المصالحة الفلسطينية: إصرار فلسطيني مع تفاؤل حذر ..بقلم: د. علاء أبوعامر

الأحد 08 أكتوبر 2017 12:25 م / بتوقيت القدس +2GMT
المصالحة الفلسطينية: إصرار فلسطيني مع تفاؤل حذر ..بقلم: د. علاء أبوعامر



الدرس المستفاد من السنوات أل ١١ العجاف، هو أنه لا يمكن لفصيل واحد متفرد أن يحمل مسؤولية شعب تحت الاحتلال، كالشعب الفلسطيني، فتلك ليست مسألة جباية ضرائب، للصرف على تنظيم، ليست ترف، وجاه، ومناصب، بل مسؤولية، وتوفير مستلزمات صمود، وبناء دولة.

 فقط من خلال شراكة فلسطينية حقيقية متكاملة فصائل ومجتمع مدني ومساعدة المؤسسات الدولية وعلاقات الانفتاح على المحيط العربي البعيد والقريب، يمكن تسيير عجلة الحياة في الأراضي المحتلة.

حماس تتغير

يتبين أن وثيقة حماس السياسية، لم تكن وثيقة خادعة وحمالة أوجه، كما كان يُظن، كانت بداية انطلاقة لتغيير حقيقي، حماس تتخلى عن مسؤولياتها الحكومية في غزة، تتخلى عن عبء الحكم والحكومة وتلقيه على عاتق السلطة في رام الله، وتقبل بشراكة كاملة، واستعداد لإبداء مرونة إلى أبعد مدى كما يُصرح قائدها في غزة يحيى السنوار من أجل نجاح المصالحة.

 وفي المقابل ومن خلال تعيينها. للقائد صالح العاروري مسؤول حماس الضفة نائباً لرئيس الحركة تجعل حماس من الضفة ملعبها الأهم.

 استوعبت حماس، دروس ١١ سنة في الحكم، استوعبت أنه لا يمكن مزاوجة مشروع حكم مع مشروع مقاومة، وهذا ما قلناه دائماً ومنذ عام ٢٠٠٦.

مواقف حماس ومرونتها الزائدة بعد تفاهمات القاهرة مع مصر ووضع المصالحة وديعة لدى القيادة المصرية، قد تكون صادمة لدى البعض، ولكن من يعرف آليات صنع القرار في هذه الحركة وفي الحركة الأم الإخوان المسلمين يعلم أنها معقدة وطويلة، حيث أن هذه الأفكار والقرارات قد تكون نوقشت في داخل الحركة منذ خمسة سنوات (وهو ما أكده لي قيادات في الحركة)  والآن فقط حُسمت لصالح هذا التوجه، وسارع في الإسراع بتبنيها ما مر به الإقليم من مأسي انعكست على الحركة الأم حركة الإخوان المسلمين التي نجد الآن نفساً حمساويا جديداً يحاول التنصل من العلاقة بها، وهناك ترداد لمصطلح جديد لم نعهده من حماس من قبل بأن الحركة هي حركة وطنية فلسطينية ، حدود عملها فلسطين فقط.

عملية صنع القرار واتخاذه في فتح أسهل وتتم بشكل أسرع، فتح التي تشعر بالمفاجأة تشكك وتتساءل فيما جرى، باعتقادي ليست فتح وحدها من يتساءل بل كثيرون غيرها يتساءلون ويشككون، لكن الاحتمال الأكبر والملموس يشير إلى أن حماس على ما يبدو تغيرت. هذه أمر يجب أن يُبنى عليها، لذلك المصالحة هذه المرة ستنجح، فالشعار في فتح وحماس اليوم "لا عودة للوراء".

