بعد انضمام فلسطين كعضو في الشرطة الدولية: القوة الثالثة..حسين حجازي

السبت 30 سبتمبر 2017 01:15 م / بتوقيت القدس +2GMT
بعد انضمام فلسطين كعضو في الشرطة الدولية: القوة الثالثة..حسين حجازي



وصفها بنيامين نتنياهو بالضربة القوية وتوعد بالرد، ولم يكن يقصد العملية التي جرت قبل ذلك في المستوطنة، ولكن انضمام دولة فلسطين الى المنظمة العالمية للشرطة الدولية التي تسمى «الإنتربول». وهي المنظمة التي أنشأتها بعيد الحرب العالمية الأولى الرأسمالية الأوروبية نفسها التي أنشأت إسرائيل وحمتها، حتى أصبحت هذه الرأسمالية تضج منها ومن أفعالها. 
فهل شعروا جديا ربما لاول مرة بالقلق والخوف بل الرعب، من ان الحبال بدأت تضيق او هي في الطريق الى ذلك حول رقاب القتلة؟ وان المسار القانوني المؤيد والمدعوم دوليا الذي يواصل الفلسطينيون السير عليه، انما يمثل اليوم «القوة الثالثة» التي بات الفلسطينيون يمتلكونها. وهذه القوة الثالثة لا يمكن التغلب عليها بالقوة العسكرية أي بالمدافع والطائرات.
ولقد أدركوا بعيد الحرب العالمية الثانية حينما تحولت هذه المنظمة الشرطية العام 1957، الى صورتها الاجرائية والقانونية الاممية كما هي الآن محاكم وشرطة، وقبلت فلسطين عضواً كاملاً فيها. ان الزمن والعصر لم يعد زمن الاستعمار القديم الذي بات ملقى على مزابل التاريخ، وهكذا تسارعت فرنسا وبريطانيا الى عقد اتفاقيات انهاء الاستعمار من دول شمال افريقيا وآسيا، الجزائر وعدن والهند. وحملت كل منهما عصاها ورحلت.  
وحتى في جنوب إفريقيا التي يجب ان نوجه لها الشكر هنا على موقفها الصلب في دعم التصويت على قبولنا في هذه المنظمة، بالرغم من تلكؤ التاريخ إلا ان حكومة التمييز العنصري «الابرتايد» اقتنعت أخيراً بعرض نيلسون مانديلا العبقري والمبتكر، القيام بالمصالحة عن طريق طهارة الذاكرة او تنقيتها لإنهاء هذا الوضع الشاذ والمشين، ووصمة العار التي تحدث عنها الرئيس ابو مازن في خطابه الأخير امام الجمعية العامة للامم المتحدة. 
اما هنا فقد بقوا الى الآن وحدهم في هذا الوحل او المستنقع التاريخي يحملون العار على جباههم، واذ فشلت المفاوضات أي الاقتناع بقوة الكلمات، ولا يستطيع الفلسطينيون إقناعهم بوسيلة الحرب، فان هذا الانسداد هو الذي أملى على الفلسطينيين التحول الى اكتشاف واستثمار او استعمال هذا النوع من توازن القوى المبتكر، وربما المبدع سياسياً والخلاق. حين يغدو بمقدور الضحية وقد ساعدته الفطنة السياسية الذكية على استثمار هذا الكم بل الترسانة من إرث وإنجازات قانونية، نشأت بالأصل ويا للمفارقة كرد فعل حضاري وإنساني على الجرائم التي ارتكبتها النازية ضد اليهود بعيد الحرب العالمية الثانية، وذلك لاستعمالها كعراضة هذه المرة تحمي حقوق الإنسان والشعب الفلسطيني ازاء الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، وتعزل وتضعف في الوقت نفسه «بوليصة الحماية» والتغطية الدولية التي تقدمها أميركا لهذه الجرائم والتوغلات التي تقوم بها دولة الاحتلال.  
