في اليوم الأول للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، أي ما تبقى من فلسطين التاريخية بعد نكبة 1948، كان قرار الاستيطان ضمن أولويات الحكومة الإسرائيلية.
وبالعودة إلى مذكرات زعماء دولة الاحتلال فإن النقاشات التي دارت مباشرة بعد حزيران 1967 كانت تتباين في الشكل وليس الجوهر. في أيلول من نفس العام أي بعد أقل من ثلاثة شهور على الاحتلال كان هناك طلب على طاولة رئيس الحكومة ليفي اشكول من أجل عودة مستوطني «عصيون» إلى المناطق التي تواجدوا فيها قبل العام 1948، أو قبل معركة «عصيون» الشهيرة التي انتصرت فيها المقاومة الفلسطينية (وإن كانت على طريقة «الفزعة» في ذلك الوقت) وتمكنت من إنقاذ الريف الغربي لبيت لحم بشكل كامل من سيطرة العصابات الصهيونية في العام 48.
بعد السماح بعودة المستوطنين إلى «عصيون» واتخاذهم المنازل التي أقامها الجيش الأردني في معسكره هناك كمساكن لهم، كان قادة الاحتلال لا يحبذون استخدام كلمة استيطان، واستخدموا في حينه مصطلح «الحيازة»، لعدم الوقوع في مواجهة دولية.
بعد خمسين عاماً على جريمة الاستيطان، فإن حكومة الاحتلال وعلى رأسها بنيامين نتنياهو، يفاخرون «بالإنجاز الاستيطاني العظيم»، ويؤكدون على ضرورة مواصلته، في كل «أراضي إسرائيل» (فلسطين المحتلة) دون قيد أو شرط.
نتنياهو الذي أقرت حكومته خلال السنوات الماضية بناء عشرات آلاف الوحدات الاستيطانية أعلنت قبل أسابيع بناء مستوطنة جديدة بعد هدم ما يسمى البؤرة الاستيطانية «عامونا» وهي «عامونا الجديدة» بعد مصادرة آلاف الدونمات من قرى نابلس ورام الله في تحدٍ سافر للمجتمع الدولي الذي وقف عاجزاً عن الرد، أما واشنطن ترامب فكانت موافِقة ضمنياً من خلال سياسة الصمت، علماً أن هذه المستوطنة تقطع التواصل بشكل كامل شمال الضفة عن وسطها.
نتنياهو في احتفال أُقيم في مستوطنة «كفار عتصيون» لمناسبة خمسين عاماً على الاستيطان يعلن بكل وقاحة، «لن يكون هناك إخلاء لأي مستوطنة»، أي بمعنى أن الاستيطان سيظل سرطاناً مستشرياً في الجسد الفلسطيني.
في نهاية العام 2015 وحسب تقرير لجهاز الإحصاء المركزي كان هناك 413 مستوطنة وقاعدة عسكرية للاحتلال في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، منها 150 مستوطنة و19 بؤرة استيطانية، علماً ان 48% من مساحة الأرض التي أقيمت عليها هذه المستوطنات هي ذات ملكية خاصة، فيما صادقت حكومة الاحتلال في العام 2016 على إقرار 115 مخططاً استيطانياً جديداً يشمل بناء أكثر من 5000 وحدة استيطانية جديدة في الضفة، وبشكل خاص في المنطقة المصنفة «ج» في أراضي الضفة والتي تقدر مساحتها بـ60% من أراضي الضفة الغربية. والتي يدّعي سفير الولايات المتحدة الأميركية في تصريح قبل أيام بأن الاستيطان ليس مشكلة، وأنه مع بقاء الاستيطان على ما هو عليه، وأن إسرائيل ستسيطر فقط على 2% من مساحة الضفة، وهذا ذر للرماد في العيون، لأن إسرائيل حقيقةً تسيطر على مساحة 60% من الضفة الغربية، وبالتالي فهي في النهاية تسيطر على ما يزيد على 90% من أراضي فلسطين التاريخية.
وليس هذا فقط، بل إن عدد المستوطنين تضاعف بسبب الامتيازات التي تقدمها حكومة الاحتلال لهم، ومنذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو وحتى منتصف العام 2017 تضاعف عدد المستوطنين أكثر من 7 أضعاف، ففي الوقت الذي كان فيه عددهم في العام 1994 قرابة 111 ألف مستوطن وصل اليوم إلى 750 ألف مستوطن، أي ما يزيد على 30% من عدد السكان الفلسطينيين في الضفة.
هذه المعطيات تؤكد أنه بعد 50 عاماً على الاستيطان الذي شاركت فيه كل القوى الإسرائيلية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، أصبح لا مجال للحديث عن حل الدولتين بمفهومه الفلسطيني، خاصةً وأن الذي وضع الحجر الأساس للاستيطان في الضفة والقطاع هو اليسار الإسرائيلي، بل الذي أقام معظم المستوطنات هو، أيضاً، اليسار الاسرائيلي قبل أن ينفلت عقال اليمين المتطرف ويسيطر على إنجازات من سبقوه.
الاستيطان هو الجريمة والعائق الحقيقي أمام أي تسوية سياسية حقيقية يمكن لها الصمود في وجه المتغيرات في المنطقة.
من يعتقد أنه يمكن تحقيق السلام مع سرطان الاستيطان هو واهم، والمطلوب منه فقط جولة جوية فوق الضفة الغربية ليعلم أن وهم الحل السياسي في ظل سياسة الأمر الواقع الاستيطانية أصبح من الماضي.
abnajjarquds@gmail.com