بعد أن فشلت إسرائيل في ثناء الفلسطينيين عن المطالبة بحقوقهم السياسية وتخليهم عن قضيتهم الوطنية، بدأت تعمل إسرائيل ضمن خطة منهجية وبكل الوسائل خاصة الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، على اغتراب الانسان الفلسطيني في وعن وطنه وواقعه على كل المستويات (اجتماعياً وسياسياً وخاصة الاغتراب الوطني)، وهي في سبيل ذلك دربت العديد من الناطقين الاعلاميين على التعامل مع العرب والفلسطينيين، ومحاولة الاستغلال واللعب على بعض القضايا السياسية والظروف الاقتصادية والقهرية التي يعاني منها الشباب الفلسطيني، وهذا ما قام به المتحدث بلسان جيش الاحتلال الاسرائيلي للإعلام العربي (آفخاي أدرعي)، عبر السوشيال ميديا، والخطاب الإعلامي الهادف والمظلل بظهوره على وسائل الإعلام الأخرى وخاصة الفضائيات العربية.
كذلك ما يقوم به (يوآف مردخاي) منسق المناطق في جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي أسس صفحة فيسبوك باسم "المنسق" باللغة العربية، والذي يتحاور مع الآلاف من الشباب الفلسطينيين، ويسمع لمشاكلهم ويعمل على حلها، مستغلاً موقعه وتحكمه في المعابر والدخول والخروج، ليظهر بثوب وبوجه انساني (زائف ومظلل) ليغطي على الوجه القذر للاحتلال الغاشم، معتقداً أنه بذلك سيغير الحقائق وسيجلب قلوب الشباب إليه ويقلبهم على قضيتهم الوطنية، وبحسب موقع "مكور ريشون" العبري الذي ختم تقريره عن يوآف مردخاي بالقول: كل العمليات تنفذ وفق سياسية الحكومة الإسرائيلية وبموافقتها، الأمر الذي دعا صائب عريقات (دعائنا له بالشفاء العاجل) بالقول أن مردخاي هو (الرئيس الفعلي للسلطة الفلسطينية).
وفي السياق ذاته جاءت "خطة الحسم"، خطة الترانسفير، الذي قدمه سموتريتش النائب عن حزب البيت اليهودي، والتي تهدف لتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الأصليين بتشجيعهم على الهجرة بتقديم حوافز مالية لهم. وكنت قد تناولتها (خطة الحسم) في مقال سابق.
واستمراراً لسياسة "كي الوعي" أعلن الجيش الإسرائيلي عن خطة أمنية جديدة للتعامل مع المقاومة في الضفة الغربية، حيث تقوم هذه الخطة بتقسيم سكان الضفة الغربية الى ثلاثة أقسام (لا مبالين، مردوعين، فدائيين)، وتهدف الخطة لقتل الروح المعنوية والوطنية لدى الفدائيين من خلال ما يسمى "كي الوعي" الذي ينقلهم من حالة الإيجاب الى السلب من "الديناميكا الوطنية" إلى (الاستاتيكا- الاستكانة القائمة على المصلحة الشخصية) بحيث يصبحوا لا مبالين لهموم الوطن وانشغالهم أكثر بهمومهم الشخصية، وأيضاً تشجيع اللا مبالين على الاستمرار بقناعاتهم من خلال منحهم مزيد من التسهيلات بالعمل في إسرائيل.
هذا التصنيف ينطبق على سكان الضفة الغربية ولكن لا يمكن اسقاطه على سكان قطاع غزة بسبب عدم الاحتكاك بالاحتلال، وإذا كان هناك تصنيف لسكان غرة سوف يقتصر على فئتين وهما (مهمومين، فدائيين) فلا وجود للمردوعين نظراً لغياب الاحتكاك كما أسلفنا، فمن هم المهمومين إذاً / هم الذين امتلأ فكرهم بمقتضيات حياتهم اليومية، هم الذين لا متسع لديهم للتفكير بالوطن والوطنية، هم فئة الشباب الذين سرق مستقبلهم وأحلامهم الوردية، هم أيضاً الذين شغلهم الشاغل الحديث عن أزمة الكهرباء والماء وتلوث مياه البحر وترقب فتح معبر رفح دون الاكتراث بما يحصل بالشطر الآخر من استيطان وتهويد للقدس!! هم الرهان وأيضاً هم الوقود في ظل صراع المنقسمين، هم الذين تكالب عليهم الاحتلال وقهره وظلم أهل القربى، هم الذين أنهكهم أصحاب مشروع الانقسام ليمرروا أجندتهم ومصالحهم الخاصة، وهم ... فلا متسع هنا لتعريفهم ووصفهم بشكل كامل.
إن ما يسمى بسياسة (العصا والجزرة) التي تتبعها إسرائيل في معاملتها مع الشعب الفلسطيني بهدف ثنيهم عن نضالهم الوطني لن تنجح في سلب الارادة الوطنية للشعب الفلسطيني الذي بقى صامداً على أرضه رغم كل التقلبات والمتغيرات السياسية التي طرأت عليه وعلى الوضع العربي، ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة، ورغم حالة التشظي والانقسام العقيم الذي أنهك الشعب الفلسطيني وأعطى فرصة للاحتلال للتمادي في صلفه وسياسته العنصرية والتوسعية.
ودعائنا وتمنياتنا أن يكون اتفاق القاهرة آخر حلقة في مسلسل الانقسام المقيت وأن يخيب ظن المتشائمين وتفويت الفرصة على ذوي المصالح الذاتية المنتفعين من استمرار الانقسام.