وهكذا باسم الشرعية والقوانين الدولية وبقوة الشرطة الدولية حول العالم، هل بات الضعفاء الذين يعانون من الظلم والاحتلال وغطرسة القوة الغاشمة، اقرب الى تحقيق ما كان خيالاً او حلماً بتقديم الجناة المحتلين الى العدالة؟ بل الى محاكمة الاحتلال وقياداته؟. 
ولعلها حقاً الضربة القوية ولكن الثانية بعد الانضمام الى محكمة الجنايات الدولية، وقد تعلم الفلسطينيون او علموا انفسهم هذا الفن السياسي الذي يقوم على توجيه اللكمات من الوزن الثقيل للاحتلال، دون ان يضطروا للدخول في معركة حربية واحدة. ونعرف اليوم ان الاستراتيجية القائمة على ما يسمى البناء القانوني هي واحدة من النقاط العشر التي طرحها الرئيس في خطابه التاريخي مؤخراً، وتمثل اطارا للاستراتيجية الفلسطينية في المرحلة الراهنة. 
واذ بدأ الفلسطينيون هذا المسار القانوني منذ خطاب الرئيس عرفات العام 1974 لأول مرة أمام الأمم المتحدة، بعد اعتراف هذه المؤسسة الدولية الاهم بمنظمة التحرير كمراقب في الجمعية العامة، الا ان سلسلة الاختراقات الهامة على هذا الصعيد انما تمت فعليا منذ العام 2012، أي في غضون السنوات الخمس الأخيرة، بعد اعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطين هذه المرة على حدود حزيران 1967 كعضو مراقب.  
وان هذا المسار الذي يمثل امتداداً للقوة الناعمة هو الذي يبلغ ذروته مع قبول دولة فلسطين كعضو في منظمة الشرطة الدولية، وقد لا يكون من المتوقع او المنتظر ان تصدر المحاكم الفلسطينية في رام الله او غزة غداً الى الانتربول قرارات قضائية، باستدعاء سياسيين او مستوطنين او جنود ارتكبوا جرائم بحق الفلسطينيين.  
ولكن ما يحدث، وهذا ما لا يجب ان نخطئ في تقديره والإسرائيليون معا، ان الوقت الذي بات يفصلنا عن تغيير قواعد اللعبة لم يعد بعيداً، وان هذا الاستثمار السياسي الفلسطيني لا يشكل هزيمة أُخرى لاستراتيجية الاحتلال، ولكنه يمثل بداية لبناء سور الحماية والدفاع عن الفلسطينيين، عبر الردع الذي تمثله هذه الخطوة لكبح جماح الاحتلال والمستوطنين من التمادي في ارتكاب جرائمهم. بعد ان اصبح للفلسطينيين محكمة وقضاء عالمي وجهاز شرطة دولية، يمكن توظيفه ليس لإنصاف مظلوميتهم على مستوى الرد على ممارسات الاحتلال، ولكن لتدفيع اسرائيل في يوم قادم ثمن هذا الاحتلال، والوصول فعلا الى الوضع الذي يرومه الضحايا بعدم إفلات اسرائيل من العقاب. 
والذي يحدث اليوم انه كلما تطاول الاحتلال زادت فاتورة الحساب، وان الجيل الحالي من الطبقة السياسية الحاكمة في اسرائيل والذي يختلف عن الجيل الأول، جيل موشي دايان واسحق رابين وشمعون بيريس وابا ايبان، انما هو الذي يقود إسرائيل الاستعمارية الى هذه النتيجة. واذ حاول الجيل الأول الأكثر ذكاء إضفاء قدر من النعومة المخملية على الاحتلال، لعدم إثارة الفلسطينيين او استفزازهم بصورة فاقعة ولا داعي لها، فان الزمرة اليمينية المتطرفة الحاكمة في إسرائيل اليوم، تبدو كما لو انها تتباهى وتفتخر في هذا الاستعمال الوحشي للقوة الغاشمة والقمع الى درجة الافتراء.