طالما هناك لاجئون ومخيمات ووكالة غوث، فهناك قضية وطنية فلسطينية، وهناك قضية لاجئين. وهناك اعتراف من المجتمع الدولي ومؤسساته وهيئاته بخصوصية لقضية اللاجئين الفلسطينيين تميزها عن حركة اللجوء والهجرة في العالم متنوعة الأسباب، كون هذه القضية نتجت عن قيام الكيان الصهيوني على ارضهم بعد طردهم منها بالقوة وعدم تمكينهم من العودة اليها.
وإن هناك اعترافاً عالمياً ما زال مستمرا بحق هؤلاء اللاجئين وذريتهم وأجيالهم الجديدة التي وُلدت بعد النكبة ونمت في المخيمات والمنافي في العودة الى وطنهم وأرضهم اضافة الى تعويضهم.
وطالما هناك لاجئون ومخيمات ووكالة غوث، فهناك اقرار دولي باستمرار وجود القضيتين (الوطنية واللاجئين) واقرار بمسؤولية دولة الاحتلال عن التسبب بالقضيتين، بما يضع علامات استفهام مستمرة ومتزايدة حول شرعية دولة الاحتلال وحدودها، وحول توافقها مع القرارات الدولية والتزامها بها.
دولة الاحتلال تدرك هذه الحقائق منذ البدايات الاولى لقيامها، وتتعامل مع قضية اللاجئين بهذا الفهم. فهي ظلت ولا تزال، ترفض الاعتراف بمبدأ وجود قضية لاجئين وترفض قرار الامم المتحدة 194 القاضي بحقهم في العودة والتعويض، وترفض او تتحايل على إدراجها في اي مشروع دولي لحل سياسي. وهي بذلك منسجمة مع مفاهيمها التلمودية عن حقها في كل ارض فلسطين واستيطانها وطرد ساكنيها.
في الاشهر الاخيرة تبدو دولة الاحتلال وكأنها تخوض معركة مصيرية ضد قضية اللاجئين الفلسطينيين كفكر ومبدأ، وضد كافة تعبيراتها.
وهذا ما يشكل الرابط لعدد من الأحداث الهامة التي شهدتها الأشهر القليلة الأخيرة، سواء كان هذا الرابط ظاهراً ومباشراً او كان خفياً وغير مباشر.
ما يجعل التوقيت مناسباً لخوض هذه المعركة في تقدير دولة الاحتلال، هو توفر ظروف موضوعية إقليمية ودولية مواتية، وبالذات توفر دولة عظمى( الولايات المتحدة الأميركية) في منتهى الطواعية لسياسات دولة الاحتلال، والجاهزية لمجاراتها ومساندتها ودعمها فيما تخوضه، او حتى ما تفتعله، من معارك.
الهدف المركزي في المعركة التي تخوضها دولة الاحتلال هو نفي وجود قضية لاجئين فلسطينيين كمبدأ وفكرة، ونفي كل تعبيراتها. وفي افضل الحالات، انتفاء المبررات لاستمرار التعامل معها كقضية وطنية ودولية.
يقوم هذا الهدف وفهمه وينضفر مع مناداة دولة الاحتلال ومطالبتها المجتمع الدولي الاعتراف فقط بالجيل الأول للاجئين، وإسقاط اي اعتراف بالأجيال الجديدة وباستمرار وجود قضية لهم او حقوق.
القبول بهذا المطلب يعني اولاً، إسقاط حق العودة او حصره باحسن الافتراضات والنوايا، بمن بقي حياً من جيل النكبة الاول (بعد 70 سنة من النكبة فان الجيل الاول لم يبق منه حي اكثر من آلاف قليلة جداً يعيشون مرحلة أواخر العمر).
وتعني ايضاً انه لم يعد هناك ضرورة لوجود وكالة غوث وتشغيل اللاجئين ولا لمعوناتها ولا لتعليمها ومدارسها.
ساحة المعركة الأساسية هي الهيئات والمنظمات الدولية وما نتج عنها وتكرس فيها من قرارات وأعراف وهيئات تنفيذية على امتداد عمر النكبة واللجوء.
العنوان الرئيسي للمعركة في هذا الموضوع بالتحديد، هو الغاء دور ووجود «وكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الفلسطينيين)- الأونروا». وإدماجها مع «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين».
دولة الاحتلال ومعها الولايات المتحدة واليمين المتطرف ( الأوروبي بالذات) تكيل في هذا السياق، اتهامات باطلة للوكالة بالفساد وسوء إدارة الموارد المالية، وبأن الكثير من موظفيها يدعمون العنف ضد إسرائيل، وان مدارس الوكالة استخدمت لتخزين الأسلحة والذخائر، ومناهجها الدراسية للتحريض.
يتقاطع مع معركة دولة الاحتلال ضد « الأونروا» ويخدمها، بغض النظر عن طبيعة النوايا والخلفيات، التقصير في دعم موازنة الوكالة بما يضعف دورها وقدرتها على القيام بواجباتها. ويتقاطع معها ايضا، المعارك حول المخيمات بما يهدد وجودها كرمز أساسي من رموز قضية اللاجئين( نهر البارد واليرموك). وايضا، المعارك داخل المخيمات مدفوعة بالغالب، بخطط وتوجهات تتلاقى مع الرغبة بإزالة المخيم، ومفتعلة من قوى محلية في المخيم لها امتدادات مع قوى وأهداف من خارجه( عين الحلوة).
ينسجم مع العنوان الرئيسي المذكور ضد وكالة الغوث، عنوان آخر، هو سعى واشنطن بكل ما أوتيت من قوة، وبدفع من اسرائيل طبعا، لالغاء البند السابع الخاص بفلسطين من جدول أعمال مجلس حقوق الإنسان ومحاولات دؤوبة لاستصدار قرار من الأمم المتحدة بشطبه.
البند المذكور يجري بحثه في كل دورة لمجلس حقوق الإنسان حول حالة حقوق الإنسان في فلسطين المحتلة وباقي الأراضي العربية المحتلة من قبل إسرائيل.
وتريد أميركا وإسرائيل معاملة فلسطين على غرار البند الرابع في مجلس حقوق الإنسان والذي يبحث حالات حقوق الانسان التي تستوجب الرعاية، رغم عدم انطباقه على فلسطين كونها محتلة.
حتى الآن فان دولة الاحتلال، ومعها داعموها، تواجه بالهزائم في معاركها في الساحة الدولية في العنوانين المشار اليهما وتواجه اتهاماتها المفبركة بعدم التصديق والرفض. فقد هزمت مؤخرا في البرلمان الاوروبي، حين فشل داعموها من اليمين المتطرف بتمرير طلب حل وكالة الغوث.
وهزمت عندما لم تنجح، ومعها أميركا في إلغاء البند السابع المشار اليه آنفا.
وباتجاه معاكس، فقد هزمت عندما اقر مجلس حقوق الإنسان التابع للامم المتحدة إدراج دولة الاحتلال ضمن القائمة السوداء للدول والكيانات التي تنتهك حقوق الإنسان. وهزمت عندما استمر مجلس حقوق الإنسان التابع للامم المتحدة متمسكا بقائمة العار التي اعدّها للشركات والهيئات والمؤسسات التي تتعامل مع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة والمتوقع نشرها نهاية العام الحالي، وذلك رغم التهديد الأميركي بالانسحاب من المجلس.