التصعيد لفرض الوجود والدور ..صادق الشافعي

السبت 23 سبتمبر 2017 09:16 ص / بتوقيت القدس +2GMT



لم يتوقف دور دولة الاحتلال في دعم قوى المعارضة السورية، المسلحة منها بالذات، منذ بداية الأزمة حتى يومنا هذا. يقوم الدعم على حقيقة أن دولة الاحتلال هي المستفيد، ربما الأول، من كل ما يتهدد سورية  وتماسكها وقوتها ودورها في المنطقة.
وتتنوع أشكال الدعم من زيارات رموز قيادية من المعارضة، إلى تطبيب الجرحى، إلى شن غارات جوية على مواقع منتقاة داخل سورية وضرب أرتال عسكرية، إلى ضرب أي محاولة لتواجد مقاوم على حدودها في مهده.
وأيضا، لم يتوقف تعاطي دولة الاحتلال مع الوجود والدور الإيراني في سورية باهتمام وتزايد متواصل منذ البدايات الأولى. وظل هذا التعاطي يقوم على التنبيه والتحذير من خطر هذا الوجود والدور عليها، وعلى مستقبل المنطقة كلها وعلى أي ترتيبات مقبلة في سورية او في المنطقة.
ظل في صلب هذا التعاطي، التخوف من وجود إيراني عسكري دائم في سورية، والتخويف من حصول إيران على ممر بري عبر العراق وسورية يربطها بالبحر (ما يطلقون عليه الجائزة الكبرى) وما لهذا التطور في حال حصوله من تأثيرات خطيرة عليها وعلى دول المنطقة عموماً.
وتوافق هذا التعاطي وتناغم مع رفض دولة الاحتلال العدائي للاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى. وقد مارست على الولايات المتحدة بالذات، التحريض والضغط من أجل إلغائه والخروج منه.
وظلت خلفية كل ما تقدم حالة عداء دولة الاحتلال الدائمة لإيران بسبب موقفها الداعم للقضية الوطنية الفلسطينية، وعدم اعترافها بدولة الاحتلال والعداء لها، ثم دعمها لحزب الله اللبناني.
وظل التعاطي المذكور يمضي في مسار ذي وتيرة ثابتة إلى حد كبير.
اذن، لماذا تغيرت الوتيرة وارتفعت ارتفاعاً ملحوظاً وشهد مسار التعاطي تصعيداً نوعياً مدروساً منذ ان تم التوصل الى "اتفاق خفض التوتر" في جنوب غربي سورية التي تضم القنيطرة والجولان الحدوديتين؟ وقد تم الاتفاق المذكور، كما الاتفاقات السابقة له، برعاية روسية إيرانية تركية، وبموافقة أميركية ضمنية.
الاتفاق بذاته لم يحدث تغييراً نوعياً في واقع الحال على حدود دولة الاحتلال مع سورية لجهة تشكيل خطر إضافي جديد عليها، ولا هو أعطى الضوء الأخضر لوجود قوات إيرانية على حدودها. لكن الاتفاق أعطى مؤشراً قوياً يضاف إلى المؤشرات العديدة السابقة أن نهاية الحدث السوري قد دخلت في مراحلها الأخيرة واقتربت كثيراً من خواتيمها. خصوصاً وان ذلك يحصل مع توفر أفضلية عالية لصالح الدولة السورية وحلفائها. وهذه الأفضلية قد تحققت أساساً في الميدان وعلى ارض الواقع، ولكنها تحققت أيضا بالسياسة. وكان تعبير تحققها السياسي الأبرز تنازل كل الدول المعنية عن شرطها الذي كانت ترفعه وتتمسك به برحيل الرئيس الأسد كمقدمة لأي حل، بل واعتراف معظمها بانتصار الدولة السورية وحلفائها، صراحة او ضمناً.
هذا يعني، كما فهمته دولة الاحتلال، ان أوان البحث في مستقبل سورية وفي ترتيبات ما بعد اندحار الإرهاب قد حان، وحان معه أوان بحث القوى والدول الطامحة عن دور ومصالح ونفوذ لها في سورية، بغض النظر عن واقعية وإمكانية ذلك وعن حظوظه من النجاح.
 في كل هذا، وجدت دولة الاحتلال نفسها معزولة تماما ولا دور لها، وأنها "خرجت من المولد بلا حمص". فلجأت إلى  التصعيد المدروس المشار إليه للتذكير بنفسها ولمحاولة فرض وجود ودور لها كقوة إقليمية لا يجوز تجاهلها ولا تقل عن تركيا وإيران. قامت بذلك بإعلانها اعتراضات وممانعات أرفقتها بمطالب وشروط لا تخلو من تهديدات وخلق إشكالات، واتكأت على حلفاء لها من الدول الغربية.                                                                                   البداية كانت يوم أعلنت رفضها لاتفاق خفض التوتر المشار إليه آنفاً مع انه لم يكن لها أي علاقة من أي نوع ودرجة فيه.
وعنوانها الأول ومدخلها إلى ذلك  كان  التحذير الرافض لأي وجود إيراني دائم، وبشكل خاص عسكري او أمني، في سورية بشكل عام، وعلى حدودها بشكل اخص. وهي تعلم استحالة تحقق ذلك في اي ترتيبات، لما فيه من مساس مرفوض بالسيادة الوطنية السورية.
أما الهدف الحقيقي المباشر لدولة الاحتلال من وراء تصعيدها، إضافة إلى فرض وجودها ودورها، فهو الضغط، بالاستعانة بحلفائها الأميركيين بالذات، في محاولة لفرض ترتيبات أمنية على حدودها مع سورية تحظى بالرعاية الدولية، وتتم تحت رايتها تؤكد حماية هذه الحدود، وتبعد عنها ليس الخطر الإيراني فقط، بل والخطر السوري قبله، وخطر اي من حلفاء سورية الآخرين.
في سياق هذا التصعيد والهدف من ورائه، جاءت زيارة نتنياهو الى موسكو ولقائه الرئيس بوتين دون ان تحقق النجاح المطلوب. 
وفي نفس السياق كانت الغارة الجوية على مصياف، وجاءت التهديدات بالحرب على لسان بعض وزراء حكومة الاحتلال والتلميح بالخطر على حياة الرئيس السوري كما جاء في أقوال وزيرة العدل فيها.
ويتقاطع مع سياق التصعيد والهدف من ورائه، التجيير المقصود والمبالغ في تضخيمه، عن تأسيس لعلاقات طبيعية وغير عدائية لإسرائيل مع دول عربية سنية (هل هناك دول عربية غير سنية؟). للقول إنها دولة عادية ومقبول وجودها بالمنطقة.
في الأهداف غير المباشرة للتصعيد يأتي طموح دولة الاحتلال تحصيل قبول واعتراف بضمها النهائي لمنطقة الجولان المحتل منذ العام 1967،  ليشكل ذلك ترسيماً لواقع أعلنت اكثر من مرة تأكيدها عدم التفكير وعدم الاستعداد لأي تغيير فيه، بأي حال. وجاء التأكيد الأخير على لسان نتنياهو نفسه في معرض تشجيعه الشباب للاستيطان في الجولان والاستثمار فيه.
حتى الآن، لا تظهر أي إشارات جدية على استجابة لتصعيد دولة الاحتلال، وتبدو الاحتمالات الواقعية لحصول ذلك واهية.