مصر تخلع حماس من قطر ..محمد أبو الفضل

السبت 23 سبتمبر 2017 09:03 ص / بتوقيت القدس +2GMT



النجاحات التى تحققت على المستوى الفلسطينى مليئة بالدلالات الأمنية والسياسية، وتؤكد صواب الحسابات التى رأت ضرورة الصبر على حماس، وعدم مبارحة مصر المربع الإستراتيجي، مهما بلغت تجاوزات الحركة، والنتيجة التى جرى التوصل إليها خلال الأيام الماضية تثبت صواب هذه العقيدة الراسخة.

جذب حماس خطوة كبيرة بعيدا عن قطر، يمثل أحد المكاسب الكبيرة، لأنه يحرم الدوحة من ممارسة دورها التخريبى فى غزة ووقف عمليات التنغيص على مصر عبر دعم التنظيمات الإرهابية، بل رفع يد الدوحة عن القضية الفلسطينية برمتها، فى ظل انشغالات وهموم متعددة تمر بها قطر، الأمر الذى يحرمها من تدخلات بغيضة فى عدد معتبر من القضايا الإقليمية.

استجابة حماس للتقديرات المصرية التى قُدمت لوفد الحركة الذى زار القاهرة مؤخرا، تصب فى ما ذهب إليه مقال الأسبوع الماضى «فرصة حماس الثمينة» فى هذا المكان، وتدل الموافقة على حل اللجنة الإدارة المسئولة عن إدارة قطاع غزة والقبول بحكومة وفاق وطنى ومصالحة فلسطينية وانتخابات عامة، على رغبة ظاهرة لوقف الانقسام الفلسطيني، الذى لم تستفد منه إسرائيل فقط، لكن شاركتها كل من تركيا وإيران وقطر فى استثمار هذه النقطة اللعينة.

لذلك كان أحد المحاور الذى اشتغلت عليه القيادة المصرية، هو وقف الانقسام والتقدم نحو مصالحة وطنية، ليس بالضرورة تحقق لكل طرف أهدافه كاملة، لكن تفتح المجال للحفاظ على ما تبقى من أهمية للقضية الفلسطينية، وجرى البدء بسلسلة من الحلقات المتاحة، وحسب مقتضيات كل مرحلة، وفى جميع المراحل التى أشرفت فيها مصر على اللقاءات والحوارات والمناقشات والتفاهمات الفلسطينية، المباشرة وغير المباشرة، لم يتزحزح اليقين حول أولوية لم الشمل كمقدمة لما يأتى من خطوات سياسية.

عندما بدأت مصر حواراتها الجادة مع حماس منذ بداية العام، تصور البعض أن الأمن هو المعضلة الوحيدة التى جعلت المسئولين عندنا يقبلون الحوار مع الحركة، وغض الطرف عن انتمائها لجماعة الإخوان وما ارتكبته وبصور مختلفة من حماقات فى الداخل المصري، ونسى أو تناسى كثيرون أن هناك اعتبارات إستراتيجية تاريخية تستوجب الصبر والتأنى على انفلات الحركة، التى سبق لها عدم الالتزام بعدد كبير من التفاهمات الأمنية والسياسية، لكى تنضج الثمرة ويمكن قطفها فى أوانها المناسب.

التطورات الضاغطة لعبت دورا مهما فى إجبار حماس على قبول ما لا يمكن القبول به من قبل، فالقطاع يموج بغليان شعبى فى ظل اشتداد الحصار الإسرائيلى وعقوبات السلطة الفلسطينية الجديدة، والحركة أصبحت فى مأزق اجتماعى واقتصادي، ولم تجد سوى مصر لتخفيف أزمتها.

كما أن جماعة الإخوان التى تنتمى لها حماس دخلت مرحلة خطيرة من التدهور وتوالت الضغوط عليها، فاضطرت الحركة إلى تعديل ميثاقها للإيحاء بتحللها من قيود الجماعة، وكل من قطر وتركيا وإيران لديه من الأزمات ما يجعل الإصرار على توظيف الحركة ضد مصر وغيرها لعبة مكشوفة يمكن أن تفضى لزيادة الأضرار التى وقعت عليهم جراء التدخلات السافرة فى شئون الدول الأخرى، ولم تجد الحركة سوى محاولة القفز من سفن الدوحة وأنقرة وطهران أملا فى إنقاذ ما تبقى لديها من رشادة سياسية.

الجهود المصرية استغرقت وقتا طويلا وكانت لها مقدمات ليست خافية على البعض، بدأت بالاستعانة بالقيادى الفلسطينى محمد دحلان زعيم التيار الإصلاحي، وفتحت قنوات تواصل مباشر بينه وحركة حماس، وحاول كل طرف تجاوز خلافاته ومراراته السابقة، حتى تم الوقوف عند محطة تفاهمات قادت إلى الاتفاق على التعاون المشترك بين الطرفين فى غزة لتخفيف آلام الحصار وضبط الأمن وفتح الباب لمصالحة شاملة.

فى هذه اللحظة، تصورت بعض الدوائر الفلسطينية أن ثمة مؤامرة تحاك ضد السلطة فى رام الله، وتم تبديدها بعد سلسلة من الحوارات أجرتها مصر مع قيادات حركة فتح، واضطرت الأخيرة إلى تليين مواقفها مما يجرى لأنها تيقنت أنه يصب فى مصلحة القضية الفلسطينية، حتى جاء وفد حماس للقاهرة وسارت الأمور فى طريق يشى بقدر كبير من التفاؤل، الذى تعزز بلقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى كلا من الرئيس أبومازن، وبنيامين نيتانياهو رئيس وزراء إسرائيل، الاثنين الماضي، فى نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة.

هذه المعطيات، تؤكد أن مصر تمسك بكثير من المفاصل الرئيسية فى القضية الفلسطينية، لأنها أيضا تحظى بدعم دولى ومساندة عربية واضحة، ما يسمح بعدم استبعاد انطلاق قطار التسوية السياسية قريبا، الذى كانت تل أبيب تتنصل من ركوبه بذريعة الانقسام الفلسطيني، الذى سمح لقطر وغيرها بتوظيفه، والاستفادة من تناقضاته الحركية، ما أرخى بظلال سلبية تناثرت تداعياتها فى زوايا مختلفة، من أبرز نتائجها تكريس الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية.

سحب، أو بمعنى أدق خلع حماس من أنياب قطر الذى لاحت مؤشراته مؤخرا، يساعد على تقليل حدة الخلافات التى عمقتها سياسات وتصرفات الدوحة بسبب تحكمها فى عدد معتبر من مفاتيح الحل والعقد داخل حركة حماس، وهى ممارسات أسهمت بقوة فى فشل جولات المصالحة الفلسطينية السابقة، وفرملة التصورات الرامية إلى جمع الشمل، لأنه الباب الذى يسد الكثير من الثغرات أمام الدول التى دأبت على الدخول منه واستثمار المسافات المتباعدة بين القوى الفلسطينية.

إذا نجح سيناريو عزل حماس عن قطر وتجفيف منابع الدعم القادم من الدوحة، سوف تكون لهذا التحول نتائج إيجابية، أبرزها وقف النفوذ الذى تمتعت به بعض التنظيمات المتطرفة فى غزة، ورفع جزء مهم من العقبات التى حالت دون المصالحة، وتشجيع الدول الراعية للسلام على حض إسرائيل للعودة إلى طاولة المفاوضات وحشرها فى زاوية يصعب التنصل منها بسهولة، لأن القضية الفسلطينية لا تزال هى القضية الأم فى المنطقة والمدخل الذى تستعيد منه بعض القوى بريقها الإقليمى.

عن الاهرام