حقق اليمين المتطرف في الغرب اختراقات سياسية لم تكن متوقعة قبل بضع سنوات، وهو ما ينبئ ليس فقط بأن اتجاهات الرأي العام الغربي في طريقها للتغير تجاه عدد من القضايا مثل احترام التنوع الثقافي والدفاع عن حقوق الإنسان والابتعاد عن الفكر القومي المتطرف، ولكنه أيضاً يشي بأن العلاقات الدولية بشكلها الحالي قد تتغير ليحل مكانها تنافس أكثر ضراوة بين الدول وخارج إطار الأمم المتحدة التي تشكل الإطار الدولي القانوني الناظم للعلاقات بين الدول.
المؤشرات على صعود اليمين الغربي المتطرف كثيرة. نهاية العام المنصرم حقق ترامب فوزاً لم يتوقعه أي سياسي في العالم.
هذا العام، نافست مارين لوبين، رئيسة الجبهة القومية، على رئاسة فرنسا وحصلت على نسبة فاقت ٣٩٪ من أصوات الناخبين، وحصل حزبها على أكثر من ١٣٪ من الأصوات في الانتخابات البرلمانية.
في نفس السنة، تمكن حزب الحرية الهولندي من الحصول على ٢٠ مقعداً في البرلمان، ما جعله الحزب الثاني في هولندا.
الأسبوع الحالي، حصل حزب البديل لألمانيا على أكثر من ١٢٪ من أصوات الناخبين للبرلمان (البوندستاغ)، وهو ما جعله ثالث أكبر حزب في ألمانيا بعد الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي. فوز البديل لألمانيا بهذه النسبة العالية في الانتخابات قد يكون المفاجأة الأهم، لأن الحزب لم يحصل على نسبة الحسم في انتخابات العام ٢٠١٣ وهي ٥٪ وبالتالي لم يكن موجودا أصلاً في البرلمان.
يستند اليمين الغربي المتطرف في دعايته السياسية الى خطاب شعبوي جوهره أن "الشعب" ليس جميع المواطنين في الدولة، ولكن السكان البيض الأصليين فيها.
الشعب في هذا "الخطاب" يتم تقسيمه بشكل عمودي الى "أصلي" و"مهاجر". الأصلي هم أصحاب البشرة البيضاء والمهاجرون هم أصحاب البشرة الداكنة.
هذا الخطاب العنصري، تحديداً في أميركا، يتناسى متعمداً أن الغالبية العظمى فيها هم مهاجرون لأن السكان الأصليين تم القضاء عليهم ولم يبق منهم غير عدة ملايين.
المهاجر، وفق هذا الخطاب، هو من يرتكب الجرائم وهو يقف خلف العمليات الإرهابية في هذه الدول، وهو من يستولي على فرص العمل بسبب استعداده للعمل بأجر لا يقبل بها المواطن الأصلي الأبيض، وهو بالتالي سبب البطالة التي يعاني منها "البيض".
الغضب والكراهية، وفقاً لهذا المنطق، لا يجب توجيهه لأصحاب رؤوس الأموال أو الى سياسات الدولة الاقتصادية الخاطئة، كما يفعل اليسار الشعبوي الذي يقسم الناس بشكل أفقي، على أساس طبقي، ولكن تجاه المهاجرين. ولأن غالبيتهم من المكسيك في أميركا، ومن المسلمين العرب في أوروبا، فإن الخطاب الشعبوي اليميني يستهدفهم مباشرة.
ترامب فاز برئاسة أميركا بعد أن وعد ببناء حائط مع المكسيك، وطرد المهاجرين الذين لا يحملون وثائق إقامة في أميركا ــ عددهم ١١ مليوناً، 6 ملايين منهم من المكسيك ــ وحرمانهم من أي حقوق في الرعاية الاجتماعية، ومنع المسلمين من دخول أميركا، وتطبيق سياسة أميركا أولاً، بمعنى إدارة ظهره للعديد من الاتفاقات الدولية التي اعتمدها رؤساء أميركيون سابقون له.
