام بلا فلسطين، وأن الايمان والوعي والثورة هي  الأسس الضرورية لبناء الفرد المسلم الحركي  القدر على تحمل اعباء مسيرة التحرير و التصدي للأعداء وتحقيق النصر للنموذج الرسالي وإعادة الاسلام إلى حكم البلاد والعباد.

اليوم ونحن على وحياته أبواب الذكرى الثانية والعشرين لاستشهاد الدكتور المفكر أبا إبراهيم مطالبون بوقفة صادقة وأمينة مع النفس، لنقيم فيها موقفنا ومدى قربنا أو بعدنا عن الأفكار والمبادئ التي بشر بها الدكتور المعلم وقدم دمه - وكذا الآلاف من الشهداء- قربانا لنشرها وتبنيها بين افراد الأمة عموما وأبناء الحركة الاسلامية المجاهدة خصوصا، تماما كما نحن مطالبون بتطبيق وتمثيل تلك المبادئ والأفكار واقعا في حياتنا ومن ثم في حياة أبناء الأمة من حولنا.

تجديد الدكتور الشهيد في ذكراه لا يعني الوفاء لدمه ولحبه المسكون في قلوبنا جميعا فقط، بل يقدم إجابة واضحة ودلائل دامغة أن حركة الجهاد الإسلامي لم تستنفد أغراضها ، ولم تنته مبررات وجودها على الساحة، بل ما زالت هذه الحركة بأطروحاتها الفذة وإمكاناتها المتواضعة قادرة على أن تكون في رأس الحربة الموجهة ضد المشروع الاستعماري الغربي الذي يستهدف الأمة حضارة وتاريخاً وشعوباً، وقادرة على أن تكون المحدد لبوصلة الصراع الكوني في فلسطين ، والدافع للأمة كل الأمة للتوجه لنحو فلسطين ، ولتكون كما أرادها الدكتور الشهيد رحمه الله حين قال ضمن مقولاته: »نحن ندرك أن حركة الجهاد لن تكون قادرة على تحرير فلسطين بمفردها، ولكن يكفينا فخرا أنها ستبقى جذوة الصراع مع الكيان الصهيوني مشتعلة حتى تفيق الأمة وتتقدم بكامل طاقتها نحو فلسطين».

هكذا وهكذا فقط يمكننا أن نجدد الدكتور الشهيد في ذكراه ، ونحقق الوفاء لدمه ولمحبتنا له، ونضمن الاستمرار والتقدم لمسيرة هذه الحركة المجاهدة حتى تحقيق إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة.