من يقرر مصير الشعب الكردي؟ مهند عبد الحميد

الثلاثاء 26 سبتمبر 2017 10:26 ص / بتوقيت القدس +2GMT
من يقرر مصير الشعب الكردي؟ مهند عبد الحميد



الاستفتاء في كردستان العراق، الذي يحظى بتأييد الاكثرية المطلقة من الشعب الكردي، يقابَل برفض دولي وإقليمي، وإذا كان الرفض الدولي يتباين من دولة الى أُخرى ولم يرق الى مستوى رفض حاد، فإن الرفض الاقليمي (العراقي الايراني التركي) انتقل الى طور الاجراءات والتهديد باستخدام القوة، حيث بدأت المناورات العسكرية وإقفال المجال الجوي أمام كردستان العراق. وجه الغرابة في الموقف الدولي والإقليمي المعادي للاستفتاء يكمن في قلب مبدأ حق تقرير المصير لهذا الشعب رأساً على عقب. فقد درجت تلك البلدان على تقرير مصير الاكراد من طرف واحد ومن خلال انظمة الحكم التي لا تأخذ بالاعتبار مصلحة الشعب الكردي ولا مصلحة الشعوب التي تحكمها ايضا. وكانت تجربة مائة عام من تقرير مصير الاكراد من قبل تلك الانظمة، مليئة بالفشل والظلم والاضطهاد والتمييز، ورغم الفشل الذريع يرفض النظام الدولي ودول الاقليم إعادة النظر والمراجعة والتغيير، في الوقت الذي نفد فيه صبر الشعب الكردي على تحمل الغبن والمعاناة التاريخية. 
الموقف الإسرائيلي المنفرد المؤيد للاستفتاء ولإقامة دولة كردية مثير للاستغراب والتناقض، ويخضع لحسابات لا يوجد بينها مصلحة الشعب الكردي الفعلية. فقط إسرائيل كدولة كولونيالية اقليمية تريد موطئ قدم لها في مواجهة ايران المنافس القوي على النفوذ الاقليمي، ويهمها استمرار النزاعات الاقليمية وصرف الانظار نحو حروب وأخطار بعيدا عن منطقة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، لتبرر بقاء احتلالها للاراضي الفلسطينية وللجولان السورية. وجه التناقض في الموقف الاسرائيلي يتجلى في تأييد حق الأكراد في تقرير مصيرهم من جهة، ورفض حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ذلك الرفض المقترن بأعمال وإجراءات متواصلة لتقويض هذا الحق وتدمير مقوماته على الأرض من جهة أخرى. هكذا نجد دولة تحتل شعبا ووطنه وتسيطر عليهما، وتعطي نفسها "حق" تقرير مصيرهما من طرف واحد ونيابة عنهما، وتستمر في السيطرة والاضطهاد والتطهير العرقي بحق شعب معترف بحقوقه المشروعة من معظم دول العالم، عبر عشرات القرارات الصادرة من ارفع المؤسسات الدولية كمجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو. الموقف الإسرائيلي متنافر ولا يمكن ان يكون مع حرية الشعب الكردي، في الوقت الذي يضطهد فيه الشعب الفلسطيني، فحرية الشعوب لا تتجزأ. الموقف الإسرائيلي هو "كعب أخيل " أو نقطة ضعف القيادة الكردية المنفتحة عليه، نقطة ضعف تفعل فعلها في تشكيل رأي عام شعبي عربي ضد الأكراد، وفي تبرير رفض حقهم المشروع في تقرير المصير بما في ذلك حقهم في الانفصال عن الدولة العراقية. ولكن هناك فرقا كبيرا بين استخدام العلاقة الإسرائيلية الكردية من أجل التنكر للحقوق المشروعة للشعب الكردي وتبرير حصارهم وقمعهم وإخضاعهم مرة أخرى، وبين كشف حقيقة تلك العلاقة التي تلحق الضرر بمصالح الأكراد والعرب، وتبيان فداحة الخطأ الذي ترتكبه النخبة السياسية الكردية في العلاقة مع دولة الابارتهايد الاسرائيلية، مع استمرار دعم الحقوق الكردية وتوطيد التحالف مع الشعب والقوى الديمقراطية الكردية.
الشعب الكردي الموزع على مناطق جغرافية في العراق وايران وتركيا وسورية وغيرها، يشكل جزءا مهما من شعوب تلك البلدان، وقد تشارك معها في النضال ضد الاستعمار ومن أجل الاستقلال، وتقاسم معها القمع والاضطهاد من قبل أنظمة ديكتاتورية، بل كانت حصته هي الأكبر من البطش بسبب كونه أقلية قومية. إن فشل الدولة الشمولية في دمج وتوحيد الأكراد وقوميات أخرى من خلال الدولة وعلى أساس حق المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات والتعدد الثقافي والديني، هذا الإخفاق وثيق الصلة، بفشل تلك الأنظمة في تنمية وتطوير المجتمعات وإكسابها حق المواطنة. وذلك بعد ان حوّل النظام الحاكم الدولة الى سلطة مطلقة مدعمة بأجهزة أمنية فاشية تعمل خارج القانون، وقد قامت فعلاً بتصفية الأحزاب المعارضة وسيطرت على النقابات والاتحادات وأفرغتها من مضمونها، وألغى النظام الحاكم المجتمع المدني واستبدله بولاءات قبلية عشائرية وطائفية وعلاقات ما قبل رأسمالية. وكما نرى في تجربتي العراق وسورية فإن النظامين الشموليين فيهما ساهما بشكل أساسي في تفتيت بنية المجتمعين الداخلية وقوضا الوحدة الوطنية داخلهما، ولم يستجيبا لأبسط مطالب الحرية والديمقراطية للقوى السياسية وقاما بسحقها، ولم يستجب النظام السوري لمطالب الانتفاضة السلمية الشعبية، ومارس القمع الدموي وحولها الى حرب أهلية فتحت الأبواب أمام كل أشكال التدخل الرجعي والاستعماري والطائفي. إن أنظمة لا تعترف بحقوق مواطنيها وقادت تحولات رجعية هدفها الحفاظ وتحصين الحكم الى ما لا نهاية، مثل هذه الأنظمة لا تعترف بداهةً بحقوق الأكراد والأقليات الأُخرى سابقاً والآن. فقد سبق للنظام الملكي العراقي وأن ارتكب "مذبحة سمول" وتدمير 62 قرية أشورية في العام 1933 بحق الأشوريين برعاية الاستعمار البريطاني، وارتكب النظام الجمهوري مذابح "صوريا" و"الأنفال" و"حلبجة" التي استخدم فيها السلاح الكيماوي، وقتل في تلك المذابح الآلاف من الأكراد. ويتناغم الموقف الإيراني من الأكراد مع الموقفين العراقي والسوري، فالأكراد يتعرضون بدورهم للقمع والاضطهاد في إيران، الموقف ذاته ينطبق على الحكومة التركية التي أعلنت الحرب على الأكراد ولا تعترف بحقوقهم، انسجاماً مع تاريخ الامبراطورية الأسود في التعامل مع القوميات الأُخرى، ومن المفيد التذكير "بمذابح الأرمن" الوحشية التي ارتكبتها تركيا بحقهم. 
إن تاريخ هذه المنطقة التي يعيش فيها الأكراد، لا يحمل في ثناياه وفي كل المراحل غير التنكر للحقوق والتمييز والتشويه عبر إلقاء تهم التعاون مع الأعداء وغير سحق كل محاولة للمطالبة بالحقوق. إزاء ذلك من حق الأكراد ان يقرروا مصيرهم بأنفسهم بدون تدخلات خارجية. ولا يوجد مبرر واحد لرفض الاستفتاء الذي سيعرف العالم بموقف شعب مضطهد فيما إذا كان يرغب في الانفصال عن الدولة العراقية ام في بقاء العلاقة. لماذا يُحرم ملايين الأكراد من تقرير مصيرهم، لماذا يبقون تحت رحمة حكومات فاشلة وفاسدة وديكتاتورية. بقي القول، من المنطقي أن يؤيد الشعب الفلسطيني الذي يعاني الأمرّين من الحكم الاستعماري الإسرائيلي، مسعى الشعب الكردي في تقرير مصيره بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة، وفي الوقت نفسه فإنه يثق بأن الشعب الكردي سيضع حداً للعبة الإسرائيلية في المسألة الكردية راهناً ومستقبلاً، وسيبقى يناضل الى جانب الشعب الفلسطيني من أجل الخلاص من الاحتلال الاستعماري وتقرير مصيره بنفسه. 
Mohanned_t@yahoo.com