بالتأكيد لم يكن ذلك ممكناً استيعابه عام 2006و 2007 فشهوة الحكم كانت هي المسيطرة إذ سريعاً ما تخلت حماس عن شعاراتها الرنانة التي دغدغت بها مشاعر الجماهير" هي لله، هي لله، لا للسلطة ولا للجاه" فقد تبين أن قططاً سماناً كثيرة نشأت وترعرعت إبان الحكم الحمساوي في غزة، وليس الإخوان والإسلاميين إلا تكراراً لأي سلطة علمانية يمكن أن تنخرها سوسة الفساد، اكتشفت حماس وقادتها بالإضافة إلى أن الحكم ليس شعارات بل مسؤولية ثقيلة أن العالم العربي الذي زاره قادة الحركة في أول سنة من حكمهم عام 2006 ليس مثالياً كما سمعوا من قادته وليس حريصا على فلسطين وتحريرها كما ظنوا بل تحكمهم روابط وضغوطات وقرارات خارجية، وربما استوعبوا أو وعوا ما تتعرض له السلطة في رام الله من تهديدات مقابل المواقف والقرارات التي تتخذها ضد الرغبة الأمريكية والصهيونية وعبر أطراف عربية، وعرفوا أيضاً مصطلحاً جديداً اسمه الكيد الخارجي (أي تسريب معلومات خادعة لهم عبر طرف حليف) وهو ما أدى بحماس للقيام بانقلابها عام 2007والذي لم تكتشفه حماس إلا متأخرة.

حماس تتطور، حماس تتغير هذه أخبار جيدة.

ماذا عن فتح؟

فتح أُخذت على حين غرة، وهي تكاد لا تصدق تسارع الأحداث، فمصر نجحت كما لم تنجح من قبل في اختصار الوقت الذي لم تكن فتح مستعجلة فيه، ففتح كانت تستعد للإلقاء حزمة عقوبات ثالثة أشد ألماً للضغط على حماس للقبول بالمصالحة كخيار استراتيجي للشعب الفلسطيني، فتح الغير مستعجلة كانت في الحقيقة في قمة الاستعجال، فهناك استحقاقات لما سمي "صفقة القرن"، وما قاله الرئيس أبومازن قد لا يكون كلاماً واقعياً بأنه غير مستعجل فلو كان غير مستعجل لما قام بإجراءاته غير المسبوقة التي شلت الحياة في قطاع غزة،  لكنه بالتأكيد غير مستعجل لتسلم الحكم من حماس إلا بعد التأكد مئة بالمئة بأن حماس نفذت شروطه كاملة.

كان هناك اعتقاد لدى فتح ورئيسها أن عناد حماس سيطول أكثر من اللازم، لكن حماس فجأت فتح والعالم، فتح تفاجئت وشككت بالإعلان القاهري الحمساوي ولكنها اليوم وبدرجة 70% تأكدت أن ذلك حقيقي، خصوصاً عندما حلت حماس اللجنة الإدارية (الحكومة الموازية) في قطاع غزة، لذلك لم تنتظر فتح طويلا وسرعان ما طلبت من حكومة الوفاق السفر إلى غزة بوفد كبير للتحقق من صدقية نوايا وخطوات حماس.

ماذا بعد

بروتوكوليا استلمت حكومة الوفاق مقاليد الأمور في القطاع، ولكن واقعيا حماس مازالت هي التي تحكم وتسيطر، سيطرة مطلقة على القطاع، فحتى الآن لم يلتحق موظف واحد من سلطة رام الله (السلطة الشرعية) بأي من الدوائر والمؤسسات الحكومية، ومازالت أجهزة أمن حماس هي التي تحكم في داخل القطاع وعلى الحدود.

لذا من المبكر القول فعلياً أن حكومة الوفاق مُكنت من العمل بالكامل، الأمور بحاجة إلى وقت أطول لاختبار النوايا، وكل ذلك سيتضح بعد حوارات القاهرة التي ستبدأ بعد غداً بين وفدي فتح وحماس الذي ستكون تفاهمات القاهرة 2011 أرضيته الأساسية.

قطار المصالحة سيسير هذه المرة دون عوائق وقد يصل إلى أبعد مدى وسيلتم شمل ما تبقى من وطن فلسطيني والقطار مصري خالص، مصر هي الضامن، وهي المراقب، لذلك سيشهد القطاع انفتاحاً، وسيتنفس أهل القطاع الصعداء قريباً، وسيصبح الغزي يعامل كإنسان مثل باقي بني البشر لا كإرهابي مطارد ترفض مطارات العرب استقباله إلا كحالة أمنية مشكوك فيها في غرف الترحيل القسرية.

هل أنا أحلم؟ ربما أكون كذلك ولكن أحلامي تبقى مشروعة.

مفكر وباحث فلسطيني يقيم في غزة