تسير حركة «حماس» بثبات جيد، نسبياً، نحو استعادة علاقتها بحلفاء سابقين، وتريد في الوقت نفسه، الحفاظ على حلفاء أو أصدقاء حاليين، في محاولة لا تخلو من مغامرة، بسبب الصراعات الشديدة بين الأطراف محل اهتمام الحركة.
وليس سراً أن الحركة الإسلامية التي خسرت حلفاء وكسبت آخرين، وأُرغمت على تغيير بعضهم في ظرف سنوات قليلة، تُخطط لعلاقات أوسع وأفضل مع مصر، وتتطلع إلى الانفتاح بقدر المستطاع على دول الخليج، بما في ذلك السعودية والإمارات، وتحافظ في الوقت نفسه، على العلاقات مع قطر وتركيا، فيما تسير بخط موازٍ من أجل استعادة العلاقة مع إيران و«حزب الله»، وربما النظام السوري في وقت لاحق، كما ذكرت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية.
لكن هل تنجح «حماس» في جمع المتناقضات؟
بشكل رسمي، تقول الحركة إنها تريد أن تحافظ على علاقات متقدمة مع الكل العربي وفي الإقليم، ومع دول العالم أيضاً، ما دام يصب ذلك في صالح القضية الفلسطينية، وما تمارسه ليس مجرد لعب على المحاور، وهذا ما أكده العديد من قادتها قبل ذلك، ومنهم رئيس المكتب السياسي السابق للحركة، خالد مشعل، والقيادي فيها محمود الزهار.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، المحسوب على حركة «حماس»، أن الحركة ستنجح في ذلك لكن بشكل نسبي وليس كاملاً، كما تتمنى أو تريد.
ويضيف: «هناك دول وجهات متفهمة لمواقف الحركة وهناك دول أخرى متحفظة، لكن هذا لن يدفع (حماس) لأخذ موقف عدائي أو أن تتراجع. الحركة ستحاول طرق هذه الأبواب، وفتح المجالات مع الجميع بشكل أو بآخر، ولن تتوقف عن طرق جميع الأبواب، خصوصاً الدول المركزية مثل السعودية وتركيا وإيران ومصر، باعتبار أن هذه الدول هي الداعم الحقيقي للقضية الفلسطينية».
وحسب المدهون، فإن «حماس لا تفرض نفسها على أحد، وتحاول ألا تقطع علاقاتها بأحد، وتتمسك بالكل، وهذا هو شعارها».
وتابع: «الاستجابة للجهود المصرية لم تكن على حساب تركيا أو قطر أو حساب أي جهة كانت، والاتصال بطهران لن يكون على حساب الرياض أو الخليج، وفي الوقت نفسه، الحضور في الدوحة لن يكون على حساب الدول الخليجية المحاصِرة. وباعتقادي أن الحديث مع روسيا لا يعني استعداء الولايات المتحدة، وإن كانت الأخيرة تأخذ موقفاً سلبياً. هناك جهود من (حماس) لإحداث اختراق في الجدار الأميركي نفسه، (حماس) تريد حصر كل الجهود في دعم المشروع الوطني الفلسطيني».
وتابع: «ما المشكلة إذا كان شعار (حماس) هو تحييد الشعب الفلسطيني بشأن أي صراعات في المنطقة والإقليم، أن يكون صراعها مع الاحتلال؟ (حماس) تتواصل مع الجميع لأنها لا تريد أن تحسب نفسها على أي طرف أو تخسر أحداً، وتحاول الحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع القوى الإقليمية دون المساس بهيبتها، ودون التدخل في إشكاليات المنطقة».
ويتضح من اتصالات أجراها رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في اليومين الأخيرين، كيف حاولت «حماس» فعلاً، التواصل مع كل الأطراف، حتى المتناقضة، وبشكل علني، كأنها تبث رسائل في كل اتجاه بهذا الصدد.
وهاتف هنية، أمس، نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني، حيث بحثا معاً المستجدات السياسية والتطورات الإيجابية في ملف المصالحة. وكان هنية قد اتصل، أول من أمس، بالأمير صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، وأطلعه على أجواء وتفاصيل اتفاق المصالحة الذي تم توقيعه في القاهرة برعاية ومشاركة مصرية. وقبل ذلك، اتصل هنية بنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، بعد أن هاتف الأمير تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، شاكراً إياه على دور قطر القوي خلال السنوات الماضية، من أجل الوصول إلى هذه اللحظة.
وهذا الخط الذي تسير فيه «حماس» اليوم، تبلور كما يبدو، ضمن الرؤية الجديدة للحركة المبنية على الانفتاح.
وكانت «حماس» ولوقت طويل، محسوبة على المحور الإيراني - السوري، ثم خسرت هذا الحليف واتجهت إلى قطر، وصارت محسوبة على المحور القطري التركي، قبل أن يكلفها ارتباطها بالإخوان المسلمين، عداوة دول كبيرة في المنطقة، بينها مصر والإمارات.
لكن يبدو أن الحركة تعلمت جيداً الدرس، وأخذت تسير في اتجاه مغاير مبنيٍّ على علاقات مع الجميع، لكن على قاعدة «العلاقات العامة» وحسب.
يقول الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطا الله: «فهمت (حماس) أنه من الصعب أن تجمع بين المتصارعين. تجربتها خلال السنوات الماضية قادتها إلى تخفيف علاقتها مع الجميع، لم تعد قطرية بالكامل أو إيرانية بالكامل، ولم تعد ذات صبغة محددة. لقد تراجعت علاقتها بالجميع. يمكن القول: إنها تخوض مرحلة علاقات عامة إلا فيما يخص العلاقة مع مصر».
وأضاف: «أدركت (حماس) أن مصر هي شريان الحياة الرئيس بالنسبة إليها، إذا بقيت في المعارضة تحتاج إلى مصر، وحتى لو نجحت غداً وأرادت تشكيل حكومة أو سلطة، فلن يستوي الأمر من دون مصر».
ومصر هي التي أقنعت حركة «حماس» بتوقيع اتفاق مصالحة مع حركة فتح. وهو اتفاق لا يمكن بأي شكل من الأشكال فصله عن المسار الجديد للحركة. فالمصالحة تعني من بين أمور أخرى، دخول الحركة إلى النظام السياسي الفلسطيني من أوسع أبوابه، وإعطاء الحركة صفة الشرعية في علاقاتها مع الأطراف المتناقضة، لكن حتى السلطة الرسمية لم تنجح في جمع هذه المتناقضات.