البديل لألمانيا حصل على الموقع الثالث في البرلمان بتعظيمه لخطر إرهاب "المسلمين" الذين سمحت لهم أنجيلا ميركل، مستشارة ألمانيا، باللجوء الى ألمانيا. وبالادعاء أيضاً، بأن حكومة ميركل تبدد أموال الدولة عليهم في الوقت الذي يعاني منه الملايين من الشبان الألمان من البطالة وتدني الأجور خصوصاً في القسم الشرقي منها (دولة المانيا الشرقية سابقاً). وهو ما يشير الى أن مسألة الاندماج التي حصلت العام ١٩٩٠ ما زالت غير مكتملة. حصل حزب البديل في هذا الجزء من ألمانيا على ضعف عدد الأصوات التي حصل عليها في ألمانيا الغربية.
هنالك أيضاً شيء لافت للانتباه في صعود اليمين المتطرف. هنالك تركيز على "الهوية الثقافية" وعلى المسألة القومية هدفه الأساس تكريس الاستقطاب داخل المجتمعات الغربية من أجل الفوز في الانتخابات، وهذا يشبه الى حد ما تركيز حركات الإسلام السياسي على الهوية الإسلامية كأداة للفوز في الانتخابات (المعتدلون) أو لتجنيد الأفراد (حركات الإسلام السياسي المتطرف).
ما يجمع الغربيين، وفق خطاب الهوية، أن بشرتهم بيضاء وأنهم مسيحيون. غير المسيحيين وأصحاب البشرة الداكنة ليسوا جزءا من الغرب، لذلك لا يجب قبول ثقافتهم أو الاعتراف بحق أصحابها بممارستها في الغرب.
هذا خطاب يجلب ناخبين جددا لصناديق الاقتراع خصوصاً من الفئات غير المتعلمة ومن سكان الأرياف الذين يتشككون بطبعهم من كل شيء لا يعرفونه.
وهو خطاب يترافق مع "النفخ" في الهوية القومية التي تركز على التاريخ والرموز من أجل الإيحاء بأن اللاجئين ليسوا جزءاً من هذه الهوية كون هذا التاريخ وهذه الرموز سابقة لوجودهم.
لذلك شاهدنا الأسبوع الماضي كيف هاجم "ترامب" لاعبي كرة القدم الأميركيين الذين لا يقفون للنشيد الوطني احتجاجاً وتعبيراً عن رفضهم لاستمرار سياسات التمييز بحق الأميركيين الأفارقة. ترامب قال بأن هؤلاء الذين لا يحترمون النشيد الوطني وتضحيات الجنود الأميركيين يجب طردهم من الفرق الرياضية، متناسياً أن الأميركيين الأفارقة يخدمون أيضاً في الجيش الأميركي.
البديل لألمانيا يلعب بدوره على وتر المشاعر القومية للألمان عندما يُعظم من أداء الجيش الألماني خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وعندما يشكك في صحة الهولوكوست، أو بشكل أدق في عدد ضحاياه مقارناً إياه بالجرائم التي ارتكبها "اليهود" الروس من قادة الثورة البلشفية بحق خصومهم.
لعل الأبرز في خطاب اليمين المتطرف، الذي يميزه الى حد ما عن خطاب النازيين، هو تلك القناعة بأهمية دعم إسرائيل لأنها في نظرهم الحائط الذي يحمي "الغرب" من المسلمين.
لا يمكن الجزم بطبيعة الحال إن كان السبب يعود الى خشية اليمين المتطرف من اللوبيات اليهودية القوية في أميركا ودول أوروبا، وبالتالي محاولة تجنب الصدام معهم في الوقت الحالي، أم أن السبب يعود الى قناعة حقيقية من قبلهم أن إسرائيل تشكل خط دفاع أماميا عن "الغرب".
ما هو حقيقي أن هذا الخطاب عنصري يستهدف المسلمين وأن هنالك مخاوف حقيقية عليهم إذا وصلت هذه الأحزاب المتطرفة للحكم في أوروبا.
في أميركا، ترامب مجرد ظاهرة بلا حزب يدعم سياساته. إن لم يشكل حزب سياسي أو حركة سياسية داعمة له، هذه الظاهرة قد تختفي بعد أربع سنوات.
في أوروبا، الجماعات المتطرفة لها أحزابها وحضورها أصبح قوياً، وهي ستستغل إرهاب الجماعات المتطرفة واستمرار الهجرة الى أوروبا من الشرق الأوسط لتعزيز نفوذها والوصول الى السلطة.